مجلة البعث الأسبوعية

ناغورني كاراباغ.. الجرح النازف

“البعث الأسبوعية” ــ عُلا أحمد

عادت إلى الواجهة السياسية مشكلة الصراع الأرمني الأذربيجاني، حيث اندلعت مواجهات عسكرية بين أرمينيا وأذربيجان عبر وابلٍ من القصف المدفعي تخللها نشر للدروع الثقيلة على طول خط التماس الفاصل بين الدولتين حول إقليم ناغورني كاراباغ، والذي سرعان ما تحول إلى صراع عسكري محتدم بين الدولتين.. مشكلة ناغورني كاراباغ أو “آرتساخ” الأرمنية هي تاريخ شعب اغتصبت حقوقه التاريخية قسرياً في عشرينيات القرن الماضي لخلفيات سياسية وجغرافية واقتصادية، بعد اتخاذ قرار بشأن ضم هذا الإقليم الأرمني مع تراثه وحضارته إلى جمهورية أذربيجان، بحيث يتمتع بحكم ذاتي، بأوامر من ستالين، في الخامس من تموز 1920، لإرضاء قيادة أذربيجان السوفييتية.

هذه القضية التي تحمل في طياتها صراعاً قديماً جديداً، كان الدكتور البروفيسور في العلوم التاريخية آرشاك بولاديان، قد سلط الضوء عليها في كتاب حمل عنوان “قضية ناغورني كاراباغ الجرح النازف” الصادر عن دار الشرق بدمشق للطباعة، عام 2018.

يقدم البروفيسور في البداية لمحة تاريخية عن إقليم آرتساخ الذي يقع في الجزء الشرقي من مرتفعات أرمينيا، من حيث الموقع الجغرافي والتاريخي والسياسي، ويتناول في الفصل الثاني، الذي حمل عنوان “ظهور العنصر التركي في الشرق الأوسط ودوره السلبي بالنسبة لأرمينيا”، الغزوات التي تعرضت لها آرتساخ من قبل الأتراك السلاجقة والتتار المغول، والتي فرضت واقعاً جديداً لهذا الإقليم أدى لاتحاد خمس ممالك (ديزاك، غيوليستان، جرابيرد، خاتشين، فاراندا) في وحدة سياسية إدارية أصبحت معروفة في تاريخ آرتساخ باسم الممالك الخمس، وشكلت تحالفاً عسكرياً للدفاع عن نفسها من هجمات الأتراك والفرس، ثم أصبحت وحدة إدارية جديدة هي كاراباغ.

بعد نهاية الحروب بين القيصرية الروسية وإيران الشاهنشاهية، انتقلت كاراباغ – آرتساخ، إضافة إلى ولايات أرمينيا الشمالية الشرقية الأخرى، إلى سيطرة روسيا وفق اتفاق صلح كوليستان، في عام 1813، المبرم بين الطرفين.. هذا ما تابع به البروفيسور آرشاك بولاديان في فصل “آرتساخ في حضن القيصرية الروسية”؛ ففي عام 1840، وبعد التقسيم الإداري في منطقة القوقاز الخاضعة للقيصرية الروسية، انضمت كاراباغ إلى مقاطعة قزوين، وفيما بعد إلى مقاطعة يليزا فيتابول، حسب إصلاحات عام 1867، وبقي الوضع على حاله حتى الحرب العالمية الأولى.

يعود الجدال حول كاراباغ، إلى ما بعد انطلاق ثورة أكتوبر في عام 1917، وانهيار الإمبراطورية الروسية، وانسحابها من الحرب العالمية الأولى، حيث الاعتراف بحق تقرير مصير للشعوب التابعة لروسيا السوفييتية من خلال سياسة “العقيدة الوطنية” التي أطلقها لينين قائد الثورة البلشفية؛ إذ يشير فصل “آرتساخ بعد ثورة أكتوبر البلشفية” إلى إعلان كلّ من أرمينيا وأذربيجان وجورجيا استقلالها، ومسارعة أذربيجان بالإعلان عن حقها في السيطرة على إقليم آرتساخ بالقوة العسكرية، وطبعاً بدعم تركي. ويتناول المؤلف التطورات السياسية التي جرت من خلال إبرام معاهدات واتفاقات وقرارات والتراجع عنها وإعادة النظر فيها، إلى أن وصل الأمر إلى سلخ إقليم كاراباخ وإبقائها في إطار أذربيجان ومنحها حكما ذاتياً ضمن حدود المقاطعة ذاتية الحكم.

استعرض المؤلف تفاصيل سياسة التمييز العنصري ضد الأرمن من خلال عمليات العنف وتنظيم عمليات التصفية العرقية والتهجير بحق الأرمن على أراضي أذربيجان، ومانتج عنها من مذبحة سومغاييت، عام 1988، وصولاً إلى تفاصيل إعلان استقلال كاراباخ في أيلول 1991 وماتبعها من حرب مناهضة للأرمن، وعمليات المفاوضات والتسوية السلمية عام 1992، وبدء المفاوضات في إطار عملية مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي.