مجلة البعث الأسبوعية

“منتجين 2020”.. شباب حلب تحدوا العقوبات واخترقوا الحصار بمشاريعهم الصغيرة!!  

“البعث الأسبوعية” ــ علي عبود

لم ينتظر شباب حلب الوعود الحكومية كي يباشروا بمشروعات متناهية الصغر لمسنا ثمارها في معرضهم الأول “منتجين 20 ـ 20″، بدمشق، ولم ينتظروا وعود المصارف بإقراضهم وتمويل أفكارهم، فقد آثروا الاعتماد على الذات متحدين الصعاب، وكانت النتائج مبهرة ومفاجئة لكل من اطلع على منتجاتهم في معرضهم بدمشق، ولو انتظروا وزارة المالية للإفراج عن الاعتمادات التي أقرتها الحكومات السابقة للمشاريع الصغيرة لاستمروا ينتظرون، وينتظرون، من موازنة إلى أخرى، دون أن يصلهم قرش واحد.

ما ألهب حماسة شباب حلب ومنحهم القوة والإقدام على تحويل أفكارهم إلى مشاريع صغيرة خلاقة بدأت منتجاتها تشق طريقها إلى الأسواق المحلية والخارجية.. هو الرئيس بشار الأسد فقط؛ وتجسد دعم السيد الرئيس لشباب حلب بزيارته مع زوجته السيدة أسماء لمعرضهم وتشجيعهم لتحويل مشاريعهم الصغيرة إلى متوسطة وكبيرة خلال الفترة القريبة القادمة.

نعم.. المالية من خلال الموازنة والمصارف تجاهلتهم، والسيد الرئيس وحده شجع شباب حلب للانطلاق بمشاريع متناهية الصغر أدهشتنا جميعاً بتنوعها وجودتها ورخصها وقدرتها على المنافسة في الأسواق المحلية والخارجية.

 

لا شيء سوى الوعود والمقترحات

ولو عدنا إلى السنوات القريبة الماضية، لاكتشفنا أن الجهات الحكومية – على اختلاف مسمياتها ومندرجاتها – لم تُقصّر بعقد الاجتماعات، ولا بتقديم المقترحات لدعم المشاريع الصغيرة، لكنها لم تتخذ قراراً واحداً لترجمة مقترحاتها إلى أفعال. والملفت أنه في وقت كان يستعد شباب حلب لإطلاق منتجات مشاريعهم الصغيرة باحتفالية تسويقية في دمشق، كانت الحكومة تطلب من وزارات الاقتصاد والإدارة المحلية والشؤون الاجتماعية والعمل والصناعة والزراعة إعداد مذكرة متكاملة حول قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر؛ والملفت أكثر أن الحكومة أرادت “معرفة الدعم المقدم لهذه المشاريع من هذه الوزارات، والجهات التابعة لها، بما فيها البرامج والإجراءات ذات الصلة”، ما يستنتج منه أن الوزارات المعنية لم تقدم على مدى السنوات الماضية دعماً للمشاريع الصغيرة، والمتناهية الصغر، سوى الكلام والمقترحات.

 

بانتظار الاستراتيجية الوطنية

يؤكد المعرض أن شباب حلب لم ينتظروا أفعالاً لم تأت خلال السنوات الماضية، بل اعتمدوا على قدراتهم الذاتية بتنفيذ مشاريع بعدد محدود من المنتجين المبدعين والمهرة، وكانت الحصيلة معرضاً إنتاجياً للمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر هو فخر لكل السوريين.

وإذا كانت الجهات الحكومية، وتحديداً وزارة الاقتصاد، مقتنعة بأن “المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر تشكل ما يزيد على 90% من المشاريع العاملة على مساحة الجغرافيا السورية”، فلماذا لا تكون المشاريع الصغيرة محور خططها ونشاطها والقاعدة الأساس لاستراتيجية إحلال بدائل المستوردات؟

من المؤسف جداً – بعد انطلاق معرض “منتجين 20 ـ 20” – أن نقرأ أن وزارة الاقتصاد وغيرها من الوزارات والجهات الحكومية استيقظت الآن على “ضرورة إعداد استراتيجية وطنية فاعلة مرفقة ببرامج تنفيذية بغية حل جميع المشكلات التي تعوق تطور هذه المشاريع”. شباب حلب لم ينتظروا لا الاستراتيجية، ولا البرامج التنفيذية، ولا القروض المصرفية.. لقد اعتمدوا على الذات، وعلى تشجيع السيد الرئيس، فحولوا أفكارهم الخلاقة إلى مشاريع بتمويل محدود، ليجترحوا معجزة اقتصادية أكدت أن حلب لا تزال العاصمة الاقتصادية والصناعية لسورية رغم الحصار والعقوبات.

 

لا تحتاج للقروض المصرفية

وكدنا نصدق أن العائق الأكبر أمام انطلاق المشاريع الصغيرة هو القروض المصرفية، إلى أن أثبت شباب حلب العكس تماماً، فقد اعتمدوا على التمويل الذاتي من الأهل والأصدقاء والمعارف، وبرهنوا بالدليل الملموس إن الإرادة تصنع المعجزات. حقاً، المشاريع المتوسطة تحتاج إلى القروض، لكن يمكن أن تبدأ مجموعة من الشباب الذين يملكون أفكاراً خلاقة بمشروع متناهي الصغر كبداية، ثم يطورونه إلى مشروع صغير، فمتوسط، وعندما يخططون لتحويله لمشروع كبير قد يحتاجون إلى قرض مصرفي. وما اكتشفناه في معرض “منتجين 20ـ 20” أن جميع المشاركين اعتمدوا على التمويل الذاتي في تنفيذ مشاريعهم المتناهية الصغر، وحققوا نتائج مذهلة سنلمس ثمارها في القريب العاجل.

وكشف مدير عام هيئة المشروعات الصغيرة والمتوسطة أن 88% من هذه المشروعات تعتمد في تمويلها على المدخرات العائلية، أو أموال صاحب المشروع، وغيرها من مصادر التمويل المتاحة، من دون اللجوء إلى الاقتراض من المصارف. وإذا كان هذا هو واقع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فإن المشاريع المتناهية الصغر تعتمد على التمويل الذاتي 100%، ما يعني أنها لا تحتاج إلى دعم مصرفي، وإنما إلى دعم معنوي وخدمي وإعلامي.

وحسب الهيئة، فإن 16% من إجمالي المشروعات الصغيرة المتوسطة والمتناهية الصغر، التي يتجاوز عددها 440 ألف مشروع، متوقف نهائياً؛ وبالتالي فإن على الجهات الحكومية أن تعالج أسباب توقفها، وأن تعمل أيضاً على زيادة أعدادها أكثر فأكثر.
وقد قدم الخبير التنموي أكرم عفيف أفكاراً لدعم وتشجيع الاقتصاد المنزلي، ومن ضمنها مشروع “فقاسة بيض” منزلية، تكلفة الواحدة منها المصنعة محلياً لا تقل عن 25 ألف ليرة، وفي حال تم تصنيعها في المنزل لا تتجاوز الـ 10 آلاف ليرة؛ وقال أنه بُدء بتنفيذ فكرة تربية طيور الفري، عام 2011، في سهل الغاب، وتمكنت الأسرة الواحدة من إنتاج 10 طيور يومياً، أي بديلاً كافياً للحوم، لكن الفكرة توقفت خلال سنوات الحرب بسبب الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، وقلة المحروقات الكافية لتشغيل المولدة الكهربائية. ويمكن إحياء الفكرة مجدداً في مناطق عديدة من الريف، في حال اهتمت بها الجهات الحكومية، وبخاصة بعد الإرتفاع الجنوي لأسعار اللحوم الحمراء والبيضاء.

 

تزيد الدخل وتمتص البطالة

أكثر من ذلك، كشفت دراسة أممية أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة تؤمن 70% من فرص العمل، ما يعني أن الحكومات السابقة – بإهمالها هذه المشاريع – كأنّها لا تريد إيجاد الحل “السحري” للبطالة التي ازدادات نسبها خلال السنوات العشر الماضية. وبما أن الحديث دائم ومتكرر عن خفض المستوردات وإنتاج البدائل وزيادة الصادرات، فإن الحكومات السابقة سخّرت جهودها لتحفيز المشاريع الكبيرة والضخمة التي بقيت حبراً على ورق، في حين أن المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة قادرة – بفعل قابليتها للانتشار في جميع المناطق السورية – أن تزيد دخل ملايين الأسر السورية دون تحميل خزينة الدولة قرشاً واحداً، أي أن المشاريع الصغيرة، وبخاصة المتناهية الصغر، هي البديل الممتاز للدعم الحكومي الذي يستنزف الموارد المالية للدولة، دون نتائج ملموسة في الحياة اليومية لملايين السوريين؛ فهذه المشاريع لا تحسّن الحياة المعيشية للعاملين فيها فقط، بل هي تؤمن السلع الجيدة بأسعار رخيصة ومنافسة للمشاريع الكبيرة، ومثيلاتها المستوردة، وهذا الأمر اكتشفناه في معرض شباب حلب “منتجين 20 ـ 20”.

وبدلاً من التركيز على المستوردات لتأمين الكثير من السلع، كان الأجدى دعم المشاريع الصغيرة من خلال تأمين البيئة التشريعية المناسبة لها، وإعفاء صادراتها من الرسوم والضرائب، وإقامة المعارض المجانية لتسويق منتجاتها، لا الاكتفاء بالدعم “الكلامي”، دون أي فعل ملموس؛ وبما أن الكثير من الأكاديميين يؤكدون أن المشاريع الصغيرة تؤمن 98% من الصادرات السورية، وتسهم بنسبة 40% من الناتج المحلي الإجمالي حالياً، وكانت النسبة 60% في عام 2010؛ فلماذا لا يكون محور الخطط الصناعية للحكومة تنشيط المشاريع الصغيرة، وزيادة أعدادها أكثر فأكثر، والتركيز في هذه المرحلة على المشاريع المتناهية الصغر، أي المشاريع التي لا تحتاج إلى رأسمال كبير، ولا إلى قروض مصرفية، أي على شاكلة مشاريع شباب حلب؟

والمشروع المتناهي الصغر يعتمد غالباً على أقل من خمسة عمال تديره عائلة لديها خبرة في إحدى الحرف أو الصناعات، في حين يعتمد المشروع الصغير على عمالة تقل عن25 عاملاً، والمتوسط يعتمد على 100 عامل. وبما أننا خرجنا من حرب طاحنة ضد الإرهاب العالمي، وتعرضت صناعتنا للتدمير والسرقة، ويعاني البلد من بطالة بنسب غير مسبوقة، وفي كل المحافظات، وبما أن الأحوال المعيشية سيئة جداً، والضغط على الليرة أضعف قوتها الشرائية، فإن على الحكومة أن تدعم حالياً، وعلى مدى خمس سنوات على الأقل، المشاريع المتناهية الصغر لأنها تتيح تشغيل آلاف الأيادي العاملة، وتوفر السلع الجيدة والمتقنة والمنافسة والرخيصة والقابلة للتسويق محلياً، والتصدير للخارج، ومعرض شباب حلب “منتجين20 ـ20” هو الدليل.

وفي هذا الإطار، على الحكومة أن تعمل مع المنظمات الدولية والمجتمع المحلي الذي يقوم بتوزيع السلل الغذائية، وأن تغير نشاطها من الدعم الاجتماعي إلى الدعم الإنتاجي، أي دعم المشاريع المولدة للدخل بشكل دائم، وتزيد الإنتاج، وتخفّض الاستيراد وتقوم بالتصدير. وبعد أن يقوى ساعد المشاريع المتناهية الصغر يمكن لأصحابها بسهولة أن يطوروها إلى مشاريع صغيرة ومن ثم إلى متوسطة. والسؤال: هل لدى الجهات الحكومية المعنية الخطط أو الرؤى على الأقل للتوسع بالمشاريع المتناهية الصغر والمشاريع الصغيرة؟ ومتى تنتقل الجهات المعنية بالتخطيط الاقتصادي من الدراسات والمقترحات، أي من الأقوال إلى.. الأفعال؟

 

مساعدة رواد الأعمال الشباب

ومهما قيل في فعاليات معرض “منتجين 202″، بمشاركة أكثر من 77 شركة، فقد كان مفاجأة للسوريين لأنه كشف عن إمكانيات الشباب وقدرتهم على ترجمة أفكارهم إلى مشاريع إنتاجية في زمن الحصار والعقوبات. ولنعترف أنه لولا هذا المعرض لما تعرفنا على التنوع الكبير لمنتجات المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، ولما اكتشفنا أن بعضها بدأ يشق طريقه للأسواق الخارجية. ومن المهم جداً انتقال هذا المعرض إلى محافظات أخرى، بل على وزارة الاقتصاد أن تعمل على إقامته في دول صديقة وحليفة، بهدف تصدير منتجاته، بما يدعم المنتجين الشباب ويدر القطع الأجنبي للبلاد.

لقد كان معرض “منتجين20ـ20” فرصة لمساعدة رواد الأعمال الشباب أصحاب المشاريع “الحلبيين” للمشاركة، وإظهار أفكار مشروعاتهم المختلفة، والتسويق لها. ونأمل أن تقام معارض مماثلة لرواد الأعمال الشباب من محافظات أخرى وصولاً إلى إقامة معرض مركزي لحميع رواد المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر والمتوسطة.
ونشير هنا إلى أهمية مشاركة الشباب أصحاب الورش والمشاريع الذين دمرت محلاتهم وورشهم خلال فترة الحرب، وعادوا للانطلاق والعمل بتمويل ذاتي من الأهل والأصدقاء، وبما يملكونه من خبرات وروح للمبادرة وحافز للعمل.

 

أنموذج للتشبث بالوطن

صحيح أن المعرض كان فرصة لتسويق منتجات شباب حلب، لكنه قدم أيضاً أنموذجاً فريداً من الشباب المتشبثين بالوطن، الذين رفضوا الهجرة على الرغم من تعرض ورشاتهم ومعاملهم الصغيرة للتدمير أو التخريب.

لقد دأب الإعلام المعادي لسورية على الترويج لمقولة لا يزال يكررها حتى اليوم، وهي أن الشباب السوري بأكمله يسعى إلى الهروب للخارج، بل وقام بتقديم نماذج “مذلة” للمهاجرين السوريين. ولا ينكر أحد أن هجرة الشباب لم تتوقف يوماً، سواء قبل الحرب أم بعدها، لكن هذا الأمر لا يقتصر على سورية وإنما على حميع دول المنطقة بما فيها المستقرة أمنياً؛ ولكن بالمقابل، نجد أعداداً كبيرة من الشباب، وبخاصة المتضررين منهم، أي الذين تعرضت أعمالهم للتخريب والتدمير، آثروا الانتقال إلى محافظات أخرى، وبخاصة “الحلبيين”، أسسوا فيها ورشات عمل صغيرة. وما إن تحررت حلب حتى عاد النازحون إلى مدينتهم لإحياء الصناعات التي يتقنونها، وهذه المرة بسواعد الأبناء الشباب الذين أضافوا لمهنة الآباء لمسة العصر والحداثة لتناسب أذواق الجيل الجديد من السوريين.

ولم يكن رواد الأعمال الشباب يحتاجون سوى إلى التدرب على فنون التسويق والإعلان، وكيفية تقديم أنفسهم وعرض منتجاتهم. وتكفي الإشارة هنا إلى أن أغلب المشاركين هم من المنتجين الذين تضرروا بالحرب، ثم عادوا إلى العمل من جديد ضمن مهن وصناعات مختلفة من ألبسة وأحذية وهدايا ومواد دعاية وغذائيات ومفروشات وصناعات خشبية. وهذا دليل على أن الشباب المتضرر من الحرب قدم أنموذجاً ومثالاً يحتذى للتشبث بأرض الوطن، بدلاً من أنموذج مناقض آثر الهجرة مع بدايات الحرب الإرهابية على سورية، متذرعاً بحجة متكررة: تأمين مستقبل الأولاد!

 

الخلاصة

كان شعار المعرض “المنتج بطل حقيقي” تجسيداً حياً بالأفعال لشباب آمنوا بوطنهم وبرهنوا أنهم يشكلون دعماً للإنتاج الوطني بعد انتصار حلب. ومن الضروري أن تستكمل الجهات الحكومية هذه المبادرة بتقديم التسهيلات للشباب للعودة إلى مشاريعهم ومهنهم، وتفعيلها داخلياً وخارجياً لأنها ترجمة فعلية للإقلاع بعجلة الإنتاج الصناعي.

والأهم أن المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر مدرّة للدخل، ومولّدة لفرص العمل، وتخفض الواردات وتزيد الصادرات، وتخفف الضغوط على خزينة الدولة، وتعمل على تحسين القدرة الشرائية لليرة السورية؛ وبالتالي، يجب أن يكون محور عمل الجهات الحكومية دعم مشاريع الشباب السوري، وبخاصة المشاريع المتناهية الصغر، مقتدين بما يقدمه الرئيس الأسد من رعاية ودعم للشباب السوري.