دراساتصحيفة البعث

الكراهية جائحة اجتماعية تسمم أوروبا

ترجمة وإعداد: عائدة أسعد

بعد أقل من أربعة أشهر على مقتل جورج فلويد في حجز الشرطة وحملة Black Lives Matter التي امتدت إلى أوروبا، وأثارت احتجاجات في جميع أنحاء القارة، عيّن الاتحاد الأوروبي بسرعة غير مسبوقة أول منسق لمكافحة العنصرية، ولكن لن يكون لهذه الفكرة الرائعة أي معنى ما لم تكن الكراهية جزءاً من ملفهم لأنه بدلاً من بناء اتحاد مناهض للعنصرية، كما أرادت أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية/ قام الاتحاد الأوروبي ببناء اتحاد معاد لها.

إن التحيز موجود في كل ركن من أركان أوروبا، وحوادث العنف تزداد سوءاً بين المجتمعات الغربية منذ أزمة اللاجئين والهجرة في عام 2015 والهجمات الإرهابية في فرنسا وإسبانيا وألمانيا.

في عام 2019 أكدت الأبحاث التي أجريت لصالح Bertelsmann Stiftung’s Religion Monitor انعدام الثقة على نطاق واسع في جميع أنحاء أوروبا، وقال مستطلعون في ألمانيا وسويسرا: إنهم ينظرون إلى التطرف على أنه تهديد، وفي المملكة المتحدة يشترك اثنان من أصل كل خمسة في هذا التصور ويعتقد حوالي 60٪ من الإسبان والفرنسيين أن التطرف لا يتوافق مع الغرب، وفي النمسا واحد من كل ثلاثة لا يريد أن يكون جيرانهم من غير السكان الأصليين.

هذه النتائج أكدتها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) في أحدث استطلاع حول ارتفاع جرائم الكراهية، وكذلك الأمر مع هيئة التنسيق الشرطية الأوروبية يوروبول التي أشارت في عام 2019  إلى تصاعد الإرهاب اليميني المتطرف.

ويشعر الناس في إسبانيا وبلغاريا وفنلندا وفرنسا  بالتحيّز بغض النظر عن حجم اقتصاد بلدانهم ومجتمعاتها والتركيب الاجتماعي الديني أو العرقي، ونوع العلاقات التاريخية مع العالم أو حتى سياسة اللاجئين بعد عام 2015.

في ألمانيا وبولندا منح التحيّز أرضاً خصبة للعنف العنصري، وارتفع عدد الجرائم المصنفة على أنها كراهية بنسبة 4.4٪ إلى 950 جريمة في عام 2019، ما يعني أن التحيّز منتشر في كل مكان ليس فقط من الناحية الجغرافية ولكن أيضاً عبر الطيف السياسي سواء في اليمين والوسط واليسار.

وهذا لا يعني أن كل الأوروبيين عنصريون، لكن كراهية الأجانب تنمو في الأزمات ونحن نعيش حالياً في أزمة، وقد يؤدي الوباء والركود الذي يلوح في الأفق إلى تفاقم ما يمثل بالفعل خطراً وجودياً على الاتحاد الأوروبي والديمقراطية.

إن تعيين منسق من قبل الاتحاد الأوروبي لمكافحة العنصرية يمكن أن يعيد تنشيط النهج الأوروبي الشامل للعنصرية، ولكن يجب أن يتم تزويد المكتب الحالي لتنسيق جهود أوروبا لمكافحة الكراهية – الذي تم إنشاؤه في عام 2015 ولم يحقق الكثير – بميزانية معززة وتفويض قوي وواضح.

ولا ينبغي للمنسق النشط والمخلص أن ينسق بين مؤسسات الاتحاد الأوروبي فحسب، بل يجب أن يراقب ويسجل الكراهية في جميع الدول، ولا ينبغي للأوربيين منح العنصرية حرية المرور فالعديد من المجتمعات في جميع أنحاء أوروبا من البيض والمسيحيين موحدين، ولا سيما في المدن والقرى الأصغر، لكن الأوروبيين يعيشون جميعاً في فقاعات اجتماعية خاصة لا تخلو من التحيّز.

إن الأوروبيين بحاجة إلى الانتباه لما أسماه فرانتز فانون Frantz Fanon رائحة العنصرية النتنة – تلك الآراء التي تخفي التحيّز وينطقون بها في حفلات العشاء أو المشروبات الودية ويتحدثون بصوت عالٍ عن العنصرية. لذلك لا بد من تسمية الأشياء بمسمياتها، والحقيقية أن تشريعات الاتحاد الأوروبي باتت “عنصرية” وبمجرد أخذها على هذا النحو لن تصبح ظاهرة مؤقتة أو انتقالية، بل ستكون جائحة اجتماعية تخترق هياكل المجتمع وتفكك جميع مجالات الحياة.