اقتصادصحيفة البعث

اسمحوا لنا أن نتألم.. هل حكوماتنا حكومات قرارات أم إجراءات؟

قسيم دحدل

يا ليت صحَّ المثل القائل “ذاب الثلج وبان المرج”، ولم تكن النيران بدل الثلج هي من فعلت ببطاحنا الغنّاء، خيراً وغلالاً وجمالاً، وكَشَفت وعرَّت الإهمال والتقصير واللامبالاة، للحكومات المتعاقبة المتماثلة في رتابة التفكير وقصوره، وضعف الأداء وتخلّفه، وهزالة النتائج رغم التشريعات والإجراءات!

اسمحوا لنا أن نتألم، وهذه المرة ليس بصمت، بل بأنينٍ يُحطّم طين وعجين الآذان، لعلّها تسمع وتعي وتعتبر، فالمصاب جلل، وأكثر وأكبر من أية قدرة على الاحتمال، إنه حرق وطن! مساحات غالية في ثمين عطائها: بشرها وزرعها ومياهها وسياحتها واقتصادياتها، أصبحت أثراً بعد عين ببضعة أيام فقط، فماذا؟ ولماذا حصل وسيحصل، إن لم نستدرك وبالسرعة الفائقة، ما جهدنا في تلميعه، لكن تقاعسنا أشدّ التقاعس في تنفيذه على مدار عقود طوال!

إنفاق هدر..!

حكومات قرارات صوَرِيَّة لا حكومات إجراءات فعلية، حسب تعبير أحد الاختصاصيين، تهرع بعد أن تقع الفأس بالرأس -وكم من فأس وقعت وستقع! – وبردود أفعال غير مضبوطة ومنظّمة ومدروسة، أقرب لـ”الفزعة”، لا بأعمال تنفيذية استباقية، واستعدادات لوجستية مرحلية واستراتيجية، تمنع الوقوع، ليس في الحفر، بل في الهُوَّات السحيقة!!

حكومات تنفق وتتكلّف الكثير الكثير على الإصلاح وتغطية الأخطاء الجسيمة المشبوهة، بدلاً من الإنفاق على الصحيح والسليم، والتجديد والتطوير في البناء والإعمار، في كافة المجالات دون استثاء.

ولو أردنا تعداد بيِّناتِنا على ما ندّعي لأحتجنا حواسيب إلكترونية ضخمة، تسعى لكلّ ما كان من “قيل وقال” في شتى ميادين الكلام لا العمل (جهات أقوال من غير أفعال)، وُسِمَتْ بها كل جهاتنا العامة والخاصة، فما أشطرنا على المنابر، وما أفشلنا حين تَحوق بنا المحنة ويجدُّ الامتحان!

حين يتوفر المسؤول..

استنفار يتلوه استنفار، ولا حلّ شافياً وكافياً، يُرِيح البال، ويضع حدّاً لما نقع به في كل مرة، تداهمنا الأخطار. لن نسألَ مسؤولاً، فحجم الكارثة التي حلَّت بجبالنا الساحلية وسواحلنا، وبالتالي باقتصادنا الوطني وبالتنمية، أكبر من أي مسؤول وسؤال، لكن من منطلق “بق البحصة”، نسأل عطفاً على ما أكد من استنفار لكذا وكذا وكذا، رئيس مجلس الوزراء خلال ترؤسه أمس الأول: لماذا لم تستبقوا ما كان قد حدث سابقاً ومتوقعاً حدوثه، وتُعدُّون للطارئ مؤسّسة طوارئ وطنية مجتمعية شعبية، لا لجنة، وتأمين كل ما يلزمها بهدف الاستباق في المحاصرة للمخاطر والتقليل من الأضرار، أضرار البشر والزرع والضرع والحجر؟! ولماذا أيضاً لم تقوموا قبلاً، بتعزيز الجهود الاستثنائية لاستباق ومكافحة الحرائق (ضعوا مئة خط تحت استثنائية)! ولماذا لم يتمّ التشديد على تقديم الدعم اللازم للأهالي، ليكونوا عوناً وسنداً فاعلاً حين وقوع الطارئ؟!

متوالية “استفهام”..؟!

ألفُ لماذا يمكن أن تُطرح، إلا أن الأجوبة ستظل غائبة، لغياب الفعل في وقته ومكانه اللازمين المناسبين. غياب لا ندري إن كان أصحاب القرار يدرون أن تكلفة التأخير والتقصير، في الاستعداد والتحضير للمتوقع القادم، تكلفة مضاعفة عشرة أضعاف، مقارنة بالتكلفة فيما لو أنجزنا المطلوب منا في حينه!!

والسؤال الأخير وليس الختام: كيف تؤمّن كل تلك المبالغ واللوجستيات والدعم والمساعدات، حين تقع الفأس في الرأس، ولم تؤمّن قبل ذلك؟! وكيف بإمكاننا استنفار كل تلك الجهات المؤسساتية والمجتمعية والشعبية الآن، ولا نستنفرها قبلاً؟! ولماذا لا يكون لدينا خطط طوارئ بجهوزية عالية، رغم توفر الكوادر البشرية الممتلئة بها مؤسساتنا وشركاتنا وكافة الجهات العامة، تحت يافطة العمالة الزائدة؟!

لعلّ أصحاب القرار يشتغلون بمبدأ “الزيادة في النقصان”، وهذه أحجية نتفرّد بها عالمياً!

Qassim1965@gmail.gom