ثقافةصحيفة البعث

معرض لينا ديب وندوة حول تجربتها في مركز صبحي شعيب في حمص

انتهى معرض التشكيلية لينا ديب، الذي أُقيم في صالة مركز صبحي شعيب للفنون التشكيلية، بدعوة من فرع حمص لاتحاد الفنانين التشكيليين.

ورافقت المعرض ندوة حوارية حول تجربة الفنانة المتخصّصة بفن الحفر “الغرافيك”، هذا الفن القائم على البحث في عوالم الطباعة وتنفيذ اللوحة بعدد من النسخ عبر كليشة معدّة مسبقاً على خامات متنوّعة مثل المعدن والخشب والينيليوم وغيرها من الخامات التي تحتمل مرتسمات غائرة أو نافرة، ومن ثم يمرّر عليها حبر الطباعة أو اللون ليصار إلى تنفيذ عدد محدّد من النسخ على الورق والكرتون أو القماش، كما يمكن تنفيذ لوحة بنسخة واحدة ويعرف “بالمينوتيب” أو أعمال التيبو غراف.

وتجتهد الحفارة لينا ديب في اكتشاف إمكانيات جديدة متاحة في هذا المجال الغرافيكي من خلال تجريب خامات ومواد صباغية جديدة، وصولاً إلى صياغات تشكيلية جديدة قادرة على حملها هذه الخبرة التقنية، فللفنانة شخصيتها الدؤوبة والمجتهدة الواضحة كحفارة تخرّجت من محترفات كلية الفنون الجميلة بدمشق، والحائزة على درجة الماجستير في اختصاصها، وقد قدّمت بحثها الأكاديمي حول المرأة في الفن عبر التاريخ مستطلعة وباحثة في المنجز الإنساني في ميادين النحت والحفر والتصوير الجداري وأعمال الفريسك والجداريات الفنية التاريخية.

هذه الشخصية الفنية لها ما يميّزها أيضاً على مستوى مختبرها التقني في المرسم فقد اشتغلت المحفورة الغرافيكية التقليدية واستخلصت منها ما يمكن تطويره ويعاصر الواقع والمتاح منه، وصولاً لتحقيق ذات الفنان المشغول بتطوير مفردات عمله وأدواته واستيعاب ما يمكن أن يخدم مشاغله الفنية، فقد استخلصت موقعاً جديداً يلتقي فيه المصور والحفار على سطح واحد وربما اختلفت الآراء حول ذلك التمازج الأسلوبي، إلا أن النتائج المحقّقة في تجربة لينا ديب ومن سبقها من الفنانين جعلت من الأمر ممكناً بحكم أن المدارس الفنية لم تعد قيداً يحدّ من حرية الفنان ويضعه في قالب لا مغادرة منه، إلا أن المعروف أن شغف الفنان الحفار وهواجسه التقنية والفكرية لن تجعل منه أسيراً للمتفق عليه والثابت، بل إن فكرة التعبير بحدّ ذاتها تجعل من الضرورة اجتراح حلول جديدة وصولاً إلى حامل مكافئ للفكر والموضوع المراد التعبير عنه وبلوغه.

وفي هذا السياق لا بد من ذكر تجارب عدد من الفنانين السوريين الذين قاربوا هذه الأساليب والتقنيات كما استخلصوا نتيجة اللوحة الواحدة المنفّذة بفهم فلسفة فن الحفر، كتجربة الفنان الدكتور علي سليم الخالد واستخدامه الحوسبة في صناعة اللوحة المطبوعة وسمّاها تقنية كمبيو غراف، والفنان الدكتور عبد الكريم فرج واستخدامه الأقمشة وفن الكولاج القماشي مع إضافة صباغية محدّدة وتنفير السطح وتقريبه من مزاج التصوير التجريدي، والفنان وليد الآغا صاحب التجربة الحروفية والطباعية الذي استخدم الكليشات المسبقة الصنع مستفيداً من تبصيمات تحدثها الكليشة على السطح التصويري،كذلك الفنان الراحل محمد الوهيبي صاحب التجربة الفريدة في فن الحفر الذي نفّذ مئات اللوحات بنسخها الوحيدة، سواء باستخدام أداة النقش الحادة على السطح أو تنفيذ اللوحة المحفورة على السطح القماشي بلغة تشكيلية وتقنية فنية خاصة به، وأيضاً الفنان الراحل مصطفى فتحي صاحب التجربة الفريدة في التشكيل السوري الذي استخدم تقنية تطبيع الأقمشة بأختام مصنّعة يدوياً واستخدام مواد مثبتة خاصة مستفيداً من خبرات مهنية عريقة في صباغة وطباعة الأقمشة.

ما سبق ذكره استفادت منه الفنانة لينا ديب، وتوجّهت نحو تأليف خاص بلوحتها على صعيد التقنية والموضوع، حيث اشتغلت على العناصر التاريخية من رقيمات ورموز وعمارة وصور للآلهة السورية عبر حضارتنا، ووظفتها في اللوحة مستثمرة ذلك في طرح مشروعها الثقافي كامرأة سورية ترسم بحب وتدافع عن كينونتها كأم ووطن صغير ينتمي إلى عائلة جميلة ولاّدة للخير والجمال.

معرض لينا ديب الذي ضمّ أكثر من أربعين لوحة، والندوة التي عُقدت على هامشه بحضور عدد من فناني حمص، إضافة مهمة لليوميات الثقافية الحمصية حسب تعبير بعض الفنانين الذين رحبوا بنتائج المعرض كونه يحمل جديداً في مجال فن الحفر الذي يشتغل فيه عدد محدود من الفنانين السوريين. كما حمل المعرض مؤشرات طيبة حول توجّه فناني المحافظات نحو مدن بعضهم وإقامة المعارض الفردية هناك، ما يساهم في كسر احتكار العاصمة والمركز للفن التشكيلي والمعارض الفردية المهمّة.

أكسم طلاع