دراسات

تركيا تستغل تراجع الاتحاد الأوربي

سمر سامي السمارة

بسبب نشاط نظام أردوغان المتزايد في شرق البحر الأبيض المتوسط، و​القوقاز، وحوض البحر الأسود، والانحسار الواضح لدور أوروبا في الشرق الأوسط، تحوّل وبشكل متزايد، ميزان سياسة الاتحاد الأوروبي في العلاقات مع تركيا من محاولات للتأثير على أنقرة إلى معارضة خجولة لسلوكيات نظام أردوغان الراهنة.

يستاء الاتحاد الأوروبي، وخاصة اليونان وقبرص، بشكل علني من سياسة تركيا، بينما تحاول بروكسل إظهار دعمها لهذه البلدان، حيث صرح أعضاء البرلمان الأوروبي بوجوب فرض عقوبات على أنقرة التي “تجاوزت حدود بلادها، وتعدّت على أراضي الدول الأخرى”.

في محاولاتها لجذب الاتحاد الأوروبي إلى جانبها في نزاعاتها مع تركيا، بعثت وزارة خارجية اليونان برسائل إلى وزارات خارجية ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا، مرفقة بطلب لفرض حظر توريد الأسلحة إلى تركيا، كما ناشدت المفوّض الأوروبي لشؤون التوسع وسياسة الجوار “أوليفر فارهيلي” للنظر في إمكانية تعليق اتفاقية الاتحاد الجمركي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.

رداً على ذلك، صرح وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس، عشية رحلته إلى نيقوسيا وأثينا، أن على تركيا التخلي عن الاستفزازات ​​وأن تضع حداً لدوامة الاستفزاز في شرق البحر المتوسط، كما حثّ تركيا على ضمان عدم إحباط الحوار مع اليونان بإجراءات أحادية.

وماذا في ذلك؟ ناقش الاتحاد الأوروبي حظر توريد الأسلحة إلى تركيا لمعاقبتها على انتهاك الحقوق السيادية لليونانيين والقبارصة في شرق البحر المتوسط​​، لكنه فشل في الاتفاق عليه. الجدير ذكره، أنه على الرغم من الخطاب العام السابق لهيكو ماس كانت ألمانيا واحدة من الدول التي عرقلت هذا الاقتراح الذي قدّمته اليونان. وإضافة إلى ألمانيا، تذرّعت إسبانيا وإيطاليا والمجر ومالطا، بـ”الأسباب الاقتصادية والمخاوف من الهجرة غير الشرعية من تركيا”.

دعمت فرنسا والنمسا وسلوفينيا اليونان في هذا الجهد، بينما امتنعت بقية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عن التصويت. ونتيجة لذلك، وضع الاتحاد الأوروبي قيوداً في مناقشة هذه القضية، واكتفى فقط بإعطاء وعود حول اجتماع الاتحاد الأوروبي مرة أخرى في كانون الأول القادم لمناقشة العقوبات المحتملة ضد أنقرة.

وفي مواجهة خلفية ردّ فعل الاتحاد الأوروبي شبه السلبي على مخاوف أثينا، قرّرت اليونان أن تعدّ نفسها لمواجهة المزيد من التصعيد المحتمل مع تركيا، والذي يمكن أن يصل إلى نزاع مسلح، وذلك بزيادة الخدمة العسكرية لمدة عام واحد، والتحضير للمناورات العسكرية، كما أوضح وزير الدفاع الوطني اليوناني “نيكولاوس باناجيوتوبولوس” في 20 تشرين الأول الحالي. وتتضمن خطط أثينا زيادة عدد جنودها المحترفين والتسجيل في المؤسسات التعليمية العسكرية، وذلك بهدف توفير مزيد من القوات على حدودها مع تركيا، كما تقوم أيضاً بالتحضيرات العسكرية في بحر إيجه حيث قواتها المسلحة في حالة تأهب قصوى.

في الوقت نفسه، تخطّط السلطات اليونانية لزيادة طول الجدار على الحدود مع تركيا لأكثر من ثلاثة أضعاف، وإكمال سياج بطول 26 كم تقريباً، وتركيب كاميرات مراقبة إضافية وصفارات إنذار متنقلة لردع المهاجرين غير الشرعيين، والتي ستكلف نحو 63 مليون يورو. كما تخطّط اليونان لإكمال هذا “السياج” بحلول نهاية نيسان من العام المقبل، بهدف وقف انتهاكات المهاجرين الجماعية للحدود من قبل من تركيا، والتي يستخدمها أردوغان كورقة ضغط مباشرة على الاتحاد الأوروبي. وكان أردوغان أعلن أن تركيا فتحت حدودها في شهر نيسان على الاتحاد الأوروبي للاجئين وليس لديها نيّة لإغلاقها إذا تدهورت العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. بعد ذلك، قال وزير الداخلية التركي “سليمان صويلو” إن بلاده فتحت حدودها مع الدول الأوروبية أمام ما يزيد على 100 ألف لاجئ وصلوا إلى إقليم أدرنة الشمالي الغربي، على الحدود مع اليونان.

يبدو أن نظام أردوغان لا يريد أن يحيد عن مسار النفوذ الإقليمي المتزايد في شرق البحر المتوسط​​، وشمال إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب القوقاز باستخدام الوسائل العسكرية. علاوة على ذلك، من الواضح أنه لم يعد يريد الخضوع لوسائل الإقناع الفردية لقادة الاتحاد الأوروبي، ولاسيما ميركل وماكرون. لذلك، يبدو من الواضح الآن، أن المقترحات التي يخطّط الاتحاد الأوروبي تقديمها لأنقرة في مقابل تخفيف حدة التوتر في منطقة شرق البحر المتوسط، والتي تتضمن التوسيع والتحديث المحتمل للاتحاد الجمركي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا ومراجعة اتفاقية اللاجئين، لم تعد كافية.

ليس لدى بروكسل إجابة واحدة واضحة حول الكيفية التي يعتزم بها الاتحاد الأوروبي التعامل مع مزاعم أنقرة بأن تصبح قوة إقليمية في ظل وضع متوتر بشكل متزايد في المنطقة، خاصة وأن لدى بروكسل حالياً قضايا مقلقة بشكل أكبر، تتمثل في إضعاف الوحدة، وفيروس كورونا، وتهديد المهاجرين لفرنسا وألمانيا.

إلى جانب ذلك، رصد نظام أردوغان نقاط ضعف الأوروبيين، وخلافاتهم حول سياستهم الخارجية، و”الخوف” من اللاجئين، كما أنه يرى فراغاً في السلطة سينشأ في المنطقة نظراً لرغبة الولايات المتحدة في الانسحاب من الشرق الأوسط. وهو يحاول الاستفادة من ذلك، عازماً على أن تصبح تركيا قوة إقليمية من خلال وجودها العسكري، الأمر الذي سيزيد من تفاقم سياسته الخارجية. لذلك، فإن علاقات أنقرة مع فرنسا سيئة، كما تدهورت علاقاتها مع ألمانيا، وتجد تركيا أن أولويات الاتحاد الأوروبي غير جذابة والقيم الليبرالية معادية.