الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

أحلام الرواية العربية..!

حسن حميد

تكاد مشهدية الرواية العربية، وربما العالمية أيضاً، تغلق الأبواب على ما تبقى من الأجناس الأدبية الأخرى ذلك لأن القبول على كتابتها يكاد يكون حمّى إيجابية تعصف بالعقول والعواطف معاً، ومثل هذا القبول هو قبول دور النشر على نشرها وطلبها، وكذلك قبول النقاد على دراستها ومتابعة الفضاءات التي تدور فيها، وأخيراً قبول القراء على الرواية إقبالاً غير مسبوق في تاريخ الرواية العربية، وربما العالمية أيضاً، وكل هذا أمر محمود جداً لأن لهفة السؤال عن الرواية من دور النشر إلى النقاد إلى التسويق إلى الترجمة أعطتها فضاء جديداً من الحضور والمكانة، ولاسيما حين أبّدتها في حضّورها الجوائز الأدبية.

هذا الأمر، في كليته، يستوجب أسئلة كثيرة، لعل في طالعها، هل الرواية العربية اليوم تمثل التعبير الأوفى عن مشكلات مجتمعاتنا العربية أحلام فيها، بمعنى آخر هل الرواية العربية تلعب الدور الذي لعبته الرواية في مجتمعات مثل روسيا القيصرية فأنتجت لنا روايات خالدة في المضمون والشكل، مثل روايات بوشكين وغوغول ودوستويفسكي وتورغنيف، أو روايات خالدة في أوروبا كروايات توماس هاردي، وديكنز، وبلزاك، وفلوبير، ومارسيل بروست، وجيمس جويس، وأيضاً روايات خالدة في أمريكا اللاتينية، وأمريكا الشمالية، كروايات: همنغواي، وفوكنر، وماركيز، ويوسا، وأرسكين كالدويل، وجون شتاينبك، وهنري جيمس.. الخ. طبعاً الإجابة الكاملة ليست حاضرة إلا على نحو يكاد لا يكون مكتملاً، ولكن الملاحظ هو أن الرواية العربية اليوم هي التعبير الأبدي عن أحوال المجتمعات العربية وهي في داري السلام والحرب، فعبر الرواية التي كتبها كتّاب الجزائر عرفنا الثورة الجزائرية على نحو أكثر جلواً ووضوحاً من خلال روايات: الطاهر وطار، وواسيني الأعرج، وجيلالي خلاص، وأمين الزاوي، وكاتب ياسين، ومحمد ديب، والرواية التونسية هي التي عرفتنا بجوانب كثيرة من الحياة التونسية، من خلال كتابات محمود المسعدي، وبشير خريف، وإبراهيم الدوغوثي، وحسونة المصباحي، والحال هي كذلك حين نتحدث عن المجتمع في الخليج العربي، فلولا روايات إسماعيل فهد إسماعيل، وليلى عثمان، وطالب الرفاعي، لما عرفنا جوانب كثيرة في المجتمع الكويتي، وهكذا الحال في باقي دول الخليج، وفي مصر عرفنا المجتمع المصري أكثر من خلال الرواية التي كتبها توفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وجمال الغيطاني، ويوسف القعيد، وكذلك هي الحال في سورية فقد باتت الرواية التعريف الأكثر إنارة لجوانب كثيرة في المجتمع السوري من خلال روايات حنا مينة، وهاني الراهب، ويوسف المحمود، ووليد إخلاصي، وكوليت خوري، وغادة السمان، وياسين رفاعية، وأحمد يوسف داوود، وعبد السلام العجيلي،…

وقد كان حضور الروايات العربية في معارض الكتب، والمؤتمرات والملتقيات (ولاسيما مؤتمر الرواية العربية في القاهرة)، والجوائز الأدبية التي عنيت بالرواية تحديداً.. الدور الحاسم في معرفة اتجاهات الرواية العربية في الكشف عن مستبطنات هذا المجتمع، من مشكلات وأحلام في آن، مثلما كشفت عن وعي مهم بالتقنيات التي تجعل من النص الروائي مرايا للمتعة التي تجسدها اللغة، والأساليب، والحذق المهاري.

ولهذا من اليسير القول: إن الجانب المضموني لمادة الرواية العربية اشتمل معظم جوانب الحياة العربية، قديمها وحديثها، من التاريخ إلى عالم التواصل الاجتماعي، وقد بدت فيه خلاصة الحياة العربية في جميع اتجاهاتها.

بقي من القول: إن هذا الحضور الروائي العربي بحاجة إلى عين نقدية رائية، وعقل موار للكشف عن الأشواط التي قطعتها الرواية العربية من أجل تعريفين اثنين، أولهما تعريف داخلي بها وهو أمر محقق إلى حد ما، وثانيهما تعريف خارجي بها عالمياً، وهو غير محقق من دون أن تكون للترجمة، من العربية إلى اللغات العالمية، الدور الفعّال الذي نحلم به.

Hasanhamid55@yahoo.com