مجلة البعث الأسبوعية

فتون الصعيدي في مهمة البحث عن المبدعين!!

“البعث الأسبوعية” ــ جُمان بركات

أن تختار لنفسك عنواناً كبيراً كرعاية المتفوقين لدليل على تفوقك في التفكير.. تعمقت فتون الصعيدي في الحياة مع الطفولة، وراحت تسبر أغوار ونفسية الطفل، وترعى مواهب صغيرة تدربها وتتدرب معها على تطبيق نظريات عالمية عدة، في مجال تحفيز مدارك الطفل واستنباط ملكاته الخام من الطاقات والمواهب الإبداعية، فحققت خلال رحلتها، تلك، نجاحات عدة تكلّلت بدورات متنوعة وعديدة شملت شرائح متنوعة من الأطفال، مع كتيبات تعليمية عدّة، وبعض القصص التربوية الهادفة التي تدعم خطها التعليمي الأكاديمي.. كان لـ “البعث الأسبوعية” معها هذا اللقاء للتعرف على تفاصيل تجربتها:

 

عالم الأطفال

دائماً يكون البوح والحديث عن البدايات والشغف خير استهلال لأي حديث.. عن الحافز والإلهام في طريق فتون الصعيدي، قالت: الأطفال خيال خصب وموهبة فطرية، براعم غضة تبعث في النفس كل تفاؤل بالحياة، شغفي بعالم الأطفال كبير جداً منذ بداية دراستي الأكاديمية في مجال الطفل، وتوجهي دائماً كان نحو طرائق تنمية عقول الأطفال، واكتشاف مواهبهم وتعزز هذا التوجه لما اخترت مجال العناية بالمتفوقين كفئة من فئات التربية الخاصة، بتخصصي في الدراسات العليا بهدف التعمق أكثر بالبحوث العلمية التي تهتم بالتفوق العقلي، وأنتجت حوالي ثلاثة مناهج مختصة بتنمية التفكير.

 

الطفل الموهوب

وعن الخطوات الفعلية والعملية التي اتبعتها لتطبيق هذا المبحث المهم نحو الطفولة، أجابت فتون: أسست دار نشر، معظم إصدارتها تهتم بهذه الفئة.. الطفل الموهوب هو الذي لديه استعداد، أو قدرة غير عادية، أو أداء متميز عن بقية أقرانه، في مجال أو أكثر من المجالات التي يقدرها المجتمع، وخاصة في مجالات التفوق العقلي والتفكير الابتكاري والمهارات والقدرات الخاصة، وهو يحتاج إلى رعاية تعليمية خاصة، فالموهوبون هم ثروة بشرية، ورعايتهم ضرورة حتمية واستراتيجية مهمة من استراتيجيات التنشئة في مجتمعات اليوم. ومهما امتلك المجتمع من ثروات مادية، فإن الثروة البشرية المشغلة لتلك الثروات تبقى الأهم.. هم ينبوع القدرات الذي لا ينضب، وهم المفكرون والمخترعون والمكتشفون، وهم القادة والمختصون، وهم الأساس في تحريك عجلة التقدم والتطور البشري، فكيف لمجتمع أن ينعم بالرفاه ورفعة الشأن دون رعاية مناسبة للموهوبين من أبنائه؟

 

توعية للمجتمع

بالتأكيد، هناك معطيات وعقبات أو توصيات يمكن الأخذ بها لمن سيسلك طريق تنمية الإبداع لدى الأطفال، وعنها تحدثت الصعيدي: من خلال بحثي، لاحظت أن الاهتمام بالرعاية التربوية الخاصة بالموهوبين والمتفوقين متأخر نسبياً عن الاهتمام بالمعوقين، وذلك لأسباب عديدة، من بينها الشعور العام بالشفقة على المعوقين والتعاطف معهم، إضافة إلى اتصال الآباء والخبراء المهنيين ورجال القانون من أجل توفير برامج واسعة النطاق، وأكثر فعالية في تربيتهم وتأهيلهم لجعلهم أكثر استقلالية واعتماداً على أنفسهم، بينما كان هذا التعاطف والنضال مفتقداً بالنسبة للموهوبين والمتفوقين. وهذا ما يجعلني أكثر إصراراً على العمل من أجلهم وتوعية المجتمع بضرورة العناية بهم، فالعناية بالطفل الموهوب حاجة وليست رفاهية كما يظن البعض.. الموهبة تحتاج إلى تنمية لكي لا تضمر وتزول.

 

مبررات علمية

هناك نقاط عملية واضحة للمنهج العلمي، وعنها قالت فتون: يوجد مبررات علمية ومجتمعية للعناية بالموهوبين.. المبررات لم تأتِ من فراغ، بل لها أصول أو جذور علمية، وأخرى مجتمعية يمكن تلخيصها بأن التفوق العقلي بشكل عام، والموهبة بشكل خاص، يعتبران نتاج عملية تفاعلية بين الاستعدادات الفطرية والقدرات العقلية للفرد من ناحية، والتحديات التي يفرضها المجتمع من ناحية أخرى، حيث من المفترض أن تستثير هذه التحديات قدرات الفرد الكامنة لإيجاد حلول للمشكلات التي تبرزها تلك التحديات، وبالتالي يؤدي ذلك إلى إظهار إنتاج متميز، وتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص الذي تنص عليه معظم القوانين والتشريعات. وبما أن الموهوب يُعد من فئات ذوي الاحتياجات الخاصة، فلابد أن يتلقى الرعاية التي تتناسب مع قدراته، وتلبي حاجاته الخاصة والعامة، أسوة ببقية فئات التربية الخاصة الأقل حظاً من أقرانهم العاديين، بالإضافة إلى ملاحظة الملل والإحباط ومظاهر الغضب التي تسيطر على الموهوبين نتيجة عدم الاهتمام بهم، والقيود المفروضة عليهم وعلى تفكيرهم. واختلاف آراء ورغبات وميول وحاجات الموهوبين عن بقية الفئات يحتم إحداث تغيرات في أساليب التعامل معهم، وكذلك في المناهج وطرائق التدريس والبيئات التربوية لتتناسب مع قدراتهم الكامنة والبارزة، بما يلبي رغباتهم ويصقل ميولهم. وعندما تُلبى حاجات الموهوبين وتنمى قدراتهم بالأساليب المناسبة، إلى حد يظهر التفوق والإنتاج الإبداعي، فإن ذلك حتماً سيؤدي بهم إلى إظهار ولائهم وانتمائهم لمجتمعاتهم وأوطانهم.. وأخيراً، عند النظر إلى إسهامات الموهوبين من أبناء الوطن، فإننا نلاحظ أنها تتفوق كماً وكيفاً عما يسهم به جملة أفراد المجتمع الآخرين. والعناية بالموهوبين تستلزم اكتشافهم عن طريق اختبارات الذكاء الفردية، والملاحظة من قبل الأهل والمعلمين، ثم استخدام إحدى الطرق الحديثة في تعليمهم، حسب حالة كل تلميذ.

 

ثروة غنية

في الختام، تقول فتون الصعيدي عن تجربتها في مضمار البحث عن المواهب الفتية وتطوير إمكاناتها: عملية الكشف عن الموهوبين من أهم مراحل إعداد البرامج الخاصة بهم، ومن خلالها يتم التعرف إلى الطلبة الموهوبين بهدف تقديم الخدمات والبرامج التربوية المناسبة لهم، وهذه البرامج تعمل على تلبية حاجاتهم، وتتحدى قدراتهم، وتعمل على تنميتها وتطويرها. وتحديد نوع الموهبة ومستواها يساعد على تحديد حاجات الطلبة الموهوبين، وتوجيه الطلبة إلى البرامج الأكثر ملاءمة لتنمية مجالات تميّزهم، وهنا يأتي دور الأهل في تحفيز أبنائهم الموهوبين، وتوفير الإمكانيات والبيئة المناسبة لهم قدر المستطاع لتساعد على الإبداع والابتكار، وتنشيط عقولهم وتنمية روح الخيال، والكثير من الطرق التي تشجع وتعطي للموهوبين الفرصة للتعبير عن قدراتهم وموهبتهم. إن توفير الرعاية المناسبة للموهوبين من أبناء الوطن يوفر له نبعاً دفاقاً من الموارد البشرية المؤهلة والقادرة على إنتاج الأفكار التي تسهم في رقي المجتمع وحل مشكلاته، وتشخيص الأمراض وعلاجها وهي في مهدها.. والموهوبون ثروة غنية في مجالات تطوّر الدول وتقدمها، لذا لابد من إحاطتهم بالعناية والرعاية اللازمة، ووضعهم في البيئة الملائمة لإبراز مواهبهم وطاقاتهم الكامنة.