ثقافةصحيفة البعث

دراما الحروب.. الغائبة المغيّبة

ليس جديداً أن تكون الفنون عموماً والمرئية منها بشكل خاص، من أهم مكونات صناعة “البروباغندا” الخاصة بدولة ما، خصوصا في وقت الحرب، والأمثلة العربية والعالمية من أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية صُنعت لهذا الغرض بالتحديد، لا تُعد ولا تُحصى، ومنها بطبيعة الحال، ما تمت صناعته محليا من مسلسلات وأفلام منذ سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم، أدرك صُناعها ووعوا أهمية هذه الحقيقة وخطورتها، منها “عواء الذئب-1974، الولادة الجديدة-1982 وغيرها”، هذه الأعمال العظيمة بما حملته من قيم نبيلة، لم تزل تُعرض حتى الآن على شاشاتنا في المناسبات الوطنية، مع غياب شبه تام لأي عمل جديد من هذا النوع، رغم الحرب الطويلة التي نخوضها، ورغم ما وقع فيها من بطولات وتضحيات لا تحصل حتى في الخيال.

وإن علمنا كم من الملايين بل المليارات، التي يتم إنفاقها سنويا من الميزانية العامة للكثير من دول العالم على هذه الصناعة، لعرفنا أن الفنون هي من أهم الأسلحة في الحرب والسلم، فعندما تقع الحرب بين بلدين، لا يكون جيش أي بلد منها هو المعني الوحيد في هذه الحرب، بل كل ما فيها، مؤسساتها الرسمية والخاصة بمختلف المجالات، أعلامها بأنواعه، فنونها، جامعاتها، أهلها، والقائمة تطول، وبالتالي يكون وضع كل عناصر قوتها في المواجهة، كل حسب موقعه وأهميته، هو من أهم العوامل في حسم نتيجة هذه الحرب، ولأن الدراما التلفزيونية بشكل خاص، هي واحدة من أهم هذه العناصر، نظراً لاتساع رقعة انتشارها وسهولة وصولها إلى المتلقي وبالتالي التأثير عليه، خاصة في دراما تمتلك هذه الميزة سابقا كالدراما المحلية، فهذا يدفع للسؤال: أين درامانا المحلية اليوم ومنذ عشر سنوات خلت في شأن جلل كهذا؟

معظم شركات الإنتاج في البلاد اليوم حتى الرسمية منها، تبدو هذه الحقيقة خلف ظهرها، وهي إن حضرت في عمل ما، فلا تحضر كما ينبغي لها أن تكون، بل إن بعض الأعمال الدرامية التي صُنعت خلال الحرب، ساهمت في صناعة “بروباغندا” عكسية تماماً – لا يوجد ولن يوجد دراما في أي دولة من دول العالم، تُحرّض أهل البلاد على تركها في الحرب، أو أن تساوي بين جيش بلادها وبين عدوه – وها هي روزنامة الدراما المحلية في سنوات الحرب، والتي فاقت الحرب العالمية الثانية زمنيا بأكثر من الضعف، نكاد لا نعثر فيها على عمل درامي واحد “محارب” كما ينبغي لهذا النوع من الأعمال! وما شاهدناه من مسلسلات بالتحديد عن هذا الأمر، يمكن تسميته بـ: “دراما الحواجز” لا الحروب!

بالتأكيد ليس مطلوباً أن تكون كل أعمال هذه الشركات ولا حتى نصفها أو ربعها لها هذا الطابع، يكفي ولو عمل درامي واحد جيد ومشغول عليه من “قلب ورب” كما يقال، لكن شركات الإنتاج لا تريد أعمالا عن “الحرب”، إنها تميل بقوة للدراما “اللايت” غير المكلفة إنتاجياً، أو للدراما البياعة في الأسواق الدسمة، رومانس، خيانة وسفاح قربى –كما شاهدنا- بيئة وغيرها، وفي حال قام كاتب ما بكتابة عمل درامي وهو يدرك حقيقة كونه على واحدة من جبهات الحرب الأخطر، وأن من واجبه ككاتب أن يعمل على توسيع مدارك المتلقي ووعيه داخل بلده وخارجها، وفي الفترة الأكثر أهمية لهذا الفعل، فربما لن يجد عمله قبولاً عند الشركات المنتجة، فعدا عن كون سوق فضائيات “البزنس” الدرامي لا تُفضل هذه الأعمال ولا تشتريها، فإن المحطات المحلية بشقيها العام والخاص على قلتها، لا تدفع سعراً للعمل الدرامي بغض النظر عن نوعه، يغطي ربع تكاليفه، وهكذا تعمل شركات الإنتاج الرسمية على مبدأ “من دهنو سقيلو”، أما الخاصة فحسب سوق العرض والطلب، السوق التي صارت مفرداتها التسويقية معروفة للداني والقاصي!

تمّام علي بركات