زواياصحيفة البعث

قره باخ.. جولة جدية من الصراع بأهداف مبيتة

سنان حسن

في الوقت الذي كانت فيه الأنظار تتجه إلى شرق المتوسط والصراع المحتدم بين اليونان وحلفائها من جهة وتركيا من جهة ثانية، تفجرت الأوضاع في منطقة ناكورني قره باخ بين أرمينيا وأذربيجان وتطورت الأحداث بشكل متسارع مع تنفيذ الطرفين عمليات مضادة أسفرت عن حجم كبير من الخسائر، الأمر الذي دفع الدول الفاعلة في حل النزاع، وعلى رأسها روسيا وفرنسا وأمريكا ضامني اتفاق مينسك، للدعوة إلى التهدئة وحقن الدماء باستثناء النظام التركي الذي صب الزيت على النار معلناً استعداده للدخول مباشرة في الصراع، وكأنه كان ينتظر الفرصة للإعلان عن ذلك، فما هي أسباب هذه الحماسة التركية ولماذا الآن تفجّرت الأوضاع في قره باخ ولمصلحة من، وهل له علاقة بروسيا أم أن الموضوع يأتي في سياق الحرب التاريخية بن الطرفين الأذري والأرميني؟.

مع كل جولة صراع أرمينية أذرية تجد أنقرة فرصة للانقضاض من جديد على المنطقة التي تراها مجالاً حيوياً لطموحاتها في منطقة القوقاز، وفي ظل وجود نظام العدالة والتنمية الإخواني برئاسة أردوغان فإن الأطماع العثمانية في الثأر من الأرمن تتجدد، والمواقف المتشددة للغاية من مسؤولي النظام التركي ضد يريفان تؤكد ذلك، وخاصة إعلان جاويش اوغلو “أن بلاده مستعدة لتقديم دعم عسكري لأذربيجان”.

ورغم أن الوضع المتفجر حالياً يخدم مصالح أنقرة إلا أن حماستها المفرطة تحمل في طياتها الكثير من الشكوك حول دورها فيما يجري في قره باخ، فهل روسيا المستهدفة من وراء ذلك؟. فروسيا تحتفظ بعلاقات مميزة بطرفي النزاع الأذري والأرميني، وإن كانت الكفة تميل قليلاً نحو يريفان لاعتبارات جيوسياسة لها مبرراتها في تلك المنطقة، وبالتالي فإن أي توتر سينعكس فوراً على أمن روسيا مباشرة، وهذا ما يؤكد أن هناك أهداف مبيتة ضد موسكو في تفجر هذا الصراع لعزلها عن محيطها الأوروبي والأورواسي.

فالنظام التركي له مصلحة كبيرة في افتعال الأزمة وإشعالها، لكي تخفف من الضغط الذي تعرّض له مؤخراً بسبب أفعاله في شرق المتوسط والصدام المباشر مع اليونان وفرنسا ومن خلفهما الاتحاد الأوروبي، والأهم أن روسيا في الملف اليوناني لا يمكن إلا وأن تقف في صف أثينا ضد أنقرة، ومن جهة ثانية فإن إشغال روسيا، في خاصرتها الرخوة باعتقاد نظام أردوغان، يهدف أيضاً للتشويش عليها في الملفات الأخرى على غرار سورية وليبيا ومحاولة كسب المزيد من الأوراق في تلك الملفات، وفي كل هذا فإن أنقرة تعي أن الإدارة الأمريكية لن تحيد دبلوماسياً في إدارة الأزمات في البؤر المتوترة، والتي تصب بطريقة غير مباشرة في مصلحة النظام التركي، أي إشغال روسيا وإرهاقها حتى الانتهاء من استحقاق الانتخابات الرئاسية المقبلة.

والحال فإن نزاع قره باخ، وإن كان صراعاً تاريخياً، إلا أن فواعل تفجيره كبيرة وباتجاهات مختلفة في الكثير من الملفات والصراعات الإقليمية والدولية، ويبقى الأهم في كل ذلك استمرار أمريكا في توسيع دائرة إشغال روسيا من الداخل “نافالني” مروراً بما يجري بيلاروسيا وأوكرانيا وقره باخ، وما طلبه الناتو بالأمس خير دليل ذلك على، فبدلاً من التلاقي مع الموقف الروسي لحل أزمة المتفجرة داعا في بيان له موسكو إلى سحب قواتها من جورجيا!. إذن الصراع له أهداف مبيتة، وليس كما يصوره الإعلام الغربي في منصاته؟. وبالتالي الجميع، وخاصة نظام أردوغان والناتو، ينتهز الفرصة لتعزيز مواقعه وأدواتها ربما بانتظار جولة جديدة قد تكون اكثر دموية، ولكن من حق الأذريين والأرمن أن يعيشوا بسلام وأن تحل كل المشاكل العالقة بينهما وهذا لا يكون إلا بالحوار والمفاوضات.

والخلاصة، النتيجة الحتمية لأي حرب هو الجلوس على طاولة المفاوضات والخروج بحلول للمشاكل المتفجرة، وعلى أمل ذلك فإن الجميع يترقب في أي جبهة جديدة ستتفجر الأوضاع ومن سيكون الضحية الجديدة؟!.