دراساتصحيفة البعث

أمريكا تتحدّى العالم على الملأ

إعداد: عائدة أسعد

أظهر الرئيس الأمريكي ليس فقط هوسه بالأحادية ولكن أيضاً ازدراءه للمنظمة العالمية، وذلك من خلال معارضته للدعوة إلى تعزيز التعدّدية التي أطلقها زعماء العالم في الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة.

لقد تحرّكت واشنطن لإعادة فرض مجموعة من العقوبات على إيران باسم الأمم المتحدة، مدعيةً أن لديها السلطة للقيام بذلك بصفتها أحد الموقعين الأصليين على خطة العمل الشاملة المشتركة أو الاتفاق النووي الإيراني، لكن في الواقع وقّع الرئيس الأمريكي على أمر تنفيذي لمعاقبة المتورّطين في صفقات أسلحة مع إيران، وهدّد وزير الخارجية مايك بومبيو بمطاردة الدول التي لا تلتزم بالخط الأمريكي.

اتخذت الولايات المتحدة هذه الخطوة على الرغم من انسحابها من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018، واتفاق معظم أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على أنه لا يحقّ لواشنطن التصرف ضد طهران بعد الانسحاب من الاتفاق. وعليه أصدرت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة بياناً مشتركاً قالت فيه إن الخطوة الأمريكية غير قانونية، وأرسلوا رسالة إلى مجلس الأمن الدولي يطعنون فيها بحق الولايات المتحدة في إعادة فرض عقوبات أحادية الجانب على إيران باسم الأمم المتحدة. بدوره قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: “إنه بالنظر إلى الغموض القانوني المحيط بالمطالبة الأمريكية، لم يكن من الممكن للأمم المتحدة إعادة فرض عقوبات على إيران”.

إن اختيار الولايات المتحدة لتحدي الأمم المتحدة والمجتمع العالمي والعمل بمفردها من خلال إساءة استخدام قوتها الاقتصادية والمالية ليس بالأمر الجديد، لكن من خلال القيام بذلك تكون قد فضحت محاولتها لاختطاف المجتمع العالمي. وعلى الرغم من كونها عضواً دائماً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أصبحت الولايات المتحدة قوة مدمّرة للتعدّدية والقانون والأعراف الدولية والمنظمات العالمية.

وإلى جانب الاتفاق النووي الإيراني انسحبت الولايات المتحدة من اتفاقية باريس التاريخية، ومنظمة الصحة العالمية، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، وذلك على سبيل المثال لا الحصر، لذلك من الضروري أن يقف المجتمع الدولي متضامناً مع الأمم المتحدة ضد تكتيكات الولايات المتحدة القهرية والبلطجية.

لقد رفضت الولايات المتحدة دعم الدعوة التي أطلقها غوتيريش في 23 آذار الماضي لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء العالم للتركيز معاً على المعركة الحقيقية – هزيمة كوفيد-19، علماً أن 180 دولة عضو في الأمم المتحدة أيّدت الدعوة والتي كُررت في بداية الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الفائت. وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، هاجم الرئيس الأمريكي الصين ومنظمة الصحة العالمية، وألقى باللوم عليهما في انتشار فيروس كورونا مستخدماً الأكاذيب والحديث عن “أمريكا أولاً” وليس التعدّدية!.

حاول ترامب بلا خجل تبرير انسحاب الولايات المتحدة من العديد من المنظمات والمعاهدات الدولية واغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، وهو ما ندّدت به المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة أغنيس كالامارد قائلة إنه انتهاك صارخ للقانون الدولي وسابقة سيئة. ولا عجب في أن الكاتب والصحفي الأمريكي فريد كابلان وصف خطاب الرئيس الأمريكي بأنه “سبع دقائق من الهراء” في مقالته على موقع Slate.com.

إن معظم الناس في العالم يدركون جيداً أن ترامب يلعب ألعاب إلقاء اللوم ويدّعي نجاحاً كبيراً في الوقاية من COVID-19 والسيطرة عليه. ووفقاً لمسح أجراه مركز بيو في 15 أيلول الماضي وسط 13 دولة حليفة للولايات المتحدة ومعظمها في أوروبا، قال 15 بالمائة فقط من المستطلعين إن الولايات المتحدة قامت بعمل جيد في الاستجابة للوباء، بينما كان لدى 34٪ وجهة نظر إيجابية تجاه الولايات المتحدة و16٪ فقط يثقون برئيس الولايات المتحدة.

ما تجدرُ الإشارة إليه أنه على الرغم من أن العديد من زعماء العالم أعربوا عن مخاوفهم بشأن حرب باردة جديدة، وانقسام عالمي بسبب التنافس بين الولايات المتحدة والصين، إلا أن الأخيرة تعارض أي حرب باردة جديدة أو حرب تجارية أو حرب تكنولوجية، ويبدو أن الساسة في واشنطن هم المهووسون بمثل هذه الأعمال العدائية التي تهدّد السلام والاستقرار في العالم برمته.