دراساتصحيفة البعث

بُعد السياسة الخارجية للانتخابات الرئاسية الأمريكية

ترجمة: علاء العطار

عن موقع “فالداي”

تجري الحملة الانتخابية الأمريكية لعام 2020 وسط أزمة وطنية، إذ تُسمع من الحزبين اتهامات بالتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للولايات المتحدة، فترى الديمقراطيين، الذين يدعمهم مكتب التحقيقات الفيدرالي، يتهمون روسيا بالتدخل، ويزعمون أن قراصنة روس نشروا بيانات الناخبين المسجلين في عدد من الولايات عبر الإنترنت. وتعرض لافتات الديمقراطيين الإعلانية، المنتشرة على نطاق واسع والتي اجتذبت شعبية كبيرة على الإنترنت، على الناخبين خياراً: إما التصويت وإما تعلم اللغة الروسية، وفي إحدى خطاباته قال بايدن رداً على سؤال المضيف: “إن روسيا عدو للولايات المتحدة، في حين أن الصين ليست سوى منافس كبير”!.

في المقابل، يزعم الجمهوريون وفريق دونالد ترامب أن الصين تحاول التأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وبالرغم من ذلك، يحاول ترامب صب تركيزه في حملته على نجاحات السياسة الخارجية، فقبل أسابيع قليلة من الانتخابات، أقيمت مراسم في البيت الأبيض لتوقيع بروتوكولات لتطبيع العلاقات بين “إسرائيل” والإمارات والبحرين. واعترف ترامب بالقدس عاصمة “لإسرائيل”، وهو يشجع الآن حلفاءه على نقل سفاراتهم إليها. ووُقع في البيت الأبيض مذكرة لحل بعض الخلافات بين صربيا وكوسوفو. ويزيد ترامب الضغط على الصين، وزاد الضغط على إيران من خلال سلسلة من الاستفزازات ومحاولات الاغتيال للقادة العسكريين والسياسيين. وكان الجمع بين الضغط العسكري السياسي والضربات الصاروخية المحلية ضد أهداف في الشرق الأوسط، وتجنب حملة لغزو المنطقة، سمة مميزة لسياسة إدارة ترامب الخارجية.

والعلاقات مع روسيا لا تدعو إلى التفاؤل، إذ يضغط كبار السياسيين الأمريكيين لمنع بناء خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2”.

إن برنامج السياسة الخارجية الذي طرحه الديمقراطيون عشية الانتخابات ليس واضحاً، خاصة فيما يتعلق بقضايا العلاقات مع روسيا، إذ تُسمع دعوات لتمديد معاهدة “ستارت” الجديدة، لكنهم يتحدثون في الوقت نفسه عن الحاجة إلى كبح النفوذ الروسي في أوروبا. ويشير بايدن إلى استعداده للابتعاد عن الموقف المتشدد تجاه الصين وإيران، لكن من غير المرجح أن يسعى فريقه إلى عكس قرار ترامب في الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة.

ماذا يعني فوز كل من المرشحين؟

في حال فوز ترامب، سنرى على الأرجح حفاظاً على الثوابت الحالية، فقد حُددت روسيا كواحدة من خصوم الولايات المتحدة الرئيسيين في إستراتيجية الأمن القومي الأمريكية، التي بُنيت في عهد ترامب. ولا تلعب العلاقات الشخصية بين قادة البلدين دوراً حاسماً في هذا الأمر، بل سيعتمد الباقي على قدرة الاقتناع بفوز ترامب. وسينسف الديمقراطيون في الكونغرس أي مبادرة يطلقها ترامب. إن فاز ترامب، سيبقى هدفه في العلاقات مع روسيا كما هو تخفيف التوترات بغية إبعاد روسيا عن الصين عبر التنازلات التكتيكية، مثل تمديد معاهدة “ستارت” الجديدة ورفع بعض العقوبات والقيود التجارية. مع ذلك، ستكون العملية الرئيسية التي سيشارك فيها ترامب هي مراجعة المعاهدات والالتزامات التي تقيد الولايات المتحدة، مع الحفاظ على موقف متميز مع الحلفاء. ولن تسمح الولايات المتحدة للاتحاد الأوروبي، وخاصة فرنسا وألمانيا، بمراجعة ثوابت العلاقات عبر الأطلسي، حتى مع استمرار الضغط عليهما لزيادة الإنفاق الدفاعي. في الوقت نفسه، سيستمر الجمود البيروقراطي للولايات المتحدة في “نشر الديمقراطية” و”احتواء روسيا” في أوراسيا، وخاصة في أوروبا الشرقية.

أما إذا فاز بايدن، ستكون هناك تغييرات ملحوظة في هذه الصورة. ستهدأ بيروقراطية واشنطن وتتوقف عن البحث عن أعداء وخونة داخل البلاد. ومن أعراض ذلك ظهور رسالة مفتوحة من خبراء أمريكيين وقع عليها كثير من المسؤولين السابقين في الإدارة الأمريكية. يدعو مؤلفو الرسالة إلى إعادة تقييم رصين للمصالح الأمريكية في روسيا، وقبل كل شيء، إلى فهم أفضل لما تريده الولايات المتحدة من موسكو، وهذا يوصلنا إلى استنتاج أن سياسة الولايات المتحدة تجاه روسيا كانت مدفوعة بالعواطف أكثر من الحسابات الرصينة. ويمكن استنتاج أنه إن فاز بايدن، سوف يُنظر إلى حقبة ترامب على أنها فشل مؤقت للنظام السياسي الأمريكي، وربما يعيد هذا جواً أكثر هدوءاً للعلاقات الروسية الأمريكية، مع الحفاظ على المنافسة.

سيبدأ الديمقراطيون في إصلاح الأضرار التي يعتقدون أن ترامب ألحقها بحلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين. قد يصاحب ذلك ضغط خطابي على روسيا، لكن قد لا يكون هناك بدائل كثيرة للضغط، إذا لم يتخطى الديمقراطيون الحدود بحيث يودي بالعلاقات إلى انقطاع نهائي. وستركز إدارة بايدن على قضية القرم والنزاع الأوكراني بشكل عام. في الوقت نفسه، ستقرر إدارة بايدن على الأرجح تمديد معاهدة “ستارت” الجديدة، لكنها لن تتسرع في إنهاء عقوبات إدارة ترامب، التي ستستخدمها كمورد لصفقات تجارية محتملة.

بالرغم من ذلك، ستظل قائمةً القيود البنيوية التي تؤثر على سلوك السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وسيمنع النقص النسبي في الموارد الإدارةَ الجديدة من متابعة حملة توسعية كبيرة بعيدة عن الحدود الأمريكية. وستبقى الصين منافساً رئيسياً، وستكون العلاقات معها معقدة ومتناقضة. ولا يمكن تحييد الشقاق بين الحلفاء الأوروبيين الذي تسببت به لهجة سياسية جديدة من واشنطن.

في النهاية، ستواجه الإدارة الأمريكية الجديدة – على نحو متزايد – عالماً متنوعاً ولا مركزياً تتزاحم فيه القوى المتنافسة على السلطة والنفوذ.