مجلة البعث الأسبوعية

تحديد الكميات ليس حلاً.. قرارات ارتجالية فاقمت أزمة الخبز والمواطن هو الضحية

“البعث الأسبوعية” ــ علي حسون

مر أكثر من خمسة عشر يوماً على تطبيق بيع مادة الخبز وفق عدد أفراد الأسرة من خلال البطاقة الذكية، ولم يلحظ المواطن أي انفراج أو حل لمشكلة الازدحام على الأفران، فما زالت طوابير المواطنين تصطف من الصباح إلى آخر الليل من أجل الحصول على مخصصات الخبز في ظل تحكم الأفران وإصرار أصحابها والجهات المعنية على التفرد بالقرارات الارتجالية غير المدروسة.

 

عدم قناعة

ومع عدم قناعة المواطن بقرار تخصيص الأسرة بكميات محددة، يبقى “الرمد أفضل من العمى” – كما يقال – إلا أن المعنيين يمعنون في تشويه وتفريغ القرارات من مضمونها من خلال المخالفات والتجاوزات والتدخلات السلبية، خاصة أن موضوع الخبز يشترك في متابعته أكثر من جهة، لاسيما الوحدات الإدارية التي زادت الطين بلة من خلال تفضيل المصالح والعلاقات على المصلحة العامة، ما أربك عمل الأفران، حسب تأكيدات مشرف أحد المخابز، الذي تحدث عن تجربة المعتمدين وإشكاليات عمليات التوزيع وعدم التزام المعتمدين بالشروط والتعليمات النافذة وانعكاس ذلك سلباً على جودة الخبز كونه لا يوزع بطريقة صحيحة من خلال صناديق مخصصة، إضافة إلى تجميع الخبز من فترة الليل لغاية الصباح ليتم توزيعه على المواطنين.

 

أهواء وعلاقات

ولم يخف المشرف معاناته مع الجهات المتداخلة بالعمل وقراراتها العشوائية في ريف دمشق، مثلاً، بما يتعلق بإلغاء المعتمدين تارة، وعودتهم تارة أخرى، وفق أهواء رئيس البلدية، وبما يخدم علاقاته ومصالحه، علماً أن تجربة المعتمدين مطبقة في المحافظة منذ زمن بعيد. وكانت الكميات المحددة للمعتمدين سابقاً بنسبة 20% من إنتاج المخبز، وتسلم في الساعة الثانية عشر ليلاً حتى السابعة صباحاً للقرى والبلدات البعيدة، حسب توضيحات مدير المخابز في ريف دمشق، مؤيد الرفاعي، الذي اعتبر أنه ونتيجة انتشار مرض كورونا تم إغلاق منافذ البيع واعتماد نظام المعتمدين بالتنسيق مع البلديات، إلا أن المعتمدين لم يلتزموا بالتعليمات الناظمة الصادرة من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك والمحافظة، ما أثر على نوعية الخبز المسلم للمواطنين.

ولفت الرفاعي إلى أنه، ونتيجة كثرة الشكاوى الواردة، تم إعادة فتح كوات بيع في بعض المخابز، والعودة إلى البيع المباشر، وتشكيل لجان من البلديات من أجل تنظيم الدور على المخابز، والحفاظ على التباعد المكاني بين المواطنين حرصاً على سلامتهم.

 

حبر على ورق

كلام الرفاعي وصفه متابعون بأنه بعيد كل البعد عن الواقع، فالازدحام والاكتظاظ على الأفران خير دليل على أن تلك اللجان المشكلة حبر على ورق، وبعض البلديات فاقمت الأزمة ولم تحلها، حسب تأكيدات مواطنين أبدوا استياءهم من عمل المخابز وكثرة الأعطال، في وقت يدرك المعنيون حساسية الوضع.

متابعون لأداء عمل المخابز رفعوا أصابع الاتهام بوجه بعض أصحاب المخابز بتقصدهم تعطيل المخبز كي يتم بيع كمية الدقيق بشكل مخالف، إلا أن هذا الاتهام لم يرُق لمدير المخابز الذي أكد أنه عند توقف أي مخبز يتم إعلام إدارة الفرع بالعطل، وتتوجه عناصر الدائرة الفنية للكشف عن العطل وصيانته، ويتم إعلام مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حال التوقف لفترة طويلة، ليتم تأمين المنطقة بمادة الخبز وتحويل كميات الدقيق أصولاً.

 

سرقة وبيع

وتواصلت “البعث الأسبوعية” مع مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بريف دمشق، لؤي سالم، الذي كشف عن حالات ضبط سرقة وبيع دقيق لبعض الأفران، حيث يتم تنظيم الضبوط أصولاً واتخاذ الإجراءات اللازمة، مبيناً أن المديرية تقوم بجولات ميدانية على جميع المخابز/ والاطلاع على واقع العمل، والتأكد من كميات الدقيق المسلمة ووزن الربطة ومتابعة عملية البيع.

وأشار السالم إلى أهمية الشكوى من أجل متابعتها فوراً واتخاذ العقوبات بحق المخالفين ومعالجة الخلل وتقييم أداء عمل المخابز، علماً أن الأداء يختلف من مخبز إلى آخر حسب حداثة خطوط الإنتاج، وفق رأي مدير المخابز الذي اعتبر أن غالبية مخابز المحافظة تعمل بشكل جيد، ويتم التعاون مع فرع مؤسسة الحبوب من أجل تأمين الدقيق وفق الإمكانيات المتاحة لتحسين جودة الرغيف.

 

محط خلاف

ومن نار الأفران والأزمة المركبة، يرى خبراء اقتصاديون أن بعض القرارات تصدر بعيداً عن دراسة آثارها المتوقعة، ومن ثم تعدل بعد التطبيق، ليقع المواطن بين نار الفساد ونار قلة الإمكانات، وسط زيادة الضغوطات والحصار الاقتصادي، ليوضح الخبير الاقتصادي الدكتور سنان علي ديب أن موضوع الخبز والبطاقة الذكية كان محط خلاف وجدال كونه خطاً أحمر لكل المؤسسات، معتبراً أن تمريرها كان تحت ذريعة هدر الخبز وتحويله لعلف، مشيراً إلى أنه مع تطبيق البطاقة وحصرها بالأفران تفاقمت طوابير الانتظار والازدحام، لافتاً إلى ضرورة توسيع دائرة انتشار منافذ البيع عبر معتمدين منضبطين بالأسعار.

 

قرارات غير مدروسة

ويعتبر ديب أنه وبالتوازي مع قرار تحديد الكمية حسب الأشخاص ستستمر الطوابير، وقد تزداد، فشريحة الربطة الواحدة أكثر من النصف، وهي ستضطر كل يوم للانتظار، داعياً إلى اتخاذ قرارات مدروسة من ناحية الكم وكيفية التوزيع.

 

غوغائية ومستلزمات

ولم يكن المعتمدون بعيدين عما يجري من اتهامات وتشكيك، حيث اعتبر البعض منهم أن المشكلة تكمن بغوغائية القرارات وعدم تأمين مستلزمات نقل الخبز، فالمعتمد -حسب كلامهم – ليس بمقدوره شراء صناديق خاصة لنقل الخبز بسبب ارتفاع ثمنها والمبلغ المسموح تقاضيه على سعر الربط قليل، ولا يشكل مربحاً يتيح للمعتمد العمل في أجواء مثالية حسب التعليمات الناظمة. وحمل المعتمدون الجهات المشرفة على توزيع الخبز مسؤولية زيادة الفوضى وشدة الازدحام كونهم يكيلون بمكيالين حسب أهوائهم الشخصية.

 

قدم الخطوط

ولأصحاب الأفران شكواهم وتبريراتهم، إذ يؤكدون أن قلة المحروقات وقدم خطوط الإنتاج أثرت على جودة الخبز، ليبين الرفاعي قيام فرع المخابز بإجراء صيانة يومية للخطوط وتعديل الخطوط القديمة بشكل دوري، وفق الخطوط الأكثر تضرراً، وبموجب الاعتمادات المحددة والخطة السنوية، مشيراً إلى إعادة تأهيل الخط الثاني في مخبز جيرود الذي سينتهي خلال الأسبوع الحالي، وإيقاف مخبز الكسوة لإجراء عمرة لبيت النار وصيانة الآلات وبعض الأعمال خلال الأسبوعين القادمين، كما يتم العمل على تأهيل المخابز المتضررة استكمالاً لتجهيزها ووضعها في الخدمة كمخبزي دوما وحرستا، إضافة إلى إجراء عمرة لمخبز ضاحية قدسيا مع تحويل مخصصات المخابز المتوقفة إلى المخابز المجاورة العامة والخاصة، منوهاً إلى أنه يتم استلام محضر لإحداث فرن في بلدة أشرفية صحنايا.

يشار إلى أن عدد المخابز في ريف دمشق 33 مخبزاً تعمل بمعدل 37 خط إنتاج وبطاقة إنتاجية يومية 415 طن دقيق، منها 9 مخابز تعمل بنظام الإدارة، و24 تعمل وفق نظام الإشراف، من ضمنها 3 مخابز متنقلة في بلدات دوما ويلدا والتواني، وتبلغ نسبة كميات الخبز التالف، وفق التعليمات الصادرة من المؤسسة السورية للمخابز، 5 بالألف من إنتاج المخبز.