تحقيقاتصحيفة البعث

بعد إخماد النيران المشتعلة.. التخفيف من آثار الحرائق أولوية معيشية واقتصادية وزراعية؟

إذا كانت الحرائق الكارثية التي اجتاحت مناطق واسعة من ريف محافظة اللاذقية قد ألحقت أضراراً كبيرة طالت مختلف القطاعات الزراعية والسكنية والإنتاجية والخدمية والبيئية، وألقت بآثارها السلبية المباشرة على مختلف جوانب الحياة لما حملته من خسائر فادحة تكبّدها عدد كبير من أهالي وقاطني هذه المناطق فإن الأضرار التي لحقت بالإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني جاءت قاصمة وثقيلة وكارثية لأنها تسببت في خسارة محاصيل عام بأكمله وخروج مساحات زراعية واسعة من الإنتاج، وتلف واحتراق الأشجار والمزروعات ونفوق حيوانات، وفقدان مستلزمات وأدوات ومعدات إنتاجية، وبرغم هذه الأضرار التي شكّلت كارثة بكل معنى الكلمة فإن هناك من يتعمّد تضخيم وتهويل تبعاتها وتداعياتها على السوق والأسعار بقصد إشعال الأسعار تحت ذريعة حتمية حصول تراجع مرتقب في كميات الإنتاج الزراعي خلال الفترة القديمة كمقدمة من ضعاف النفوس للاستثمار السلبي السيئ في هذه الحرائق فيتم على سبيل المثال تداول أسعار خيالية جنونية لصفيحة زيت الزيتون بشكل لا يمكن للعقل أن يتقبّله ولدرجة أن السعر المتداول بات مصدر رعب حقيقي لدى العامة، وهذه بكل الأحوال لعبة تجار السوق السوداء والسماسرة والوسطاء الذين يمارسون أبشع أساليب الاستغلال في مثل هذه الظروف والكوارث، وهذا يستوجب من الجهات الرقابية المعنية كبح جماح جشعهم ومحاربتهم، وقطع الطريق على استغلالهم وكل أساليبهم الدنيئة وألاعيبهم المكشوفة، وفرض أشد العقوبات الصارمة بحقهم .

هواجس قوية
وعن الحرائق التي حصلت وآثارها على القطاع الزراعي، وإلى أي مدى يمكن الحديث عن تأثير الحرائق على الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وانعكاس الحرائق على مصادر العيش في المناطق التي طالتها الحرائق وملامح هذا الانعكاس، وما هي البدائل المتاحة الممكنة الميسرة التي تسهم عاجلاً في تجاوز هذه الآثار في مثل تلك الحالات، وما مصدر الشائعات الكثيرة التي سرت كالنار في الهشيم فور اندلاع الحرائق عن ارتفاع كبير بل وجنوني محتمل في أسعار المنتجات الزراعية، ولاسيما زيت الزيتون، وأصبح ذلك متداولاً بقوة، وهذه فرصة ينتظرها التجار ولاسيما تجار السوق السوداء، ما هو التقييم الأولي لهذا الطارئ الجدي، وهل في ذلك مبالغة وتأجيج للأسواق؟ وما هي سبل التعافي والتخفيف من الآثار الناجمة عن الحرائق معيشياً – زراعياً – اقتصادياً، وكيف نعيد تأهيل الغطاء الحراجي والنباتي بشكل عام بطرق جديدة غير تقليدية؟

كل هذه التساؤلات والهواجس والاستفسارات كانت محاور رئيسية في لقاء “البعث” مع الأستاذ الدكتور علي نيصافي – الأستاذ في كلية الزراعة بجامعة تشرين والنائب العلمي السابق للكلية، حيث أوضح الدكتور نيصافي أنّه من الطبيعي أن تكون هناك تأثيرات وتداعيات سلبية كثيرة على القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني كون البيئة الزراعية حاضنة حقيقية لهذين القطاعين الأهم حالياً والمؤثرين مباشرة على الحياة اليومية للناس إذ إن معظم المزارعين يعتمدون على تربية الحيوانات والطيور وبعضهم على النحل أيضاً بجوار حيازاتهم الزراعية كإنتاج رديف ومساعد ومتكامل أيضاً بحيث يستفيدون من مخلفات مزروعاتهم في جزء منه لتغذية الحيوانات الزراعية كالأغنام والماعز والأبقار وبعض الطيور، ويستفيدون أيضاً من تلك الحيوانات في الإنتاج وتأمين الغذاء للإنسان، وكذلك السماد للأرض.

بشكل مباشر
ويرى د. نيصافي أنه إزاء كل هذه التداعيات والتأثيرات فإنه لذلك يمكن أن ينعكس تأثير هذه الحرائق بشكل مباشر على المتضررين، وبالتالي جزئياً على السوق من الأضرار المتنوعة المباشرة التي طالت أشجار الزيتون أو الليمون أو مزروعاتهم المختلفة والتي منها التبغ، وكذلك الأضرار التي لحقت بالمواشي أو بعض المداجن والذي أثر سلباً أيضاً حتى على إنتاجها من خلال انخفاض هذا الإنتاج أو توقفه، وهذا سيؤثر سلباً على دخول المتضررين الذين كانوا ينتظرون مواسمهم بفارغ الصبر ومن الطبيعي قلة العرض ستؤدي إلى ازدياد سعر المادة واستغلالها من قبل المتاجرين بقوت المواطن، وهذا يتطلب إجراءات سريعة وإسعافية من الجهات المسؤولة عن مراقبة وضبط الأسعار.

خسارات كبيرة
وأوضح د. نيصافي أن هنالك خسارات كبيرة لمخزونات نباتية وراثية فريدة كغابة الشوح مثلاً، وكذلك الآثار الضارة من الحرائق على البيئة والغطاء النباتي الذي هو موئلاً وملاذاً لكثير من الحيوانات البرية والطيور وخسارة التنوع الحيوي النباتي والحيواني وهو تهديد حقيقي للبيئة والطبيعة ومن ثم الحياة، وكذلك سينعكس سلباً على جمال الطبيعة والسياحة فيما بعد لذلك ماحدث هو كارثة بيئية وإنسانية واقتصادية بكل مالهذه الكلمة من معنى فقد طالت البشر والشجر والحجر

التشاركية المؤسساتية والمجتمعية
وحول ما يجب فعله يؤكد د. نيصافي أن ما يجب فعله هو تعاون وثيق بين الأهالي والمزارعين والدولة.. أي الوزارات المعنية بهذا الأمر والتعاون بين مختلف الجهات والخبرات للتقييم بشكل موضوعي وعلمي، ووضع الحلول السريعة وذات المدى الطويل والسريعة لمساعدة المتضررين ومساندتهم لتعويض الأضرار، وتخفيف مأساتهم من خلال وضع استراتيجيات إعادة التأهيل والبناء والإنتاج وخطط تفادي تكرار ماحدث للسيطرة والوقاية، ويتم تخفيف الآثار من خلال الدعم المادي المباشر وغير المباشر، ومنها القروض والدعم الزراعي بالمواد والأسمدة والتجهيزات والمستلزمات وغيرها، وتفعيل دور وعمل الوحدات الإرشادية وإدخال دورات زراعية لمنتجات سريعة وبديلة وإعادة تأهيل المناطق المتضررة، وتقييمها على أرض الواقع فهنالك قسم منها تضرر جزئياً، ويمكن أن يعود جزء من هذه الأشجار للحياة.

حصيلة الأضرار الزراعية
أما عن الحصيلة الإجمالية للأضرار الزراعية التي خلّفتها الحرائق في ريف المحافظة فقد أوردها المهندس منذر خيربك مدير زراعة اللاذقية بعد أن أحصتها فرق المديرية على أرض الواقع في القرى المتضررة جراء الحرائق.
وبحسب البيانات التي قدمها خيربك فقد بلغت مساحة الأشجار المثمرة المتضررة جراء الحرائق في مناطق المحافظة 6ر71905 دونماً، وتشكل نسبة 9 بالمئة من مساحة الأشجار المثمرة، وبلغ إجمالي الأشجار المثمرة المتضررة 1455623 شجرة، منها 233142 حمضيات و1219196 شجرة وتشكّل نسبة 6ر6 بالمئة من مجموع الأشجار المثمرة الكلي بالمحافظة البالغ /22150000/.
وفي قطاع الثروة الحيوانية بلغ عدد الأبقار النافقة 65 بقرة، وتشكل نسبة 16ر0 بالمئة من عدد الأبقار الكلي البالغ عددها 39720 بقرة، فيما بلغ عدد خلايا النحل المتضررة 6799 خلية بنسبة 8 بالمئة من العدد الإجمالي لخلايا النحل في المحافظة والبالغة 84025.

حلول مقترحة

أما أهم المقترحات لتخفيف آثار الأضرار الناجمة عن الحرائق التي جرى طرحها على مستوى محافظة اللاذقية فإنها تشمل منح تعويض كامل عن قيمة المحصول المتضرر في المواقع المحروقة وتقديم غراس مجانية بدلاً من الأشجار الميتة وتقديم بذار وشتول تحميلية شتوية، وصيفية وتقديم مستلزمات الإنتاج من أسمدة وشبكات ري وغيرها للمواقع المتضررة، وتقديم سلل غذائية على مدار العام وتعويض متضرري الثروة الحيوانية، إضافة إلى وضع التعليمات الفنية والإجراءات الواجب اتخاذها في المواقع المحروقة من قبل وزارة الزراعة، وعقد ندوات حوارية توعوية حول هذه التعليمات في المناطق.

مروان حويجة