ثقافةصحيفة البعث

“من التبرير إلى التغيير”.. المشاعر وتأثيرها على الذات الإنسانية

شبّهت الكاتبة ابتسام عطا الله الرمحين المشاعر “بالدواء”، يشفي إذا استُخدم بشكل معقول أو يقتل ويؤذي إذا زاد عن حدّه، في كتابها “من التبرير إلى التغيير” الصادر عن دار نيرفانا، وطرحت ضمن دفتيه أسئلة واستفسارات من الصعب أن يقتنع بها القارئ للوهلة الأولى، لأن المشاعر أحاسيس خارجة عن الإرادة لا يمكن تفسيرها، حيث ترى المؤلفة في كتابها المنتمي إلى كتب علم النفس التحليلي، وبالتزامها بمسار السردية المتسلسلة، أن التحكم بالمشاعر يوجّهها نحو الطريق الذي يحمي الذات من تبعاتها، فهل يستطيع كل فرد التحكم بالمشاعر؟ إضافة إلى تناولها موضوعات أخرى تنضوي ضمن القدرة على تغيير الواقع، ومواجهة المشكلات والإحساس بالتفاؤل رغم الصعوبات، لأن التفاؤل جزء من الطاقة الإيجابية التي تؤثر بالمشاعر.

الألم العاطفي

توضح الكاتبة أن المشاعر تتغذّى على الأفكار التي تجول في خاطرنا، وتتساءل: كيف نتحكّم بجرعة المشاعر التي تسري في عروقنا ونبقيها تحت السيطرة؟، لتجيب بأن السيطرة على المشاعر تعني تنظيمها وليس قمعها أو كبتها، فعملية الكبت على المدى البعيد تشكّل ضغطاً نفسياً وعصبياً يضرّ بالصحة، وعملية التحكم بالمشاعر تبدأ من فهمها وإيجاد الطرق للتعامل معها، بتنظيمها الذي يتطلّب مهارة تساعدك على بناء قوة عقلية، فكلما تعلّم الإنسان كيفية التعامل مع المشاعر بطريقة صحية سيكون قادراً على تجاوز الألم العاطفي بشكل أكبر. وتتابع تحليلها بأن المشاعر الزائدة هي سبب الأحزان، فالأشياء هي الأشياء والأشخاص هم الأشخاص، لم ولن يتغيّروا فقط لتوقعنا بأنهم مختلفون عما هم عليه، ولا يمكن لوم أحد على طبيعته فلنلم أنفسنا، وهذه أول خطوة. وتعود إلى الذاكرة والتجربة السلبية التي تركت إحساساً سيئاً، فيرفض الإنسان خوض تجربة مماثلة خوفاً من النتيجة.

الفلترة الفكرية

وتصل الكاتبة إلى دور المشاعر في السلوك والتصرفات، متمثّلة تحليل علماء السلوك الذين لايعتمدون على المنطق وحده لتفسير تصرفات الإنسان والتعرف إلى مشكلاته، بل يعتمدون على تحليل الأسباب النفسية والعاطفية التي أثرت على سلوكه وتركت آثاراً جيدة أو سيئة في حياته، فسلوك الإنسان، تصرفاته أفعاله أقواله، ترجمة لما يدور في عقله من أفكار ومعتقدات، فنجد المتفائل المبتسم مقابل الحزين البائس، وكلاهما يعيشان حالة واحدة، الفشل في تحقيق الهدف والحلم، والفارق بالاعتقاد السلبي، فالحزين ربط الفشل والخسارة بالحزن واليأس، أما الاعتقاد الإيجابي فيربط الفشل والخسارة بتجديد الهمّة والعزيمة وإعادة ترتيب الأوراق والخطة وفرصة للتعلّم، فتستنتج الكاتبة أن كل ما يريده الإنسان يبدأ بتغيير السلوك، لنأخذ ما يهمنا ونترك ما يستنزف طاقتنا ويهدمنا باعتمادها على مصطلح “الفلترة الفكرية”.

وتنتقل الكاتبة إلى تغيير السلوك مبتدئة بالعادات التي يمكن التخلي عنها تدريجياً لاكتساب عادات جديدة، مثل ممارسة الرياضة أو اتباع برنامج طعام صحي، فيتطلب ذلك ستاً وستين يوماً ليصبح عادة جديدة، وذلك وفق البحث الذي أجرته د. فيليبا لالى في جامعة لندن. وأفضل طريقة للتخلّص من عادة قديمة هي إبعاد الذات عن كل ماله علاقة بها، مثل الإقلاع عن التدخين، وتنسحب العادات على كل السلوكيات لوضع خطة وبرنامج عمل جديد، ولابد من تغيير الأسلوب في التعامل مع الواقع والبحث عن السمات الإيجابية للواقع والأشخاص الذين يتمّ التعامل معهم.

ثم تقترب الكاتبة أكثر من إيضاح دور المشاعر في السلوك والتصرفات، فلا يمكن لمشاعر أن تتحقّق دون فكرة، كذلك لايمكن لسلوك أن يتكوّن من غير فكرة، ومن المشاعر السلبية مشاعر القلق، التي وصفتها المؤلفة بالعدو الخفيّ الذي يسعى للسيطرة تدريجياً على تفكيرنا من خلال الهمس الداخلي المتكرّر بأفكار سلبية ومحبطة، فتستحضر مقولة توماس كاولايل: “لا يصح أن ننشغل بما يقع بعيداً عن نظرنا وعن متناول أيدينا، بل يجب أن نهتمّ فقط بما هو موجود بين أيدينا بالفعل”، فاعتمدت الكاتبة على المقارنة بين نوعين من البشر، نوع يشعر بالقلق الإيجابي المفيد الذي ينبّه الإنسان إلى حدوث تغييرات وشيكة غير مريحة في محيطه ويكون ردّ فعله طبيعياً على أية مشكلة تواجهنا، مثل القلق من الامتحان، ونوع يفكر بالقلق السلبي المضرّ الذي يتجاوز الحدود ويصبح مبالغاً به ويؤثر سلباً على الإنسان، داعية إلى التوقف عن القلق الذي لا يحلّ المشكلة ويضعف القدرة على التركيز، مستحضرة قول كوري بودم “القلق لا يخلي الغد من الأسى بل يخلي اليوم من قوته”.

مفتاح السعادة

وتنهي المؤلفة الكتاب بتحديد الهدف وقوة الإرادة والاختيار واتخاذ القرار الذي يُكتسب من الممارسة والتجربة، داعية إلى الامتنان الذي وصفته “بمفتاح السعادة”، متمثلة قول الكاتب دينيس وايتلي “لا يمكن للمرء أن يسافر للسعادة أو يمتلكها أو أن يستهلكها أو أن تُمنح له، فالسعادة ما هي إلا تجربة روحانية للعيش بحب ورضا وامتنان في كل لحظة تمر بنا”. وقد أكثرت المؤلفة من التنبيهات التي تؤثر سلباً على المزاج والتفاؤل في محاولة للابتعاد عنها قدر الإمكان ولنرى أنفسنا دائماً أقوياء.

ملده شويكاني