دراساتصحيفة البعث

الانتخابات الأمريكية.. نتيجة لن يتم قبولها

ترجمة وإعداد: إبراهيم أحمد

عن لوموند ديبلوماتيك

في عام 2012 غرّد دونالد ترامب على “تويتر” قائلاً إن “المجمع الانتخابي كارثة على الديمقراطية”، ظناً منه أن المرشح الجمهوري، ميت رومني، سوف يفوز على باراك أوباما في التصويت الشعبي قبل أن يخسر في المجمع الانتخابي، وبالتالي الانتخابات الرئاسية. لكن رومني هزم الاثنين معاً. ولم يكن ترامب يدري أنه هو نفسه سوف يستفيد من هذه “الكارثة على الديمقراطية” التي أتاحت له الوصول إلى البيت الأبيض بفضل 304 ناخبين كبار في مقابل 227 لـ : هيلاري كلينتون التي تفوقت عليه بثلاثة ملايين صوت شعبي. وقبل ذلك، في العام 2000 تحديداً، تفوق المرشح الديمقراطي آل غور، على جورج بوش الابن، بخمسمائة ألف صوت، لكنه هزم بسبب المجمع الانتخابي.

هذا النظام الانتخابي الذي يتجاهل ملايين الأصوات، ويوصل إلى السلطة من لم يستحوذ على الأغلبية الشعبية، هل يمكن وصفه بالديمقراطي؟ وما سبب تميز هذا النظام عن نظرائه في الدول الديمقراطية؟. في عودة إلى الجذور، فإن الآباء المؤسسين عندما وضعوا المادة الثانية من الدستور الأمريكي حرصوا على إقامة توازن بين الولايات الكبرى، والصغرى، بحيث تتمثل كل ولاية في مجلس النواب بحسب عدد سكانها، في حين أنها تتساوى في مجلس الشيوخ بممثلين اثنين، بمعزل عن وزنها الديموغرافي.

هناك ممارسة أخرى تزيد من تعقد النظام الانتخابي، وهي موضع انتقاد دائم، وهي مبدأ “الرابح يحصد كل شيء” السائد منذ عام 1820، رغم عدم ذكره في الدستور. وهو يطبق في 48 ولاية من أصل خمسين، حيث يحصل من يفور بأغلبية أصوات المقترعين على كل أصوات الناخبين الكبار في الولاية. وهكذا، مثلاً فإن الذي يحصل على 50,1% من أصوات المقترعين في الولاية يحصد بذلك 100% من أصوات ناخبيها الكبار. هكذا تمكن ترامب في عام 2016 من الحصول على كل أصوات الناخبين الكبار الـ 16 في ولاية متشيغن بتقدمه بنسبة 0,3% فقط على هيلاري كلينتون، علماً بأن عدد المقترعين وقتها بلغ 4.7 مليون صوت. فقط ولايتان هما نبراسكا، ومين، بقيتا خارج هذا “السيستم”، لكن كل منهما لا تملك سوى ثلاثة ناخبين كبار، ما يحد كثيراً من تأثيرهما. هذا النظام يمكن إصلاحه بقليل من الإرادة والاتفاق، حتى أن عراب الدستور الأمريكي الرئيس جيمس ماديسون دعا إلى إلغائه في عام 1823 معتبراً أنه لا يعكس حقيقة التنوع السياسي للناخبين، ما حدا بالرئيس كارتر إلى القول في عام 2001: “بعد 200 سنة سوف يكون لدينا هذا المجمع الانتخابي”، فالنظام الانتخابي الأمريكي يخلق جمهورية، وليس ديمقراطية، بالضرورة.

هل هو فقط نتاج لمناخ سياسي مشتعل؟ . مهما كان الأمر، لا أحد تقريبا يتصوّر أن نتيجة الانتخابات الرئاسية ستكون مقبولة لدى المعسكرين. بغض النظر عما سيحدث يوم الثلاثاء 3 تشرين الثاني، سيرد عدد كبير من الديمقراطيين إذا هزموا إلى روسيا أو إلى الصين، أو بشكل معقول، إلى الحرمان من المشاركة في التصويت الذي مازال يسلطه حكام جمهوريون، مثل حاكم فلوريدا، على من صدرت ضدهم أحكام – وهم في الغالب فقراء ومن أصول أفريقية وأمريكية لاتينية، وبالتالي يفترض أن يكونوا ناخبين ديمقراطيين – وذلك رغم انقضاء مدّة طويلة على قضائهم العقوبة المسلّطة عليهم. أما دونالد ترامب فموقفه جاهز: هو لن يخسر الانتخاب إلّا في حالة وقوع تزوير. لقد صرّح يوم 24 آب الماضي قائلاً “إنّ الوسيلة الوحيدة التي تسمح لهم بالفوز علينا هي إجراء انتخابات مزوّرة”. غير أنه يرى أن الوسيلة المستخدمة لذلك جاهزة من الآن وهي الانتخاب بالمراسلة الذي سيؤدي التوسع في استعماله بسبب أزمة كورونا إلى الانفجار.

في الولايات المتحدة الأمريكية، تتولّى كل ولاية تحديد جملة من قواعد التصويت، ومن ضمنها ترك الحرية للناخب في اختيار هذه الطريقة في التصويت أو تلك، وفي حدود هذا التاريخ أو ذاك. في ولاية “بنسلفانيا”، وهي ولاية ظلت في الأعم الأغلب غير واضحة التوجه (ولاية متغيرة)، يمكن للناخب أن يطلب بطاقة اقتراع عن طريق المراسلة إلى حدود يوم 27 تشرين الأول، على أن تصل البطاقة إلى مكتب الاقتراع التابعة له قبل الساعة الثامنة مساء من يوم الثلاثاء الذي هو موعد إجراء الانتخاب، وهذا أجل قصير جداً، خاصة إذا كانت مصالح البريد لا تشتغل بشكل جيد. في ولاية مينيسوتا، يمكن للناخب أن يطالب ببطاقة اقتراع عن طريق البريد إلى حدود اليوم السابق لموعد الاقتراع. في ولايات أخرى، تتم العملية بأساليب أخرى ويمكن أن تُدخل عليها تغييرات قبل حلول موعد 3 تشرين الثاني. لذلك، ستكون مخاطر الصدام خلال الانتخاب الوطني ضخمة، خاصة إذا كان التشكيك قد سمم بعد الأجواء. نتذكر عملية احتساب أوراق الاقتراع الطويلة بفلوريدا خلال انتخابات تشرين الثاني من سنة 2000 التي أفضت إلى فوز جورج بوش الابن.

تبدو المعادلة السياسية بسيطة وهي تفسر بدقة إستراتيجية التشكيك التي ينتهجها الرئيس المنتهية ولايته، ذلك أن 58 % من الأمريكيين الذين يخططون للتنقل يوم 3 تشرين الثاني يبدون ميالين إلى التصويت لترامب، ولكن 75% ممن يفضلون الانتخاب عن طريق البريد اختاروا منافسه جو بايدن، الأمر الذي يعني أنه من الوارد جداً ليلة الاقتراع أن تقدم عمليات الفرز الأولى الأسبقية للمترشح الجمهوري ويحصل لدى مناصريه الإحساس بالنصر، قبل أن يأتي فرز عشرات الملايين من البطاقات الواصلة عن طريق المراسلة (وقد سبق أن بلغ عددها 33 مليونا سنة 2016) فيعكس النتيجة. إلا أنه من بين العيوب الكبيرة التي تنسب إلى ترامب عيب لا يرقى إليه الشك وهو أنه خاسر سيء للغاية، علاوة على كونه مفتون بنفسه. نتيجة لذلك، من المرجح جداً أنه، إذا ما هزم بطريقة شرعية ولكن بفضل الانتخابات بالمراسلة، التي سبق له أن بين أنها مزورة سلفاً، سيلجأ إلى الطعن في هذا الحكم. هل يبلغ ذلك حدّ رفض تسليم سلطاته إلى من سيهزمه؟.

لقد أطلق مستشاره السابق ستيف بانون حملة وطنية موضوعها “المؤامرة من أجل سرقة 2020″، وحدد لها من ضمن من تستهدفهم كلاً من تويتر وفيسبوك، اللذين سيمتنعان، حسب زعمه، عن الإعلان عن النتيجة ليلة الاقتراع، وسينتظران الفراغ من فرز بطاقات الاقتراع بالمراسلة للإعلان عن النتيجة.