دراساتصحيفة البعث

هل تعيد الولايات المتحدة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران؟

إعداد: علاء العطار

أصدر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في 21 أيار من عام 2018 إنذاراً لإيران يطالبها فيه باثني عشر مطلباً عليها أن تفي بهم قبل أن تُلغي الولايات المتحدة حملة “الضغط الأقصى” من العقوبات الاقتصادية، وكان من بين هذه المطالب: توقيف إيران تخصيب (اليورانيوم) وألا تسعى إلى إعادة معالجة البلوتونيوم، وهذا يشمل إغلاق مفاعل الماء الثقيل، وإنهاء دعم المقاومة في الشرق الأوسط، بما ولكنه يتناسى أنه بعد مرور أكثر من عامين، وعلى الرغم من “الضغط الأقصى” الذي مارسته الولايات المتحدة والمعاناة الإنسانية الذي تسببت به للشعب الإيراني، لم تُحرز أي تقدم، لذا يصعب على ترامب أن يدعي أن سياسته تجاه إيران كانت ناجحة.

وعلاوة على ذلك، من المقرر في 18 تشرين الأول عام 2020 – أي قبل أسبوعين من سعي ترامب لإعادة انتخابه – رفع حظر الأسلحة المفروض على إيران، الذي فرضه مجلس الأمن في حزيران عام 2010، وسيُؤذن لإيران باستيراد الأسلحة التقليدية.

لا عجب إذن أن الولايات المتحدة تقيم الدنيا وتقعدها محاولة منع حدوث ذلك. فشلت المحاولة الأولى – من خلال اقتراح قرار لمجلس الأمن بتمديد الحظر إلى أجل غير مسمى – ولم يؤيد الولايات المتحدة إلا عضو واحد فقط من بين 14 عضواً في مجلس الأمن، ويجري الآن بذل جهد ثانٍ باستخدام ما يسمى بإجراء “سنابّاك” في الاتفاقية النووية لعام 2015 مع إيران، والمعروفة رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.

في 14 تموز عام 2015، وقّعت إيران خطة العمل الشاملة المشتركة مع الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن وألمانيا، مقابل رفع جميع العقوبات المتعلقة بالمجال النووي – تلك العقوبات التي فرضتها: الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جانب واحد، والأمم المتحدة في سبعة قرارات لمجلس الأمن (1696 و1737 و1747 و1803 و1929 و2224)، التي جرى تمريرها في السنوات العشر الفائتة، لكن قرارات الأمم المتحدة لم تستهدف الشعب الإيراني، على عكس تلك التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جانب واحد في عام 2012، فالقرار 1747، الذي صدر في آذار عام 2007، حظر نقل إيران للأسلحة من أراضيها، وفرض القرار 1929 الصادر في حزيران عام 2010، حظر الأسلحة التقليدية على إيران.

صادق مجلس الأمن في 20 تموز عام 2015 على خطة العمل الشاملة المشتركة بالإجماع في القرار 2231، وتهيب الفقرة 2 منه “بجميع الدول الأعضاء والمنظمات الإقليمية والمنظمات الدولية إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة لدعم تنفيذ خطة العمل، بوسائل منها اتخاذ إجراءات تتّسق مع مخطط التنفيذ المبيّن في خطة العمل وفي هذا القرار والامتناع عن إتيان أعمال تعيق الوفاء بالالتزامات المنبثقة عن خطة العمل”، وأنهت الفقرة 7 (أ) العمل بأحكام قرارات مجلس الأمن السبعة المذكورة أعلاه عندما دخلت خطة العمل حيز التنفيذ في 16 كانون الثاني عام 2016، ورفعت العقوبات التي فرضتها عليها. في المقابل تاول الولايات المتحدة الآن إعادة تفعيل هذه القرارات باستخدام إجراء “سنابّاك” المنصوص عليه في خطة العمل، فتعيد بذلك فرض العقوبات الواردة فيها، بما في ذلك قيود نقل الأسلحة الواردة في القرارين 1747 و1929. وإذا نجحت الولايات المتحدة، سيحظر على إيران تخصيب اليورانيوم أيضاً.

تطلعت إيران إلى إنهاء كل القيود المفروضة على نقل الأسلحة بشكل دائم في المفاوضات التي أدت إلى خطة العمل، وتبعاً لوزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، الذي ترأس فريق المفاوضين الأمريكيين، في حزيران 2010 عندما فُرض حظر نقل الأسلحة، تلقت إيران وعوداً برفعها بمجرد دخول إيران في المفاوضات. لكن الولايات المتحدة عارضت ذلك في المفاوضات بدعم من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، على الرغم من دعم روسيا والصين لرفع جميع القيود المفروضة على نقل الأسلحة، وكان الحل الوسط الذي تم الاتفاق عليه وإدراجه في خطة العمل هو أن القيود الحالية (بشكل عام) ستظل سارية لمدة خمس سنوات أخرى من “يوم اعتماد” خطة العمل، والذي كان في 18 تشرين الأول عام 2015. وبناء عليه، سيُؤذن لإيران في الوقت الحالي استيراد وتصدير الأسلحة بعد 18 تشرين الأول عام 2020.

وزعت الولايات المتحدة في آب عام 2020 مشروع قرار لمجلس الأمن لتمديد حظر نقل الأسلحة “حتى يقرر مجلس الأمن خلاف ذلك”. لكن تلقت الولايات المتحدة في تصويت في مجلس الأمن في 14 آب 2020 هزيمة نكراء، بل تعرضت للإذلال والخزي، إذ لم تحصل إلا على دعم عضو فقط من 15 عضواً، أي أقل بكثير من الأصوات التسعة اللازمة لتمرير القرار. كانت جمهورية الدومينيكان هي الداعم الوحيد للولايات المتحدة. وامتنع أحد عشر عضواً في المجلس – بلجيكا وإستونيا وفرنسا وألمانيا وإندونيسيا والنيجر وسانت فنسنت وجزر غرينادين وجنوب إفريقيا وتونس والمملكة المتحدة وفيتنام – عن التصويت، في حين صوتت روسيا والصين ضد القرار.

بعد أن فشلت الولايات المتحدة في الحصول على دعم في مجلس الأمن، تحاول الآن التذرع بإجراء “سنابّاك” المنصوص عليه في خطة العمل (المادة 36-37) والقرار 2331 (الفقرات 10-12). يُمكن بموجب هذا الإجراء إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران. وللقيام بذلك، يجب على “دولة مشاركة في خطة العمل” (والتي سنذكرها لاحقاً) إخطار مجلس الأمن بـ “مسألة ترى أنها تشكل إخلالاً كبيراً بالالتزامات المنصوص عليها في خطة العمل” (الفقرة 11 من القرار 2231). لاحظ أنه لا يتعين على الدولة صاحبة الشكوى تقديم أدلة لتبرير شكواها.

سافر مايك بومبيو إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك في 20 آب عام 2020 للقاء الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ورئيس مجلس الأمن آنذاك، المندوب الدائم الإندونيسي، ديان تريانسياه دجاني، وسلمهما إخطاراً رسمياً بأن الولايات المتحدة تعتقد أن إيران لا تفي بالتزاماتها المنصوص عليها في خطة العمل.

وفي مؤتمر صحفي بعد ذلك، قال مايك بومبيو، وبعد هذا الإخطار الرسمي، وبموجب إجراء “سنابّاك”: يجب اقتراح قرار لمجلس الأمن يدعم الإبقاء على الوضع الراهن مع رفع عقوبات الأمم المتحدة، والتصويت عليه.

إذا لم يتم تمرير قرار مجلس الأمن هذا، سيعاد فرض عقوبات الأمم المتحدة بعد 30 يوماً من تقديم الإخطار الرسمي بعدم الامتثال.

توقف الولايات المتحدة عن التقيد بخطة العمل

دخلت خطة العمل حيّز التنفيذ في 16 كانون الثاني عام 2016 بعد أن صادقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أن إيران قد اتخذت الخطوات اللازمة لتقييد برنامجها النووي. أدى ذلك إلى رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية وعقوبات الأمم المتحدة. وأصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ ذلك الحين تقارير ربع سنوية حول التزام إيران بخطة العمل، وأكد تقريرها العاشر من هذا النوع الصادر في 9 أيار عام 2018 التزام إيران، مثل كل ما سبقه من تقارير، وقال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو: “تخضع إيران لأقوى نظام تحقق نووي في العالم بموجب خطة العمل.. ومن اليوم فصاعداً بإمكان الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تؤكد أن إيران تنفذ الالتزامات المتعلقة بالمجال النووي”.

في اليوم السابق، أي في 8 أيار عام 2018، أعلن ترامب أن الولايات المتحدة ستتوقف عن الإيفاء بالتزاماتها بموجب خطة العمل، وستعيد فرض العقوبات الأمريكية أحادية الجانب على إيران، ويمثل ذلك انتهاكاً لقرار مجلس الأمن رقم 2231 الذي يطلب من جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة “اتخاذ الإجراءات المناسبة لدعم تنفيذ خطة العمل”، وشمل ذلك التزام الولايات المتحدة (المرفق الثاني) “بوقف تطبيق جميع الجزاءات ذات الصلة بالمجال النووي وبالعمل على اتخاذ ما قد يكون مناسباً من الإجراءات التشريعية لإنهاء العمل بتلك الجزاءات أو تعديلها لتفعيل إنهاء العمل بها”.

حق إيران بعدم الامتثال لخطة العمل

ظلت إيران ملتزمة تماماً على مدار العام التالي، بينما زادت الولايات المتحدة الضغط الاقتصادي عليها في انتهاك للاتفاقية، وتطلعت إلى ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة للحصول على الدعم السياسي والمساعدة في مواجهة العقوبات الأمريكية – لكن عبثاً.

من الناحية النظرية، كانت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة في ذلك الوقت (ولا تزال) تؤيد الحفاظ على خطة العمل، لكن الثلاثة قدموا للولايات المتحدة مسوغاً لانتهاكها من خلال ترديد مزاعم الولايات المتحدة بأن خطة العمل تحتاج إلى تعديل، ولم يفعلوا شيئاً لمساعدة إيران في التجارة مع العالم الخارجي، وتقبلوا بخنوع الضرر الذي لحق بتجارتهم مع إيران نتيجة العقوبات الأمريكية.

وبعد عام من تجديد العقوبات الأمريكية، اتخذت إيران موقفاً أكثر حزماً، فأعلنت في 8 حزيران عام 2019 أنها لن تلتزم بعد الآن بقيود خطة العمل على الماء الثقيل واليورانيوم المنخفض التخصيب، مع التأكيد على أن الخطوات التي اقترحت اتخاذها يمكن التراجع بسهولة.

في إخطاره الرسمي إلى مجلس الأمن، اقتبس مايك بومبيو هذه الانتهاكات كدليل على أن إيران لا تفي بالتزامات خطة العمل. لو ظلت الولايات المتحدة ملتزمة التزاماً كاملاً، لما حدثت هذه الانتهاكات على الإطلاق، ولعملت خطة العمل اليوم على النحو المنشود، وإذا نجحت الولايات المتحدة في إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة، سيؤدي ذلك إلى تدمير الاتفاق النووي تماماً، ومن المرجح في هذه الحالة أن تتجاهل إيران هذه القيود كلياً.

هل ستستعيد إدارة بايدن خطة العمل؟

إذا انتصر بايدن على ترامب في تشرين الثاني، من المحتمل أن تُستعاد خطة العمل، لكن سيستلزم هذا من الإدارة الجديدة رفع العقوبات الأمريكية، وعليها أن تصوت على قرار مجلس الأمن برفع عقوبات الأمم المتحدة مرة أخرى في حالة إعادة فرضها عبر آلية “سنابّاك”.

يقول برنامج الحزب الديمقراطي لعام 2020 ما يلي: “سيُلغي الديمقراطيون سباق إدارة ترامب للحرب مع إيران ويعطون الأولوية للدبلوماسية النووية، وخفض التصعيد والحوار الإقليمي، ويعتقد الديمقراطيون أن على الولايات المتحدة ألا تفرض “تغيير النظام” على دول أخرى ويرفضون أن يكون ذلك هدفاً لسياسة الولايات المتحدة تجاه إيران.. لقد أدى انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق إلى عزلنا عن حلفائنا.. كان من المفترض دائماً أن يكون الاتفاق النووي بداية دبلوماسيتنا مع إيران وليس نهايتها…”.

وقال مستشار بايدن للسياسة الخارجية، أنتوني بلينكين، أمراً مشابهاً في 19 أيار عام 2020: “إذا عادت إيران إلى الامتثال لالتزاماتها النووية، سنعود إلى خطة العمل كنقطة انطلاق للعمل مع حلفائنا في أوروبا، ومع القوى العالمية الأخرى لتمديد القيود النووية للاتفاق”.

يبدو أن هذا يعني أن إدارة بايدن لن تطالب بتعديل خطة العمل لوضع مزيد من القيود على إيران كشرط “للعودة إلى الامتثال المتبادل” لخطة العمل. في هذه الحالة، قد ترد إيران بشكل إيجابي. كما أن تعويض الولايات المتحدة بمليارات الدولارات عن عامين ونصف العام من الحرب الاقتصادية غير المبررة ضد إيران سيكون أمراً ملائماً أيضاً.