مجلة البعث الأسبوعية

“أرسم حلمي” مشروع حياة هيام سلمان تبحث بين قصاصات قماش عن عوالم سحرية لم تكتشف بعد!

“البعث الأسبوعية” ــ لينا أحمد نبيعة

صنعت لنفسها عالماً من الفن خاصاً بها، بصمتها تميزها عن آلاف البصمات في تاريخ الفن التشكيلي، من بقايا أرواحنا الملونة بشتى أنواع الوجع والفرح، صنعت “هيامنا” لوحاتها الفريدة الجمال، تميزت بفن “الكولاج”، حيث طعّمت قماش لوحاتها بعبق روحها المليئة بالحياة.. إنها الفنانة التشكيلية هيام سلمان صاحبة مشروعها الإنساني والفني “أرسم حلمي”، يضيق بنا وبها التعريف عنها في بعض سطور، فتقول: هيام سلمان فنانة تشكيلية، عضو اتحاد الفنانين التشكيلين في سورية، عضو مؤسس في جمعية “أرسم حلمي” الفنية، أقمت العديد من المعارض الفردية والثنائية والجماعية، لدي تجربتي الخاصة بالرسم وهي استخدام بقايا القماش الملون.

 

مشروع حياة

تؤكد هيام دائماً أن “جمعية أرسم حلمي الفنية”، بالنسبة لها، مشروع حياة غايته الأساسية تلبية احتياجات مجتمعية غاب – وربما غُيّب – فيها دور الفن في مدارسنا بمراحله المختلفة، لأسباب من الصعب ذكرها الآن. وأكثر ما كان – وما زال – يحز في نفسي هو استبدال حصص الرسم بحصص دراسية أخرى.. في “أرسم حلمي”، حاولنا التركيز على أهمية الفن في المراحل العمرية المختلفة، وفي المرتبة الأولى الأطفال. ولا شك أن الفن هو أرقى الطرق للتعبير الإنساني، لهذا توجهت الجمعية، بدوراتها وأنشطتها وبرامجها المختلفة، لتنمية مواهب الأطفال ورعايتهم الفنية منذ سنواتهم الأولى وحتى الشباب.

 

الفن لغة عالمية

تابعت الفنانة هيام حديثها: لطالما كان الفن سجلاً هاماً يحكي تاريخ الشعوب وحضاراتها؛ إنه لغة عالمية تستطيع إيصال رسائل تعجز أي لغة أخرى عن إيصالها؛ وفي مجال فنون الأطفال التي ركزت عليها جمعية “أرسم حلمي الفنية”، كان الفن بالنسبة لنا – وما زال – وسيلة متطورة للتعبير عما يدور في حياة أطفالنا، وما يدور حولهم في مجتمعاتهم الصغيرة والكبيرة، وصولاً للعالم كله؛ ولا شك أن للأطفال رموزهم وألوانهم الخاصة بهم كوسيلة تعبيرية مدهشة وقوية، موجهة لعالم الكبار، وفي حال تم تلقيها بشكل صحيح ستكون طريقة جدّ مهمة للولوج إلى عوالم أطفالنا الداخلية الساحرة، بكل ما للسحر من معنى؛ وبهذا المنحى، أصبحت الجمعية مكاناً آمناً ومشجعاً وداعماً لهؤلاء الأطفال، وفسحة للتعبير مليئة بالمحبة يمارسون فيها حريتهم.. يرسمون ويلونون ويلعبون.

 

المعايير والأهداف

أوضحت هيام أن معيار نجاح أي مشروع هو مدى تحقيقه لأهدافه، وبالتالي وصوله لرضا المستفيدين منه، والشرائح المستهدفة، وكسب ثقتهم من خلال تقديم ما يرجون بأعلى مستوى ممكن، وقد اعتمدت جمعية “أرسم حلمي” – باعتبارها جمعية أهلية غير ربحية – مفهوم التطوع كأساس لعملها المجتمعي، حيث يقوم جوهر التطوع على الإيمان بالأهداف بالدرجة الأولى، والسعي لتحقيقها بالدرجة الثانية، وهذا ما عملت الجمعية على تكريسه وتوضيح جوهره، وخاصة لشريحة الشباب، ممثلاً بفريق “أرسم حلمي” التطوعي، حيث أقامت الجمعية مجموعة من الدورات المجانية، من أهم عناوينها “التطوع وأهميته في المجتمع”، و”أساليب تعليم الفنون للأطفال”، و”بناء الفريق”، و”إعداد وتهيئة المشرفين للتعامل مع الطفل”.. إلخ، وكل هذه الدورات، وغيرها، هدفت إلى تمكين فريق الجمعية ليكون فاعلاً ومؤثراً في محيطه، ولا شك أن العطاء المترافق مع المعرفة والإيمان والحب سيترك أثراً راسخاً في محيطه.

 

“حيطانّا بتحكي”!

وعبرت الفنانة هيام بشغف كبير عن حملة “حيطانّا بتحكي” التي كانت واحدة من أهم الأعمال التطوعية التي قام بها فريق “أرسم حلمي” الشبابي، تحت شعار “عملي غالي الثمن لكنني لا أتقاضى عليه أجراً”؛ وإيماناً من هؤلاء الشباب بأهمية الفن وأثره في حياتنا، إضافة إلى دور التطوع في المجتمع، كانت هذه الحملة – بمراحلها الثلاث – فسحة جمال وسط الجو الخانق للحرب وأفعالها السيئة في البشر والحجر.. بدأت الحملة في أول مرحلة في مستوصف بسنادا، ثم انتقلت إلى مستشفى الأطفال والتوليد في اللاذقية، لتزيين أكثر من 30 غرفة من غرف المستشفى، لتتبعها المرحلة الثالثة لأدراج وجدران بلدة بسنادا حيث مقر الجمعية، واعتمدت على التزيين بلوحات عالمية لكبار الفنانين التشكيليين، أمثال” فاسيلي، كاندينسكي، غوستاف، كليمت، فان غوخ، بيكاسو، سلفادور دالي، هنري ماتيس. وهنا، لابد من التنويه إلى أن الحملة بمراحلها الثلاث كانت بتمويل محلي، وفي هذا ترسيخ لمفهوم التشاركية، وتأكيد على دور المؤسسات والأفراد في دعم المجتمع المحلي، وتأكيد على قيمة العطاء والانتماء للوطن.

 

للفن دلالاته الخاصة عند الأطفال

في مجال فنون الأطفال، تضيف هيام: أعتبر أن كل لوحة يرسمها الطفل هي بمثابة تفصيل صغير له رموزه ودلالاته الخاصة التي تعبر عما يجول في ذهن هذا الصغير من أحلام وأفكار ومشاعر ورغبات دفينة؛ أما بالنسبة لنا ككبار فهي رحلة شيقة وممتعة، هدفها الوصول إلى الجانب الخفي عند الأطفال.. هي رحلة لا تتكرر ولا تتشابه، لأن لكل طفل رموزه الخاصة وطريقته المميزة بالتعبير عن نفسه.

 

أولاد “أرسم حلمي”

بإصرار الأمهات، تقول هيام سلمان: طبعاً، أولاد “أرسم حلمي” هم أولادي، كيف لا؟! والطفل يأتينا ولم يتجاوز الرابعة من عمره، ليشاركنا كل تفاصيل حياته اليومية من خلال لوحاته الطفولية، ويستمر لسنوات قد تتجاوز الـ 10، أو 15، سنة، حيث يصبح طالباً/ ـةً جامعياً/ ـةً لينضم لفريق الجمعية التطوعي.. إنه ينمو أمامنا جسدياً وعقلياً وعاطفياً، يشاركنا في هذا البيت الآمن، فتصبح العلاقة أكبر من مجرد معلم وطالب.. بلى!! إنهم أولادي.. أولاد “أرسم حلمي”، وتربطنا بهم علاقة أسرية حميمة، يؤثرون بنا، ونؤثر بهم، يكبروا ويختاروا طريقهم، فنجدهم إما في كلية الفنون الجميلة أو كلية العمارة، فيكملوا من بعدنا مسيرة الجمعية في هذا المجال الإبداعي المميز، وبهذا نعلم أن الطريق سيستمر، والفن والجمال لن ينضبا.

 

بقايا القماش ترسم الحب والجمال

تعتبر هيام أن تجربتها باستخدام البقايا القماشية الملونة شبيهة بمن يمر بتجربة حب – لا تزال – مستمرة مع قطع قماش ملونة قد لا تعني الآخر، ولكنها تحمل، بالنسبة لي، مخزوناً هائلاً من الذكريات والرؤى والأحلام، وتحكي حكايات نساء تركن بقايا أثوابهن ورحلن، ولكن حكاياتهن لا تزال تعطر المكان، ومازلت أبحث بين تلك القصاصات عن عوالم لم تكتشف بعد.. هو طريق لا أعلم، أبداً، إلى أين سيقودني، لكنني متأكدة من سعادتي الكبيرة به؛ والتجربة هي ما قادتني للولوج إلى هذا العالم الساحر والغامض، عالم القماش الملون والإبرة والخيط، والذاكرة التي تعج برقع صغيرة جمعتها نساء ريفنا الجميل، لتصنع منها ربما وسادة، أو غطاء، أو “جيابية”، أما المدرسة التي أنتمي إليها – بهذه التجربة – فهي “الحرية”، كما سميتها بعيداً عن أي تسميات أو مصطلحات أخرى.