دراساتصحيفة البعث

مستقبل النظام السياسي الأمريكي

ريا خوري

الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر جمهورية فيدرالية، تتوزع  المهام والصلاحيات على الرئيس والكونغرس والمحاكم الفيدرالية، تبعاً لما تقرّه نصوص الدستور الامريكي. كذلك تتشارك الحكومة الفيدرالية السيادة مع حكومات الولايات، ومنصب الرئيس هو الأعلى في السلطة التنفيذية، وهو منفصل بصفة رسمية عن السلطتين التشريعية والقضائية، كما يحدد الدستور بنية الحكومة الفيدرالية.

من هنا نستطيع القول: إن السياسة الأمريكية تقف على بعض مظاهر التبديل والتغيير التي قد تطال بنية النظام السياسي الأمريكي، وتضع النموذج الأمريكي محل تساؤل ومناقشة جادة، ولعل من أبرز هذه التبدلات والتغيرات ما يتعلق بالمحكمة العليا ومسألة تعيين المسؤولين في المناصب الهامة. واليوم تبرز قضية تتعلق بالدستور وإمكانية التعديل، هذا التعديل في حد ذاته ليس مشكلة عقيمة، فقد تم منذ كتابة الدستور 27 تعديلاً دستورياً . والمقصود هنا بتحدي التعديل هو الرغبة الجامحة التي أبداها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أثناء جولته الانتخابية في ولاية نيفادا  حيث قال: “سنفوز بولاية نيفادا، وسنفوز بـ 4 سنوات أخرى في البيت الأبيض، وبعد ذلك سنتحلق حول طاولة الانتخابات”.

القصد هنا هو التلويح بتعديل الدستور لفترة رئاسية ثالثة، هذه القضية تذكّر بالرئيس روزفلت، الذي بقي في البيت الأبيض لأربع فترات رئاسية. ما يعني أن هذا الموقف هو الذي سيحدد مستقبل السياسة في الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن حتى الآن لم يدرك ترامب أن من أهم صفات الدستور الأمريكي هو الثبات، أضف إلى ذلك أن تعديل الدستور يحتاج إلى إجراءات شديدة التعقيد، والسمة الأخرى أنه دستور فيدرالي تتوزع فيه السلطة الاتحادية، ولا شيء يخالف الدستور الاتحادي، لا القوانين الاتحادية ولا دساتير الولايات.

هذا المبدأ يرفع من مكانة المحكمة الدستورية العليا، لأن المسؤولية تقع على عاتقها بشأن وظيفة الالتزام  وتنفيذ مبدأ السمو الدستوري، خاصةً أن مواد الدستور الأمريكي مستمد مضمونها من نظريات الفلاسفة الإنكليز بين توماس هوبز  وإدوارد كوك ، وجون لوك، والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو.

كان الكونغرس الأمريكي قد كتب الدستور عام 1774، وجرى اختيار جورج واشنظن كأول رئيس للولايات المتحدة بموجب هذا الدستور. ولضمان استمرارية قوة وتأثير الدستور في النظام السياسي الأمريكي، تم إجراء سبع وعشرين تعديلاً أهمها التعديلات العشرون المسماة بوثيقة الحقوق والتي تم إقرارها بتاريخ الخامس عشر من شهر كانون الأول عام 1791، وجاءت هذه الوثيقة للتوافق بين الفيدراليين أمثال جورج واشنطون  وهاملتون.

من هنا نرى أن الباحث الأمريكي الشهير آرشي براون كان قد أكد في كتابه “خرافة الزعيم القومي: القيادة السياسية في العصر الحديث” أن أكثر وأخطر تدمير للملكية في تاريخ الحكومات هو الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية، من هنا وافق المؤسسون الأوائل وأصروا على أن تكون حكومة الولايات المتحدة الأمريكية جمهورية وليست أرستقراطية أو ملكية. لذا فالدستور لم يترك منصب الرئاسة في الولايات المتحدة من دون معالجة  في حالة فراغ المنصب الرئاسي، فيخلفه نائب الرئيس إلى أن تجري الانتخابات الرئاسية، يبقى احتمال التعديل مفتوحاً، وهذا يمكن أن يتم من خلال ما يقوم به أعضاء الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس، وهذا التحدي الكبير يكون في حال فوز دونالد ترامب بولاية ثانية.