صحيفة البعثمحليات

التأهيل المهني ضحية برامج التدريب الممولة.. والفرص “ضائعة”!

دمشق – ميس خليل

تنامت في السنوات الأخيرة برامج التدريب المهني بشكل لافت، بسبب المنافسة على مصادر التمويل المغرية المقدّمة من المنظمات الدولية، هذه المنافسة التي تعدّت المنظمات المدنية لتشمل القطاع العام بهيئاته ووزاراته، إذ بتنا نسمع عن جهة تنفذ برنامجاً تدريبياً عن الريادة، وأخرى عن القيادة والبرمجة العصبية وكتابة السيرة الذاتية..  وغيرها من العناوين الجذابة، التي تستثير شهية الشباب اللاهث وراء فرصة عمل، فيسارع للانخراط في هذه البرامج، ولكن هل تساءلنا يوماً عن عدد المتدرّبين الذين دخلوا سوق العمل نتيجة هذه البرامج، مقارنة بالآلاف الذين تمّ تدريبهم، وكم كانت كلفة فرصة التدريب لكل شاب، وكم كانت كلفة كل فرصة عمل تحققت من هذه البرامج على قلتها؟

لؤي “خريج معهد صناعات تطبيقية”، وهو أحد الشباب ممن خضعوا لدورة تدريبية  تحدث عن كواليس ما يحصل في تلك الدورات، مؤكداً أن إحدى المنظمات الدولية تبنّت برنامجاً تدريبياً كلّف مئات الآلاف من الدولارات، وفي إحدى المراجعات لتلك المنظمة تبيّن أن نسبة الذين حصلوا على فرص العمل لا تتعدى 8% من إجمالي المتدربين، وأن سبب الإقبال على التدريب البدل النقدي اليومي المخصّص للمتدرب وليس التدريب بحدّ ذاته، وكان القائمون على المشروع يرفعون أعداد المستفيدين لإرضاء الإدارات الأعلى والجهات المانحة!. في مشروع آخر تمّ تجهيز مركز تدريبي لإحدى الجهات، بهدف التدريب على عدد من المهن كالتطريز والخياطة.. وما شابه، وتمّ تدريب مجموعة من السيدات من باب الخجل لتشغيل المشروع، وبعدها أُقفل المركز بتجهيزاته التي كلفت الملايين.

أين المشكلة؟

يوضح الخبير في مجال الحماية الاجتماعية ماهر رزق لـ”البعث” أنه بالعودة إلى جذر المشكلة نعلم جميعاً أن من البديهيات لكل حكومة في العالم السعي وراء معادلة المواءمة بين مخرجات التعليم ومدخلات سوق العمل، والهدف المباشر والظاهر لهذه المعادلة تسهيل وتسريع دخول طالبي العمل والباحثين عنه إلى سوق العمل، ولكن قد يكون الهدف الأهم تعزيز الاندماج الاجتماعي للشباب بطاقاتهم وحيويتهم، وإبعادهم عن المحاذير، مشيراً إلى أنه فيما يخصّ التأهيل المهني لدينا مشكلة قديمة جديدة بأننا لا نملك جهة مرجعية تهتمّ بهذا القطاع.

كما يشير رزق إلى أنه من الناحية التقنية دخول سوق العمل يحتاج إلى ركيزتين لدى الباحث عن العمل، الأولى امتلاك المعارف النظرية وهي محصلة عملية التعليم، والركيزة الثانية امتلاكه المهارات العملية وهي محصلة التدريب المهني.

مسؤولية مشتركة

بالنسبة لعملية التعليم تقع المسؤولية المباشرة -بحسب رزق- على وزارتي التربية والتعليم العالي مع أدوار أقل لباقي الوزارات، فعملية التدريب المهني تتصف بتعدّد الجهات المسؤولة، مع غياب التنسيق بحدوده الدنيا بين هذه الجهات المتعدّدة، فوزارة التربية مسؤولة عن المدارس الصناعية والتجارية وترخيص مراكز التدريب الخاصة، وفي الوقت نفسه تخضع المراكز المرخصة سابقاً لإشراف وزارة الصناعة من خلال الجمعية الحرفية للمعاهد المهنية، وهناك مراكز ومدارس تأهيل مهني تتبع وزارات الإسكان والصناعة والسياحة.. وغيرها، لكن دون وجود “قائد” لهذا القطاع.

وأكد رزق أن وزارة العمل، المسؤولة في كل دول العالم عن سياسات التدريب المهني، لا تمتلك أي دور محوري أو مباشر في إدارة هذا القطاع، على الرغم من أن قانون العمل في القطاع الخاص أفرد فصولاً لتحديد المهارات المهنية والتدرّج المهني ومسؤوليات أصحاب العمل عن إنشاء آليات وبرامج تدريب في منشآتهم، مشيراً إلى أن هذا الموضوع هو خلل قديم يحتاج إلى حوار حكومي بين الوزارات ذات الصلة والمنظمات المدنية للوصول إلى رؤية وطنية لقطاع التدريب المهني، والمطلوب حالياً من المسؤولين عن برامج التدريب المهني العودة للأسئلة التقليدية قبل تصميم وتنفيذ أي برنامج تدريبي وهي: لماذا ندرّب، من ندرّب، كيف ندرّب، ومتى وأين ندرّب؟.