مجلة البعث الأسبوعية

ابنة مصياف.. ميسون عمران: المسرح المدرسي يجب أن يكون مادة مقررة لا “نشاطاً لا صفياً”!!

“البعث الأسبوعية” ــ تمّام علي بركات

ابنة مصياف مزيج الجبل والمدينة، الجبل ومطارح طفولتها.. هناك تعلمت، ومنذ نعومة جدائلها، سحر “اللعب الجماعي الملهم”، كما تصفه. لم يخطر في بالها أن لعبها في “الحارة” التي سكنت، وأهلها، في مصياف، سيكون سبباً مهماً لنجاحها في فحص القبول في المعهد العالي للفنون المسرحية – دراسات مسرحية.. بالقرب من البيت الجديد، يقع المركز الثقافي، وهناك تسنى لها أن تتابع العديد من العروض المسرحية.. عن ذلك تقول: “لم أكن أظن أن لعبي في الحارة سيكون سبباً لأنجح في فحص القبول في المعهد العالي! كنت ألعب وحسب، مخزّنة في ذاكرتي تلك العروض التي تسنى لي حضورها في المركز الثقافي في مصياف، لأقوم، مع صديقتي، في حارتنا الجبلية، بعرض اعتمد على نص قراءة في الصف السادس”.

أول عرض لها كان “أبو القاسم الطنبوري”، من إخراجها وإعدادها وصديقتها، ومن تمثيلهما أيضاً. تقول ميسون عمران: “لم نكن نعي أننا نُخرج، أو أننا نُمسرح قصة.. كنا نلعب!”. أقامتا عرضهما الأول في الهواء الطلق، بعد أن جلبتا من بيتيهما ما يلزم كديكور. “كان الجمهور هو الأهل وبعض الجيران في الحارة، وكان من الحضور أيضاً بعض دجاجات الحي (..)”، وتتابع ميسون: “اكتشفت حين دراستي الأكاديمية أننا كنا نطبق – دون أن نعلم – بدائية العروض، المسرح الدائري، (اللعبية)”، ثم توالت عروضها المسرحية في الحارة.. يومها أدركت أي ضوء تريد المشي صوبه!

تعود مجدداً إلى بلدتها بعد أن أنهت دراستها، وبعد فترة طويلة قضتها في العاصمة، في العمل الإداري للمسرح المدرسي.. عادت لتعمل مع طلاب كانوا يوماً بعمرها حين بدأت علاقتها مع أبي الفنون.. عن ذلك تقول: “حين استقريت في مصياف بعمل مؤسساتي لوزارة التربية (المسرح المدرسي) لم أقدم ما هو بالجديد في هذا المجال، فهناك من سبقني وثابر، لكن الجديد الذي قدمته هو المسرح التفاعلي، والعمل على استمرارية العمل المسرحي مع طلاب المدارس، ومع زملائي من المعهد المسرحي، لا سيما أن نشاط الشبيبة الذي كان يقدم عروضاً مسرحية ويساهم في الحياة الفنية، تراجع لأسباب أجهلها، وعمل منظمة الطلائع بقي خجولا!”.

لم تجد ميسون عملها فعالاً كما يجب، أو كما تتمنى أن يكون المسرح المدرسي، لأنه يعتمد على مجموعة محددة من الطلاب قد يكونون عشرة طلاب من أصل خمس عشرة مدرسة في مصياف، ما بين التعليم الأساسي والثانوي.. تقول: “للأسف، لا زلنا نعتبر المسرح المدرسي نشاطاً لا صفياً؛ وإن كان للمسرح المدرسي أن يكون أكثر فعالية، فيفترض أن يكون ضمن المنهاج، كما هو حال الرسم، والموسيقا، والرياضة”. في الفترة التي قضتها عمران في وزارة التربية، قدمت دراسة لجعل المسرح في المنهاج، لكنها أُهملت، وربما لم تُقرأ حتى!! تتابع ميسون: “ريف مصياف لم يحظ بنشاط مسرحي.. كنت سعيدة في أحد العروض أنني قمت بعرض حكواتي مع الأطفال في إحدى القرى في ساحة المدرسة، ولم أتمكن من تكرار التجربة ..لأسباب شخصية!! لا كعرض، ولا كتنشيط للطلاب في الريف، علماً أن التفاعل حينها كان طيباً.

خطة المسرح المدرسي تعتمد على ضرورة تقديم عرض أو عرضين كل عام. كان هنالك عدة توجهات للعروض، مثل: مسرحة المنهاج، المسرح التفاعلي، وحديثا مسرح الدمى؛ وكانت قد بدأت به مع زميلتها، لكنهما توقفتا بسبب كورونا.. تحكي عمران باستفاضة عن العمل المسرحي المدرسي، وأهميته: “ترتبط معايير العمل المسرحي المدرسي بهدف محدد هو تنشيط المسرح بين الطلاب؛ وعملياً تسميتي الوظيفية هي منشطة مسرحية، أعمل وفق فهمي للعمل المسرحي وللطلاب، كنشر ثقافة القراءة، وهذا لم أنجح به، تقديم فعالية ذهنية ممتعة تعتمد على الإبداع مع طلاب المدارس، وهذا ما تحدثت عنه وقلت أنه سيبقى محدوداً غير فاعل طالما نتعامل مع المسرح المدرسي كنشاط لا صفي.. أيضاً نحن مرتبطون بنصوص لها علاقة مع الفئة العمرية، وفي عملي أتعامل مع جميع الأعمار في المرحلة المدرسية، وبهذا أنا لا أستطيع أن أُقدم أعمالا ذات صيت عالمي، لأنني أحاول في معظم ما اشتغله أن أصنع النص مع الطلاب من عالمهم وجوّهم ومشاكلهم، خاصة في المسرح التفاعلي، ففيه أقوم مع طلابي ببناء النص بناء على فكرة “الحب في المدرسة”، أو “وسائل التواصل الاجتماعي”، أو”التدخين”، أو”الغش في الامتحان”، ثم آخذ منهم حوادث بعينها مروا بها.. أفكارهم.. آراءهم، وأبدأ ببناء النص معهم؛ وبهذا تكون العروض غالباً أبطالها طلاب مدارس، وهذا يؤدي إلى استخدام اللغة المحكية في هذه العروض”.

لا تدمج المنشطة المسرحية عمران أي فن آخر في العمل المسرحي، وذلك لتسهيل الأمر على الطلاب، خصوصاً أن تجميعهم وتحقيق الاستمرارية ليس أمراً سهلاً، كما أنها تشتغل بتأنٍ مع هذه الشرائح العمرية التي لا تريد أن ترهقها بمكونات العرض المسرحي المتكامل، خصوصاً في الظروف التي نمرّ بها، وعن هذا تقول: “لا أربك طلابي بحركة ديكور وغيرها من أشغال السينوغرافيا المعقدة، خصوصاً أنهم هواة.. دائماً هنالك فرقة جديدة وطلاب جدد، وبالكاد نصنع النص، وبالكاد نتدرب! لدينا صالة خاصة بالمسرح المدرسي نتدرب فيها، ولنا قبل العرض أيام محددة نتدرب فيها في المركز الثقافي. أما عن الدعم فهو موجود، وإن كان محدوداً جداً في شقه المادي لا المعنوي.. نحن محظوظون في دائرتنا بمدير لا يطالبنا إلا بالعمل، ويتفهم مجمل الظروف، إلا أنني لا أدخل عادة بـ “دويخة” الفواتير بشكلها الإداري المتعب”.

تعتمد خريجة المعهد العالي للدراسات المسرحية، في عملها كمنشطة مسرحية، على فكرة “المسرح الفقير”، أو “الشرطي”، لأبعد حد، وبأقل ما يمكن من التكاليف. ورغم ذلك، تواجه العديد من العوائق في عملها الفني المهم لبناء وعي ثقافي فني وفكري لأجيال عاثت الحرب في أفكارها وأرواحها، وعن هذا تقول: “مصياف، بأهلها، ترحب بالعمل المسرحي.. ليس متعباً إقناع الأهالي أو الطلاب، لكن عملنا كنشاط لا صفي يبدو ذاته عائقاً للدراسة، يبدو ترفاً، وخاصة أمام مناهج ضخمة يضطر الطالب أن ينفق وقتاً إضافياً بعد الدوام المدرسي لدراستها، ومع ذلك، يحضر الطلاب بعدد بروفات محدود مرتبط بمواعيد المعاهد التعليمية.. كثيراً جدا ما أتعثر بسبب هذا الأمر، فأنا محكومة بدراسة الطالب، وهذا حقه، ومحكومة بمزاجيته، فالطالب يأتي بدون حافز إلا رغبته، وهذا يعني أنه قد يستمر، وقد يتركني أثناء البروفات! وقد حدث أن تركني أحد الطلاب قبل العرض بيومين! قد لا يأتي إلى البروفات، وقد يتأخر عنها، وفي ظل بروفات محدودة متقطعة، يبدو كل تأخير وغياب معطلاً للعمل. بناء على ذلك، من الصعب أن تتشكل فرقة مع ضمان استمراريتها، علماً أنه حدث واستمر معي طلاب في فرق متغيرة، بعضهم بقي خمس سنوات، لكنهم قلة.. إضافة لذلك الطلاب متفاوتون بالموهبة، ومبتدئون بلا خبرة، وهذا أمر طبيعي. عموماً، هذا يجعل من الصعب أن تكون لدينا فرقة احترافية تقدم عروضاً احترافية. أيضاً، هناك معاناة مع الصوت من جهة التقنية والأداء الصوتي الذي يحتاج لتدريبات مكثفة وضرورية في فن المسرح، وكان يمكن تلافي المشكلة بالتعاون مع زملائي المسرحيين في مصياف، الأمر يحتاج مزيداً من البروفات، وهذا حلم بالنسبة لي: زيادة البروفات، فنحن بالكاد نصنع نصنا، ونتدرب على تقديمه”.

ميسون ليست ممثلة، وليس لديها خبرات الممثلين، لذا فهي تعمل مع الطلاب معتمدة على عفويتهم وفطرتهم في التعبير، دون تكلف، ولكن بتوجيه ضروري للأداء وردود الأفعال، معتمدة في ذلك على خبرتها في الإعداد المسرحي وكتابة النص. تقول: “حين كنت في وزارة التربية، كانت منظمة الشبيبة، بالتعاون مع الوزارة، تقيم دورات تأهيل ممثل للطلاب والدارسين الذين هم مدرسون يرغبون بالتفرغ في المسرح المدرسي.. الدورات كانت منتجة، لكن ليس كل من درسوا صاروا مؤهلين ليكونوا في المسرح المدرسي.. مشكلة كبيرة أن يتم التعامل مع التفريغ كتفريغ، وليس كعمل مسؤول ومنتج”.

لا مجال للاحترافية في عمل الطلاب كمؤدين، ولا تظن ميسون أن عملها في المسرح المدرسي يذهب باتجاه تهيئة الطلاب المشاركين كممثلين، وعن ذلك تقول: “الاتجاه هو تقديم فرصة للإبداع بشقيه الأدبي والفني.. نخلق معهم متعة خلق العرض، وهي متعة ذهنية لا تحقق في المدرسة.. نُعدهم كذواقين للمسرح والأدب، ونخلق فرصة لمتفرجين من الطلبة لا يرتادون المسرح عادة، وإضافة إلى الشق التربوي فالعمل ضمن فرقة فيه مسؤولية الجماعة والتزامها”.

تُسمي عمران من في الفرقة “طلابي”، وليس ممثلين.. تقول: “المهم عملهم العام كمجموعة وليس كأفراد، كل عام أعمل مع فرقة جديدة، كلهم مبتدئون، وهذه ميزة ومشكلة بآن! لا خبرات تتراكم، فالطلاب غالباً ما يتغيرون كل عام”. تتوقف المنشطة المسرحية قليلاً، وتتابع: “مرة أخرى، مصياف محظوظة بمن اشتغل فيها، لقد كانت ساحة نشاط مسرحي كثيف قبل أن أستقر فيها مجدداً. الجديد الذي قدمته هو المسرح التفاعلي، والعمل على استمرارية العمل في المسرح المدرسي.. أحب التفاعل الذي يحدث في البروفات والعرض في النهاية، أحب بساطتهم وبراءتهم في العمل الجديد عليهم”.

لا تتعامل ميسون مع المسرح المدرسي كمحترف للتمثيل، بل كمساحة فنية لا تتاح عادة للطلاب في صفوفهم.. عن ذلك تقول: “هذه المساحة تحفل بإبداعاتهم، من تمثيل وكتابة، تعطيهم الفرصة للتذوق الفني والأدبي، والفرصة ليكونوا في جو فرقة.. أود تقديم خطة عمل كمقترح بأن يكون لكل مدرسة بيانها الفني الإلزامي في نهاية كل عام دراسي، بحيث يكون المسرح جزءاً من البيان، وهذا يمكن أن يشكل عاملاً تنافسياً بين المدارس، ويحفز الطلاب للاشتراك بالعمل.. وهذا يتطلب من الوزارة تأهيلاً جدياً وواسعاً لكوادرها الذين يُلزمون مع المدارس بأعمالهم، فلا يصبح “النشاط اللا صفي” عائقاً، ونكسب بهذا فرقة تتجدد سنوياً لكل مدرسة”.