ثقافةصحيفة البعث

الحب والحرب وتداعياتها في “آثام” سهيل الذيب

نجح الكاتب سهيل الذيب في روايته “آثام” باستقطاب جميع أحداث الرواية وموضوعها وجعلها مرايا متعدّدة الألوان تخدم المحور الأساسي وتغنيه شكلاً ومضموناً، فقد وظّف القضايا السياسية والدينية والاجتماعية وأعلن موقفه منها بطريقة فنية مباشرة. وقد أقام فرع دمشق لاتحاد الكتّاب العرب ندوة بعنوان “الحب والحرب وتداعياتها في رواية “آثام”، أدارها الروائي محمد أحمد الطاهر الذي قال: هي رواية وإن كانت مفعمة بالألم إلا أنها كانت انعكاساً للذات المقهورة لدى الإنسان السوري الذي عاش الأزمة بكل مفرزاتها وموروثاتها، وعندما نتحدّث عن آثام فإننا نتحدّث عن تأريخ لهذا الإنسان، أنا وأنت وهو.. انعكاس لمعنى الأخوة التي تجلّت بأقسى أسرابها وفصولها، ثم ما لبثت أن تحوّلت إلى مأوى للاجئ السوري الذي فرَّ من الحرب ليجد الحب المحرم الذي جعله في يوم ما يعود إلى ذاته النقية ليستيقظ ذلك الطاهر الوفي لنفسه ولوطنه ولحبيبته.

أوتار الوجع

عزفت شخصيات سهيل الذيب في “آثام” على أوتار الوجع، فصنعت عملاً ملحمياً اكتمل من خلال أدواته المتقنة، وبدورها قالت سوسن رضوان: تضعنا “آثام” أمام حوض بملء وطن قد أسنت مياهه حتى طمت وغاصت في وحله الركب، وقد أجد أن من العدل لو أنه اختار لها عنواناً آخر كـ “مخاضات” مثلاً، أو ما شابه، ومن الواضح أنه اختار عنواناً مفتوحاً ليشارك القارئ في اختيار غفران يناسب آثامه، وكما في أكثر مؤلفاته نجده يتشابه مع إحدى شخصياته الرئيسية، وقد يكون هنا يشبه مبعاثاً إلى حدّ ما، يبحث عن الأمل والحق والوطن الذي يراه في أحلامه ويناديه دائماً من شبابيك خلواته المتكررة.

لقد صوّر الكاتب في عمله شخصيات فردية من خلال تسلسل الأحداث والمشاهد التي احتوت على معاناة ومآسٍ لفظها الموت مراراً على جزيرة من دم ونار، وتناولت خطوطاً تقاطعت في أغلب فصولها مواقف البشر منها في ظل الحرب الطاحنة التي شهدها الوطنُ خلال سنواتٍ عشرٍ عجاف، تكالبت عليه فيها وحوش ظالمة والهوية أخ وجار. إن أهم مافي العمل هو هذا التشابه والتشابك في الأحداث والأمكنة والأزمنة، أما أسماء الأمكنة فكانت غير حقيقية عمل فيها الكاتب على التصور والخيال، ربما كمن يغطي الجرح بقطعة شاش وهو يعلم أن الآه موجعة.

وأضافت رضوان: هذه الأسماء نراه قد وضع أمامها مفاتيح المعنى بالقرب منها لتساعد المتلقي على فتح بوابات الأمكنة الحقيقية، إضافة إلى أنه أفرد له مقعداً بجانب شخوصه ليجعله يرى ويلامس ما يحصل، فكاد أن يكون بطلاً فاعلاً عاملاً. لقد كان ما حصل لأم مبعاث في بداية الرواية، ولأخويه وأختيه مع تسلسل الأحداث، عنواناً عريضاً لحال الخراب الذي كان أكبر الآثام، بدءاً من أصغر خلية إلى أكبر التفاصيل، خرابٌ حصد الأخضر واليابس، وقصم ظهر الحلم وأفرغ جعاب الأمل إلا ما اختبأ منها في حنايا الروح.

الحب والحرب

وركزت سمر تغلبي في قراءتها على عنوان الندوة “الحب والحرب”، حيث قالت: سأبدأ بالحرب.. كثيرة الروايات الَّتي تناولت الحرب في سورية، وتميّزت رواية آثام بالدقة في تناول الجانب التوثيقي الذي يعتمد على دراسة البعد الإنساني للأشخاص، ويعدُّ التوثيق الأدبي مهماً جداً في هذه المرحلة. وما حدث في عدرا توثيق دقيق، حيث صوّر الذبح والرجم والتضييق، وقد قام الروائي بتوثيق ذلك حيث صوّر بشكل مؤلم وموجع ما حدث، والخروج والهروب من عدرا واللجوء إلى المدارس، حيث تجتمع فئات مختلفة من المجتمع معظمهم من النساء والأطفال. لقد لخصت هذه الرواية النزوح الذي تعرّضت له الأسرة السورية من خلال تصوير معاناة هذه الأسرة. وعن الحب، لم أجد الحب الحقيقي في رواية “آثام” إنما وجدت آثاماً حيث بطل الرواية رجلٌ لفظته الحضارة وعاد إلى بدائيته البشرية الداروينية.

رسم الشخصيات

حين اختار الكاتب الأسماء لشخصيات الرواية لم يكن اختياراً عبثياً، وإنما اختارها عن سبق الاهتمام، وكان كل اسم يحمل دلالةً وهدفاً، إذ قالت أمل أبو لوح: لقد جنّد الكاتب نفسه لرسم ملامح شخصياته في رواية “آثام” رسماً دقيقاً، وذلك لأن البناء المورفولوجي، أي الشكل والبنية بهيئتيه الخارجية والداخلية، كان من ضمن اهتمامه ليقدّم لنا شخصيات الرواية، فجعلنا ننظر ونحن نقرأ بكل دهشة لنقاء ووضوح الصور بغض النظر عن أصحابها، وقد جاء ببعض الأحاديث المختلطة ما بين الفصيحة والعامية التي تخلّلت القصة ما منحها رونق الجمال والمصداقية، والتي أسهمت في إثراء العمل، فرغم الوضوح التام في رسم الشخصيات بشكلها الخارجي إلا أن الكاتب استطاع الغوص بنا لأعماقها، فكل شخص بالرواية رأيناه شكلاً ومضموناً، وهذا الأمر يُحسب للكاتب، إضافة إلى أن النسيج السردي تام متواصل لم نلاحظ شرخاً أو ابتعاداً عن الموضوع وكان السارد موجوداً ومتفاعلاً في النص كله.

الحدث عموماً هو الذي يخلق الشخصية، والشخصية هي التي تطوّر الحدث، وأحداث (آثام) بدأت منذ اليوم الأول للأزمة السورية عام 2011 بالشكل الظاهري لكنها كانت امتداداً لرواية “زناة” وبداية لرواية “توءم”، وهذا ما جعل الرواية وكأنها مدوّنة تأريخ الأزمة والأحداث وكل ما حصل من أحداث سوداء ومن جرائم بحق الوطن السوري وشعبه، وتبيان كل الدول المتورطة والفاعلة للشر فيه، كما أن كاتبنا ذكر أسماء بعض الأشخاص الأبرياء الحقيقيين الذين راحوا ضحية هذه النكبة الشرسة.

جُمان بركات