مجلة البعث الأسبوعية

عن هموم الترجمة وآمالها وأحلامها.. الطفل العربي جزء من عالم كبير يجب أن يعرفه!!

“البعث الأسبوعية” ــ جُمان بركات

في الأدب مزايا عديدة، منها ميزة العبور عبر الحدود والامتزاج مع ثقافات الغير، فكل القصص والآداب التي وصلتنا من باقي الثقافات زادت جرعات الإنسانية في وجداننا، وبين المُتَرجم والمحلي علاقة تفاعل وسباق لنيل رضا وقبول المتلقي، والمترجم اليوم – في هذه الظروف – يعتبر سفيراً لآداب الأمم الأخرى، ينقل للغتنا ما يثري مكتبتنا بكل فريد بديع وجديد عصري؛ ولعل الترجمة للأطفال من أهم وأخطر الصناعات الأدبية، لصعوبات الانتقاء والاختيار بين القصص المؤلفة بأعداد كبيرة حول العالم. ولأن لثقافتنا خصوصية تتعلق بالأطر الاجتماعية والأعراف والثقافة المحلية السائدة على مر الأجيال، فإن من الصعب اختراقها بسهولة، والإتيان بنص يليق بأطفالنا ويتناسب معهم، كما أنها تدخل مباشرة في صلب تنشئة الجيل وتكوين وجدانه.. حول هموم الترجمة وآمالها وأحلامها، استطلعت “البعث الأسبوعية” رأي عدد من المشتغلين في حقل الترجمة للأطفال.

 

المستقبل المنظور

“الطفل مستقبلنا المنظور”، بهذا العنوان انطلق حسام خضور مدير مديرية الترجمة في الهيئة العامة السورية للكتاب، حيث قال: بهذه الرؤية تعمل وزارة الثقافة، على نحوٍ مدروس، عبر الهيئة العامة السورية للكتاب، على توفير ثقافة وطنية وعالمية للطفل؛ وفي هذا السياق، تلعب الترجمة دوراً مهماً، فهي وسيلة نقل معارف وآداب وثقافات العالم إلى لغتنا الجميلة؛ وفي إطار المشروع الوطني للترجمة، الذي أطلقته الهيئة العامة السورية للكتاب عام 2017، ثمة حصة وازنة لثقافة الطفل، أدباً وفكراً وعلماً، بهدف محدد يتمحور حول حقيقة راسخة هي أن الطفل العربي جزء من عالم كبير يجب أن يعرفه، وأن هناك أطفالاً في كل أرجاء المعمورة يعيشون في بيئات طبيعية مشابهة، أو مختلفة شديدة التنوع، لكنهم مثله: يحبون اللعب، ويحبون العلم، ويحبون المغامرة، ويتحلون بقيم حب العمل والخير والجمال.

وأضاف خضور: أود أن أذكر، هنا، أن عام 2019 شهد اهتماماً مميزاً بثقافة الطفل، فقد خصصنا الندوة الوطنية للترجمة، التي تقيمها الهيئة السورية للكتاب، بالتعاون مع المؤسسات الوطنية المهتمة بالترجمة وعلوم اللغة، في 30 أيلول، كل عام، بمناسبة اليوم العالمي للترجمة، لترجمة أدب الطفل، وأصدرت مجلة جسور ثقافية عدداً خاصاً حول ترجمة أدب الطفل، وقد فعلنا ذلك انطلاقاً من معرفتنا أن لترجمة أدب الطفل خصائص محددة يجب أن تُراعى في الترجمة؛ وفي ضوء تنفيذ توصيات الندوة، خصصنا في الخطة التنفيذية، للعام 2020، مجموعة من الكتب التي تحقق ذلك، آخذين في الحسبان الوضع النفسي للطفل بتأثير الحرب الإرهابية على بلدنا، فترجمنا بعض الأعمال التي تساعد على معالجة التأثيرات السلبية للحرب على أطفالنا، ومنها “علم نفس الطفل” عن الفرنسية، و”علم نفس الطفل وطبه النفسي” عن الإنكليزية، و”الدليل إلى تعبئة وتعزيز الرعاية التي يقدمها المجتمع للأيتام والأطفال والضعفاء” عن الإنكليزية، و”52 شيئاً يحتاجه الأطفال من آبائهم” عن الإنكليزية، و”مغامرات نزنايكا وأصدقائه” عن الروسية، بالإضافة إلى ترجمة عدد كبير من القصص للأطفال الصغار، والتي تصدر عن مديرية منشورات الطفل. وثمة اهتمام متزايد بترجمة المزيد للطفل ورعايته في خطة الترجمة التي يجري إعدادها للعام 2021، إذ تلحظ حاجات الفئات العمرية للطفل، وحاجة المربين إلى الخبرة العالمية أيضاً.

 

صعوبة الحصول على النصوص

بدأت تانيا حريب العمل في مجال الترجمة عام 2014، وقامت بترجمة عدد كبير من قصص أدب الطفل التي صدرت عن وزارة الثقافة – الهيئة العامة السوريّة للكتاب.. عن تجربتها في مجال الترجمة، قالت: لهذه الفئة العمرية أهمية في غرس الكثير من الأفكار المفيدة والجميلة، ولاسيّما تلك الأفكار التي تُعبِّر عن هويتنا وبيئتنا وأخلاقنا، كتعليمهم قيَم الخير والتعاون والصدق، وغيرها من القيم التي نرغب جميعاً أن يتّصف بها أبناء بلدنا الحبيب، من خلال إيصالها ربما بقصةٍ قصيرة نُكثِّف فيها هذه الأفكار ونترجمها بأسلوبٍ سلس بسيط يتناسب وهذه الفئة العمرية، أو كتابٍ يجذب الطفل لقراءته والاستفادة منه. وعلى الرغم من متعة العمل في هذا المجال – تضيف حرب – إلّا أنّنا نواجه بعض الصعوبات أثناء انتقاء النصوص بلغتها الأصليّة، ومنها وجود نصوص لا تتناسب مع قيَم مجتمعنا، أو دون هدف ليتعلّمه الطفل، بالإضافةِ إلى صعوبة إيجاد مصدر لانتقاء النصوص المناسبة، ولاسيّما بعد غلاء أسعار الكتب في المكتبات الخاصّة، واللجوء إلى شبكة الإنترنت التي لا نستطيع من خلالها سوى اختيار النصوص المُتاحة مجاناً. وأتمنّى أن تولي الجهات العامّة والخاصّة اهتماماً أكبر بأدب الطّفل؛ من خلال توفير النصوص الأصليّة التي يصعُب على المترجمين الحصول عليها، وتحويل النصوص المترجمة إلى أفلام كرتونية تُعرض للأطفال، لتتكرّس المفاهيم المرجوّة بشكلٍ أكبر في عقولهم.

 

السفير الأرقى

جلّ ما تتمناه المترجمة ثراء الرومي أن تكون الترجمة السفير الأرقى إلى عالم الطفولة، لنقطف منه الشّذا والفرح على الدّوام.. تقول عن ترجمة أدب الأطفال: لا شكَّ أنّ هناك أسماء لها بصمتها المميّزة في عالم التّرجمة للأطفال، ولكن بالمقابل قد يقع البعض في فخّ الاستسهال، فهذا النّمط الخاصّ من التّرجمة يعدُّ السّهل الممتنع. وكما أنّ المترجم يلقي بأدوات الزّخرفة اللّفظيّة جانباً عند مخاطبة الطّفل، عليه أيضاً عدم الاستهانة بذكائه وقدرته على المحاكمة، ما يحدو المترجم أن يكتب بسلاسة وبساطة، وأن يختار ما يثير اهتمام الطّفل، ويذكي لديه شرارة الدّهشة والفضول.

تتابع الرومي قائلة: إنّ الأدب الوافد من الخارج سلاح ذو حدّين، فبعضه فيه دسٌّ للكثير من السّموم – إن صحّ التّعبير – فهناك نتاج غزير ينتشر عبر الشّابكة، وعبر مختلف وسائل التّواصل الاجتماعيّ، يقتضي الوقوف عنده طويلاً بغية انتقاء ما يعزّز القيم الجميلة والسّلوكيّات الصّحّيّة مع أهمّيّة الاختلاف وقبول ثقافة الآخر، لكن ضمن حدود لا تخدش أطفالنا، ولا تكون صادمة لهم، وهذا يتقاطع مع هموم المترجمين في إيجاد نص يرتقي بذائقة الطّفل وينمّي مداركه؛ أمّا الهاجس الأكبر الّذي يتشاركونه فهو ضرورة وجود دور نشر تتبنّى ما يبدعون، وتوزّعه على نطاق واسع، ولهيئة الكتاب السورية بالتعاون مع مديرية الترجمة فضل السبق في هذا المجال عبر الإصدارات الخاصة بالطفل، ولا ننسى هنا الدور الريادي الذي تضطلع به مجلتا “أسامة” و”شامة”.

 

متطلبات ترجمة أدب الطفل

ترجمة أدب الطفل ليست عملاً أدبيّاً مترجماً فحسب، بل هي أيضاً عمل تعليميّ تربويّ وأخلاقيّ للغاية، يتطلّب الإلمام بعالم الطّفل، والولوج إلى أعماق تفكيره.. هكذا استهلت حديثها المترجمة كاتبة كاتبة لـ “البعث الأسبوعية”، مضيفة: مترجم أدب الطّفل هو باحث وكاتب يساهم في تشجيع الطفل على القراءة والاستمتاع بكلّ ما يقرأ، وبالتّالي، أحاول دائماً، خلال بحثي عن قصص للترجمة، اختيار قصص تشبع الفضول الفكريّ لدى الأطفال وتروي تعطشهم للمعرفة، وتتيح لهم استكشاف العالم، وتزويدهم بالقيم الثّقافيّة والسلوكية بما يتلاءم مع مجتمعنا، وأحرص أن تكون خالية من المشاعر السّلبيّة، كما أبحث عن كلّ ما هو غريب وما يثير الخيال ويحفّز الذائقة للتنوع الحضاري لطفلنا، لأنني أثق في تقبل القارئ الصغير لغرابة الحكاية التي تسهم في إدراكه للتعدّدية الفكريّة وللفوارق الثقافيّة بين الشعوب.

حين أترجم – تتابع كاتبة – أستخدم مفردات تحاكي عقل الطفل، لأنّ إلمام مترجم أدب الطفل بقاموسه اللغوي، وامتلاكه آلية سرد مبسّطة، هما مطلبان رئيسان؛ وهنا لا يميّز بعض المترجمين بين الترجمة المبسّطة والترجمة السّهلة، فالترجمة المبسطة ترجمة بعيدة عن التّعقيد اللغوي، وهذا لا ينفي صعوبتها لأنها تتطلب كثيراً من الدّقة والتأني في انتقاء المفردات التي تأخذ وقتاً وجهداً، مع محاولة إيصال الفكرة دون نقصان. وأرى أن المترجم المحترف، فضلاً عن تمكّنه اللغوي، يجب أن يترجم بشغف وبتعاطف مع النص، فأحياناً حين أترجم، أفقد الشعور بالوقت، وألج إلى عالم الأحداث الموجودة في القصة؛ وبناء على ما سبق، يحتاج المترجم تقديراً لجهوده بأن يكافأ بأجرٍ منصفٍ، وبنسبة من المبيعات، وهذا يتحقق بتأسيس نقابة للمترجمين واللغويين في سورية تضمن حقوقهم من جهة، وتنتقل من الجهد الفردي إلى الجهد الجماعي المنظّم.