ثقافةصحيفة البعث

أحمد برهو يملأ الحياة بالألوان الهادئة

نشأ وتربى أحمد برهو في حي شعبي هو حي الأشرفية في حلب، هو فنان تجريدي، هكذا بدأ حياته، وعندما وعى أنه فنان، أحس منذ الصف الأول الابتدائي أنه يتميّز عن سائر أقرانه، كانت تشده المكتبة، وأقلام الفلوماستر الموضوعة على واجهتها، وكان يندهش كل يوم عندما يراها، وقد احتال على والدته حتى اشترتها له، فراح يرسم ويلوّن، انقلبت حياته إلى ألوان، وراح يملؤها بالألوان الصاخبة حيناً، والهادئة أحياناً، طفل يلوّن العالم، كان يبتسم كلما انتهى من تلوين شيء، وعندما عادت أمه من سوق الخضار، وجدت البيت كله قد أصبح ألواناً، فابتسمت له هي الأخرى، وعرف من يومها قيمة الألوان في حياته، لكن أحمد عندما انتسب إلى مركز الفنان فتحي محمد عرف أن للألوان وظيفتها، ومنذ ذلك اليوم اشترى ألواناً زيتية، صينية الأصل، وبدأ المشروع الاحترافي، وسيطرت عليه فكرة التجريد، فبقي يعمل بها بصمت وإدهاش.

مرة، بعد أن أنهى معرضه في صالة النقطة التي تخص الفنان سعد يكن، ذهب إلى دمشق وأقام معرضاً فيها، وباع أولى اللوحات، وعاد فرحاً إلى حلب، يومها قالت له الوالدة التي ترفل في أميتها: “يا بني ليس المهم أنك بعت لوحاتك، اسأل نفسك أنت ماذا فعلت”؟.

عام 1985 غادر أحمد برهو إلى دمشق ليدرس في كلية الفنون الجميلة، وعاد منها بعد أربع سنوات، وقد أصبح فناناً بامتياز، كان مندهشاً بمقولة الفنان الهولندي “فير ميير”: “إن الفراغ المحيط بالشخص يعطينا طريقة التفكير، وبنية نفسية، إنه يعطينا علاقتنا بالوجود وهذا هو التجريد”.

بدأ الفنان أحمد برهو يلعب بالألوان وتبايناتها، ويوزّع ألوانه بالسكين، يعتمد على إيحاءات اللون وتداعياته، وهذا قد يفتح أمامه نوافذ الروح وغموض الحالات الإنسانية ودلالاتها، وتبرز الذاكرة المنسية والأفكار التي تكون قلقة أحياناً، ومسيطراً عليها حيناً آخر، ودون مقدّمات تظهر في مكان، وتغيب في دهاليز اللون، فتجدها تهرب من ذلك المخزون المعرفي والثقافي، والتراكم البصري لتشغل فراغاً يعبّر عنه الفنان بالتجريد، حيث لا حدود للأفكار، ولا حضور مباشراً لها أحياناً في اللوحة، إنه التجريد وكفى، ويأخذه الفن أحياناً إلى حافة الهاوية إلى الجنون الجميل، إلى فضاءات الحقيقة المطلقة والمجهول، يقوده إلى نقاء الروح وصدقه مع الأشياء والطبيعة، وصفاء الماء، يدخله في دائرة الجمال والخلود، حيث يمكن للفنان أن يعبّر عن الألم والمعاناة الإنسانية، ويبقى الرسم هو أقوى أداة ليعبّر لنا عن هذه الحالات الإنسانية، الرسم هو الخطوة الأولى للتعبير عن الذات.

وجد أحمد برهو أن التجريد يتلاءم مع ذاته، فكرياً ونظرياً، ولكن بعد الأحداث التي شهدتها سورية، عامة، وحلب خاصة، وبعد أن تخرّب مرسمه ثلاث مرات، وبعد أن أفرغ الحي من سكانه، أيقن أحمد أنه يعيش في عالم نظري، وهذا العالم بدأ يغيب عنه بحكم الواقع، الناس الذين معه هم من لحم ودم، الناس المحيطون به هم من الطينة ذاتها، لقد فتح عينيه مراراً فرأى الشخوص حوله وكلهم يبشر بأننا نحن عالمك، فغاب التجريد ليحل محله التشخيص، وليبدأ من جديد، لقد اقتحم حياته، وفرض نفسه على ذهنه، وأصبح جزءاً منه، لقد انتقل الفنان من عالم التجريد إلى عالم مسكون بالبشر، إلى عالم يضج بالحياة.

أقام الفنان أحمد برهو العديد من المعارض، على أرض الوطن، وفي العالم، فتحية للفنان وهو ينتقل من التجريد إلى التشخيص، ولكن ظلت لوحاته فيها الكثير من التجريد.

 فيصل خرتش