مجلة البعث الأسبوعية

قطاع النقل الداخلي بحلب.. فوضى عارمة ومشاكل بالجملة والفساد متهم أول..!

“البعث الأسبوعية” ــ أيهم ناعسة

المضحك المبكي عند تحرير المواد الصحفية المرتبطة بالأمور الحياتية وقضايا الناس والمجتمع، وترابطها مع سير عمل المؤسسات الرسمية، أنه مهما طال الزمن، وتغيرت المعطيات، وتنوعت الأفكار والوسائل والأدوات، نجد المشاكل هي ذاتها بحلة جديدة، أو مستجدة، وبذات اللاعبين، وربما بلاعبين جدد، وبذات الصبغة التقليدية الرتيبة والفكر الروتيني البيروقراطي العقيم.. المتغيب الوحيد عن مسرح الأحداث هي الحلول والأفكار المبتكرة والمرنة والسريعة التي تحاكي الواقع الاجتماعي المتقلقل، والمشاكل المتجددة كنتيجة طبيعية لمنعكسات الحرب والحصار.

نظرياً، وفي المناقشات والاجتماعات داخل المؤسسات الرسمية، وفي الشارع العام، الكل يتحدث عن أهمية مكافحة الفساد ومحاربة الظلم، لكن التجربة وطبيعة سير الحياة تقول إن الفساد – بكل أنواعه وأشكاله ووسائله وأدواته – أصبح جزءاً من ثقافة المجتمع، وهناك كثر ممن امتهنوا واحترفوا الكذب وسبل الغش والتلاعب والاحتيال والنهب، وأثبتت الأيام أن هناك من تاجر بالسلاح، ومن تاجر بالأعضاء، ومن تاجر بالبشر، ومن تاجر بالأعراض، ومن تاجر بالمخدرات، ومن باع اللحوم الفاسدة ولحوم الكلاب والحمير، وهناك من تاجر بتخريب التعليم، وهناك من تاجر بالبلد ككل.. هذا الفساد الأكبر، وهناك الفساد الأصغر الذي يجيده المعظم الأعم من المجتمع، ويمارسه يومياً، ومشهد النقل اليوم جزئية صغيرة من ممارسة الفساد الأصغر.

 

 مشهد

كانت أزمة قلة البنزين وضغط المخصصات، وما نتج عنها من ازدحامات أمام محطات الوقود، منذ بداية شهر أيلول الماضي، بمثابة صافرة البداية لكل الفاسدين في قطاع النقل الداخلي، حيث احتل سائقو تكسي الأجرة المركز الأول في النصب على الناس وسرقتهم.. وجميعنا يعرف الأسعار المرتفعة جداً التي يطلبونها رغم أنهم يحصلون على البنزين بالسعر المدعوم، وأغلبهم أصبح يبيع مخصصاته من المادة في السوق السوداء أيضاً، وبأسعار مرتفعة، دون أن يحرك السيارة متراً واحداً.

يأتي سائقو السرافيس في المرتبة الثانية ضمن لعبة الفساد، مع أن المازوت متوفر تماماً.. لقد كانت لديهم عبارتهم الشهيرة: “ما فيه مازوت!”، كمبرر لما سيقومون به من فساد، وهناك قسم كبير منهم التزم مع المدارس والروضات ما قلل عدد العاملين منهم على الخطوط… هذه الأسباب وغيرها أدت لتراكم العشرات من الناس لوقت طويل نسبياً، وخاصة في فترتي الذروة النهارية والمسائية، على الأرصفة والمواقف بانتظار من يوصلهم إلى مقاصدهم، في مشهد مهين لإنسانية الإنسان وكرامته.. التسعيرة الجديدة جاءت 75 ليرة لكل الخطوط الداخلية، ولكن الجميع حالياً يأخذ التسعيرة 100 ليرة، والحجة لا “يوجد 25 ليرة!”.. وطبعاً لا داعي لتوضيح من فرع المصرف المركزي بحلب، لأن العبارة الوحيدة هي “ممنوع التصريح لأن ذلك مرتبط بسياسة نقدية وطنية عليا”.. وطبعاً، سائقو السرافيس لا يريدون حلاً، لأنه عصرهم الذهبي، إذ أن هناك في نهاية اليوم مبلغ جيد جداً من مجموع الـ 25 الزائدة عن ربحهم الأساسي من التسعيرة الجديدة، علماً أن معظم المقاعد يتم “دوبلتها”، أي استعمال المقعد الواحد من راكبين في رحلة واحدة، أي يحصل – وفق ذلك – على سعر مضاعف.

أما الشركة العامة للنقل الداخلي “الباصات”، فتحترم ذاتها إلى حد كبير لجهة المواعيد، وطباعة بطاقة عودة، بقيمة 25 ليرة سورية، كحل وسط ليتمكن الراكب من الاستفادة من رحلة مستحقة. من جهتها، أطلقت شركات الاستثمار وعوداً بأنها ستخطو وفق خطوات الشركة الأم..!

 

مشاكل  

بين مصدر في شركة الكدرو – ولديها حالياً 25 باصاً يعمل منها على خطوط الأشرفية 15، والحمدانية 8 باصات، وطريق الباب باصان، وفي الحجز باصان – أن مشاكل شركات الاستثمار الخاصة العاملة في مجال النقل الداخلي متشابهة، وتتجسد بشكل رئيسي في قدم الباصات، وتوقف العديد منها بسبب عدم توفر قطع الغيار، حيث تتم الصيانة عن طريق الاستعانة بقطع الباصات المتعطلة، وتشغيل الباص الذي يعمل، والاستفادة من مقاعدها بإصلاح مقاعد الباصات التي تعمل على مبدأ “التسكيج” – كما يُقال – إضافة إلى قلة الأيدي العاملة لجهة أعمال الإصلاح الميكانيكية والفنية الكهربائية. ومن الأفضل أسلوب التعاقد مع عمال ميكانيك، وفني كهرباء، وكومجي، وتطوير العلاقة مع الجهات ذات الصلة، بحيث تكون الإجراءات التي تصدر مناسبة للجميع، وتصب في خدمة قطاع النقل وتخديم الناس!!

عند البحث وتدوير الزوايا حول طبيعة هذه المشاكل وسبل معالجتها للوصول إلى أفضل خدمة ممكنة، وخاصة أثناء ظهور أزمة وقود، والحد من ظاهرة استغلال حاجة الناس إلى التنقل، يتبن أن هناك أربعة أطراف أساسية في هذه العلاقة الخدمية، وهي: الراكب، والجهات المعنية بهذا الشأن، والمستثمر، والسائق.. وما يهم الراكب يتمثل في ضرورة توفر وسيلة النقل بشكل مستمر واحترام المواعيد والحصول على خدمة جيدة، بحيث تكون المقاعد مريحة، والتقليل من الاكتظاظ داخل الباص – كما نشهد حالياً – لأن ذلك أفضل من الناحية الصحية والسلامة العامة، وحتى على سلامة الباص نفسه، وأيضاً ضرورة إرجاء الـ 25 ليرة من خلال بطاقة عودة تجميعية، وهذه الأمور من حق الراكب الحصول عليها ومن واجب المستثمر توفيرها. وما يهم السائق هو تحسين الرواتب بما يتناسب مع العمل والواقع المعيشي، وضرورة تأمين السائقين (في حال حدوث مخالفة، أو وقوع حادث، تقع كل التبعيات على عاتق السائق دون أن تتحمل الشركة أي مسؤولية)، وعدم تسخير السائقين في أعمال لا علاقة لهم بها، مثل أعمال إصلاح المقاعد أو الأعمال الفنية والميكانيكية.

 

مطالب

وتتمحور مطالب المستثمر حول أهمية بناء علاقة مرنة وسريعة مع الجهات المعنية بقطاع النقل، وخاصة لجهة اختيار موعد مناسب لتعبئة الباصات، والذي كان سابقاً محدداً من الساعة 1 حتى 4، وهي فترة الذروة الرئيسية. ولدى مراجعة عضو المكتب التنفيذي، سمير جعفر، وعد بأن تكون تعبئة الباصات في الفترة المسائية، بحيث لا تؤثر على سير العمل، ولا تؤدي إلى تفاقم الازدحام.

وعن موضوع عدم حجز باصات النقل العام في حال وجود مخالفة، وحل المخالفة بطريقة لاتؤدي إلى إيقاف الباص كونه وحدة اقتصادية خدمية، أكد فرع المرور أنه لا يتم حجز أي باص نقل عام، ولا يوجد أي باص محجوز بسبب مخالفة مرورية. لكن في حال وجود حادث سير، عندها تحجز الآلية – مهما كان توصيفها – إلى أن يصار إلى حل الأمر أصولاً عن طريق القضاء وإجراء فك الحجز. والمطلوب من المستثمر الشفافية في العمل، والالتزام، وصيانة الباصات بشكل دوري، وعدم الاعتماد على “الترقيع”، بل ضرورة التعاقد مع عمال صيانة، مثل عمال الميكانيك، والكومجية، وفنيي الكهرباء.

 

الجهات المعنية

أما المطلوب من الجهات المعنية في قطاع النقل فهو أن تلامس الواقع، وأن تأتي قراراتها بما يتماشى مع الواقع وانسيابية العمل، لا أن تكون من ضرب التجريب والاحتمال، لأن من يصدر القرار من مكتب مكّيف، وبانتظاره ضمن المرآب سيارة ممتلئة بالوقود ومكيفة، لا يشعر بتجمعات البشر، ممن ينتظرون بذروة الشمس، على المواقف والأرصفة، الباصات أو السرافيس.. ناهيكم عن التزاحم الهائل الذي يحصل في سبيل الفوز بمقعد في هذا الباص أو في ذاك السرفيس.. أو حتى “عمشقة”..!