صحيفة البعثمحليات

قصص من فوق الرماد.. وزيارة تطفئ نار القلوب 

دمشق – فداء شاهين

لم تُبقِ ألسنة النار أشجار الصنوبر والليمون والزيتون على قيد الحياة، فقتلتها جميعاً، حتى الطيور والحيوانات البرية فرّت هاربة، ولكن الصخور القاسية صمدت كصمود المواطنين الذين استبسلوا في محاولة إنقاذها، لتشتعل نار أخرى في قلوب ونفوس أهالي القرى الذين عايشوا هذه الأشجار وأصبحت جزءاً منهم، وكانت في بعض الأوقات محطات استراحة لعناصر الجيش العربي السوري وشاهدة على انتصاراته التي حقّقها على الإرهابيين، ولتبقى عالقة بالأذهان مهما مرّت السنين.

وعلى الرغم من الحزن، إلا أن هناك أشياء مبشّرة أيضاً حملها صباح الأيام الأخيرة لهدوء النار، إذ كانت زيارة السيد الرئيس الصباحية هي العزاء الأكبر لقلوب أهالي القرى الذين استمدوا قوتهم وتفاؤلهم من هذه الزيارة التي دفعت بقسم كبير منهم إلى التحدث عن الخسائر، وقسم آخر نسي الحريق وفضّل فتح أحاديث أخرى، لتبلسم كلمات السيد الرئيس جراح من قابله ومن سمع بزيارته ومن شاهد ذلك على الشاشات بقوله: “قلوب السوريين جميعاً معكم، لكننا هنا لندعمكم بالمحنة التي مررتم بها، لكي تبقوا -كما كنتم- أباً عن جد مرتبطين بهذه الأرض صامدين بها، مدافعين عنها”.

وبالعودة إلى قصص المواطنين، لم يكمل بشير حسن سلهب قطاف حبات أشجار الزيتون في وادي قنديل بريف اللاذقية، بل ترك خلفه ما قطفه وزوادته وخبزه والكثير من ذكريات الشقاء واللحظات الجميلة التي قضاها مع شقيقيه الشهيدين، وهو يلتفت وقلبه يحترق ونفسه تتألم من رؤية النار التي تقودها الرياح بسرعة باتجاه بستانيه المزروعين بالزيتون والحمضيات، ولكنه لم يبتعد كثيراً فوقف يشاهد فتات أشجاره وذكرياته تحملها الرياح إلى فوق الشاطئ الهادئ.

ولا تختلف حال المواطن شوكت سليمان من بلوران عن غيره، فهو كذلك خسر أشجار الزيتون والحمضيات، وأصبحت أرضه كما يصفها “منطقة أشباح سوداء”، حيث خسر شبكات الري الطويلة التي كان يستجر عبرها المياه من مناطق بعيدة ليحيي بها أشجاره فلم يبقَ منها شيء، وبدّدت زيارة قائد الوطن رياح الحزن عند عائلة سليمان التي سارعت كغيرها إلى احتضانه والتحدث إليه.

ومع كبر المصاب وشدة الألم استغرب الأهالي من طريقة تعاطي وتعامل مسؤول الحراج الذي بدأ يرفع صوته بوجههم، خاصة وأن التقصير حصل من قبل كادر الحراج لعدم ترميم الطرق الزراعية التي شقت آخر طريق منها منذ عشر سنوات، ولو كانت هنا طرق لما كانت النيران بتلك الشدة، لتأتي زيارة السيد الرئيس وتقلب الموازين وتبثّ الاطمئنان والأمان وتحرك المسؤولين إلى المنطقة، ولاسيما أنه في الحرائق السابقة لم يشاهد الأهالي أي مسؤول يواسي الفلاح أو يقدّم له معونة أو تعويضاً.