تحقيقاتسلايد الجريدةصحيفة البعث

طرطوس لم تسوق حبة تفاح واحدة.. و”السورية للتجارة” تتأخر كعادتها..!

لم تقف الطبيعة وحدها حجر عثرة في وجه مزارعي تفاح طرطوس هذا الموسم، بل انضمّت إليها عقبات الجهات المعنية بالتسويق، إذ وبعد أن أثرت عوامل الجو وطبيعة المناخ في المناطق الجبلية “مناطق انتشار زراعة التفاح”، أكمل المعنيون بالتسويق الخسارة التي تعرّض لها المزارعون إثر وضعهم تعليمات تسويقية “تعجيزية” لا تُرضي المزارع ولا تخفّف العبء عن كاهله، وبالتالي لا تُرضي المستهلك!

إنتاج جيد
المزارع عقبة محمد، أكبر منتج للتفاح في منطقة الدريكيش من قرية بشمشة، تحدث عن واقع الزراعة وصعوباتها، بالقول: لديّ ثلاثة دونمات من شجر التفاح المثمر، كما أن هناك أشجاراً غير مثمرة، إنتاجها بحدود 30 طناً، وإنتاج هذا العام كان أفضل من العام الماضي، لكن عوامل الطقس أثرت على جودة المنتج، مشيراً إلى التعليمات التسويقية “المعقدة”، فالتفاح يجب أن يكون سليماً 100% لتسويقه، وأن مشكلات التسويق عقبة يعاني منها المزارعون منذ سنوات عديدة دون حلول جذرية.

غلاء الأدوية الزراعية
وعرض عقبة محمد صعوبات الزراعة، مؤكداً غلاء الأدوية الزراعية بشكل كبير يفوق قدرة المزارع، حيث تضاعف سعرها أربعة أضعاف عن العام الماضي، ما حمّل المزارع أعباء كبيرة لا يقدر على تحمّلها، مضيفاً: نعتمد على الدواء المهرّب الذي تثبت فعاليته بالحظ، فمرة يعطي نتيجة وأخرى لا، الأمر الذي يسّبب جرب للتفاح، ولاسيما أن شجر التفاح ولحين القطاف يحتاج إلى 20 – 25 رشة حسب عوامل الطقس.

600 كيلو سقطت أرضاً!

وبيّن محمد أنه مع بداية قطاف الموسم سقطت نحو 600 كيلو على الأرض بسبب موجة الحرّ، تزامناً مع تأخر السورية للتجارة بالتسويق، لافتاً إلى أن التأثير كان على التفاح الأحمر وبشكل كبير، مضيفاً: لديّ أكثر من طن تفاح للخل، عملت 3 أطنان تفاح خل أنتجت 2000 ليتر خل وحتى الآن لم يصرف، كما أن لديّ 400 ليتر خل في المنزل من العام الماضي لم أصرفها حتى الآن، فتصريف الخل ضعيف ولا يوجد طلب عليه.

تأخر التسويق
عزت أحمد رئيس الرابطة الفلاحية في منطقة الدريكيش، المنتجة الأولى للتفاح على مستوى محافظة طرطوس، أشار إلى وجود مزارعين في المنطقة لديهما إنتاج من المادة لهذا الموسم، مزارع من قرية بشمشة ولديه 1500 صندوق، ومزارع آخر من قرية بيت يوسف لديه 100 صندوق فقط، لافتاً إلى أن الإنتاج كان قابلاً للتسويق قبل موجة الحرّ الأخيرة التي شهدتها المنطقة، مبيناً أن تكلفة كيلو التفاح بين 400 – 425 ليرة، بين سماد وتقليم وفلاحة وعبوات وأدوية.

انخفاض الإنتاج بنسبة 40 %

وأشار أحمد إلى أن إنتاج تفاح الدريكيش انخفض هذا الموسم بحدود 40% إثر المناخ الذي ساد بعد العقد مباشرة، حيث ارتفعت درجة الحرارة إلى 40 درجة وانخفضت بشكل مفاجئ إلى 20 درجة، وكانت الثمار حينها غضّة ولا تتحمّل تقلبات المناخ، ما أدى إلى تساقط نسبة كبيرة منها، إضافة إلى أن موجة الحر الأخيرة التي شهدتها المنطقة في شهر أيلول أدّت إلى ضرر جسيم بالثمار نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، ما أصاب التفاح “بلفحة شمس”، يضاف إليها ارتفاع التكاليف وعدم تصريف الإنتاج، وبالتالي عدم تمكّن الفلاح من خدمة شجره للموسم القادم. وأضاف أحمد: كلّ القرى الجبلية في المنطقة منتجة للمادة بصنفيها الغولدن والستاركن القابلين للتسويق، والإنتاج المتوقع تسويقه في منطقة الدريكيش 300 طن، وإذا لم تأخذ السورية للتجارة الكميات المنتجة من قريتي بشمشة وبيت يوسف بالتراضي فلن يكون هناك تسويق. ولفت إلى أنه قبل موجة الحر الأخيرة خاطبت الرابطة الفلاحية في الدريكيش اتحاد الفلاحين بكتاب لمخاطبة فرع السورية للتجارة بطرطوس لتأمين مستلزمات التسويق من عبوات وشرح التعليمات والأسعار التأشيرية. وتابع رئيس الرابطة: تمّ إعطاؤنا التسعيرة لكافة الأصناف وأتانا الردّ من فرع السورية للتجارة بأنها سترسل “فاكساً” إلى الفروع لمعرفة مدى حاجتها. وتساءل أحمد: أليست السورية بطرطوس فرعاً من الفروع، أليس لديها برادات للتخزين؟ أم أن أبناء المحافظة ليسوا بحاجة للمادة؟.

بعض المزارعين بدؤوا تسويق منتجهم إلى سوق الهال، متحمّلين جشع وطمع وتحكم التّجار، والبعض منهم ما زال ينتظر رأفة السورية للتجارة لتسويق منتجهم!.

تأمين السماد
كان يفترض التسويق المبكر في الأول من أيلول، حينها كان التفاح ناضجاً وجاهزاً للتسويق، لكن فرع السورية للتجارة لم يكن جاهزاً ولم يصدر تسعيرة، وهذه عقبة نواجهها كل عام. هذا ما أكد عليه أحمد، مطالباً بتمويل السماد في الشهر الثامن وحتى العاشر لكل مزارع استناداً إلى تنظيمه الزراعي، ليتمكّن من استخدامها بالوقت المناسب بسبب عوامل المناخ والبرد في المنطقة.

تعويض المزارعين

وفي إطار الحلول الممكنة، اقترح أحمد تشكيل لجان للاطلاع على الواقع ونسبة الكميات المتضرّرة من موجة الحر، ونسبة الأضرار في البساتين المتضرّرة، وتقديم تعويضات عن هذه الأضرار كونها نتيجة المناخ، لأن الخسارة الكبيرة يتكبّدها الفلاح وحده، راجياً في السنة القادمة إيلاء التسويق أهمية وجدية أكبر، على أن يكون لدى المؤسسة الاستعداد الكامل والحقيقي والفعلي لتصريف إنتاج الفلاح دعماً له وللشجرة المنتجة للمادة في المواسم القادمة.

مكانك راوح..!

كان لفرع السورية للتجارة زيارة ميدانية إلى أرض المزارع عقبة محمد بحضور رئيس الرابطة الفلاحية، وخلصت الزيارة إلى إمكانية أخذ الكميات المتبقية لشركة عشتار لصنع المربيات والخل، لكن حتى تاريخه وباتصالنا مع المزارع عقبة أكد عدم تسويق أي كمية، والوضع مكانك راوح، وهو لا يستطيع انتظار الفرع، حيث وضع قسماً من إنتاجه في برادات خاصة مأجورة!.

التصريح.. بموافقة؟

اتحاد الفلاحين بطرطوس رفض إعطاء أي تصريح دون موافقة الاتحاد العام المركزي، وبدورنا نتساءل: هل الحديث عن وجع الفلاح “عماد اقتصاد الوطن”، ونقل همومه ومعاناته يحتاج إلى موافقة وانتظار؟ وهل يتوجّب علينا التواصل مع الاتحاد العام للحصول على موافقة للحديث عن ألم الفلاح؟!.

عدم التسويق

ومع بدء تسويق التفاح، ما الدور الذي قامت به السورية للتجارة، وما هي الكميات المسوقة؟. يوسف حسن مدير فرع السورية للتجارة بطرطوس لفت إلى أن الأسعار التأشيرية أقل من السوق، لذلك فإن الفلاح يسوق بطرقه الخاصة، مبيناً أن تفاح طرطوس غير صالح للتسويق والتخزين بعد أن أرسل فرع طرطوس “فاكساً” لجميع فروع المحافظات لمعرفة مدى الحاجة، إلا أن تلك الفروع لم تعلن حاجتها وهي تستجر تفاح جبل الشيخ والسويداء!.

وبرأي حسن، إن سوّق الفلاح أو الفرع فلا فرق؟ ولا مشكلة بموضوع تسويق التفاح لهذا الموسم.. فالفرع لم يتأخر بعملية التسويق.. وتسويق التفاح غير الصالح للتخزين وتسويقه لمصلحة صناعة المربيات والخل يحتاج إلى شروط وموافقة وزارة الصناعة.

وكما في كل عام، يبقى الفلاح وحده، يتحمّل الخسائر ويحصد الخيبات دون اكتراث من الجهات المعنية المنوط بها دعمه، وتأمين مستلزمات الإنتاج وتخفيض ثمنها ومراقبة أسواقها، والتي أهملت التسويق “آخر وأهم حلقة في الإنتاج الزراعي”!!.

دارين حسن