مجلة البعث الأسبوعية

إثيوبيا مهددة.. “كيف وصل الصراع إلى هذه النقطة!؟

“البعث الأسبوعية” ــ تقارير

منذ أسبوع، والقوات المسلحة الإثيوبية في حالة حرب في منطقة تيغراي في شمال البلد. ويمكن لهذا الصراع بين الحكومة الاتحادية والقادة الانفصاليين أن يستمر ويزعزع استقرار منطقة تواجه بالفعل صعوبات كبيرة. وبعد عام من حصوله على “جائزة نوبل للسلام!!” – لعمله من أجل السلام بين إريتريا وإثيوبيا – يواجه رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد صراعاً دمويا، فكيف وصل الأمر إلى هذه النقطة؟

ما يبدو عملياً هو أن التاريخ يعيد نفسه، فمنذ خسارته العاصمة، أي منذ تعيين قومي إثيوبي، هو رئيس الاستخبارات السابق أبي أحمد، رئيساً للوزراء، في ربيع عام 2018، قرر التيغريون الانسحاب إلى مقاطعتهم الخاصة. وبحلول أيلول 2020، كانت هذه القطيعة مع الحكومة المركزية قد وصلت إلى مستويات غير مقبولة بالنسبة لأديس أبابا مع إجراء انتخابات إقليمية غير معترف بها. ولذلك كانت هذه الحرب متوقعة من جانب إقليم تيغراي الذي لم يهضم قادته خسارتهم الحقيقية والرمزية للسلطة.

تاريخيا، كانت هذه المنطقة في قلب الإمبراطورية الإثيوبية منذ فجر المسيحية. وحتى القرن التاسع عشر، على سبيل المثال، كانت التيغراي هي التي ينحدر منها إمبراطور إثيوبيا لآلاف الأعوام. ولذلك، فإن المنطقة، وإن كانت في الشمال، هي محور كل من الواقع والخيال الإثيوبي عامة. وفي إثيوبيا الحديثة، اكتسب التيغريون قوة اقتصادية، لا سيما من خلال شراء الأراضي التابعة لقبائل أخرى، خاصة الأورومو الذين يعتبرهم التيغريون عبيداً. لذلك، كانت تجربة مجيء الأورومو إلى السلطة نوعاً من الإهانة لهذا المجتمع الذي يمتلك شعوراً قوياً بالتفوق تجاه الشعوب الأخرى في البلاد. فالتيغريون لم يهضموا، على سبيل المثال، كيف يمكن لـ “الأمهرة”، التي تعتبر الأرستقراطية في إثيوبيا، أن تكون على علاقة بهم. وبهذه الذهنية يقفون الآن في وجه الدولة الاتحادية، مستعدين لتأكيد استقلالهم، خاصة على الجبهة الاقتصادية. وتيغراي هي منطقة زراعية فقيرة، مكتظة وتعاني دورياً بسبب المجاعات. ومن دون الدعم الخارجي المباشر والموارد الاقتصادية الموثوقة، فإن القادة السياسيين للتيغراي يخاطرون مخاطرة هائلة، ولكنها مدروسة بشكل جيد.

 

سيناريو الصراع

وعلى الرغم من أن أبي أحمد يقول إن التدخل العسكري سيكون عملية ناجحة وسريعة لإنفاذ القانون، إلا أن من المرجح أن الحرب ستكون دموية، وهناك بالفعل مئات الجرحى على الجانب الإثيوبي وعمليات القتل التي يجب أن تُشجب، وهناك الكثير من العداء بين الجانبين والكثير من الكراهية العرقية – الأمهريون والأورومو معا – ولكن هل يمتلك الجيش الاثيوبي ما يكفي من الخبرة للتعامل مع هذا الموقف لصعب؟ فالجنود يتطوعون للحصول على قطعة خبز، والتضاريس ليست سهلة، وستنشأ مشاكل في خطوط الإمداد واللوجستيات.. يحتاج الجيش الفيدرالي إلى الطعام والتدريب، وأخيراً إلى قادة من نوع آخر بعد أن وجد أبي أحمد، الذي طرد لتوه قائد جيشه، نفسه مضطراً لاستدعاء ثلاثة جنرالات متقاعدين لخوض هذه الحرب.

أما بالنسبة للقوات العسكرية المشاركة، فلديها القليل من المعلومات عن هذا الموضوع. ويعتقد أن هناك 250 ألف رجل مدرب جيدا ومسلح لدى التيغريين. ولذلك لا يمكن الاعتقاد بأن الجيش الاتحادي سوف يتفوق على القوات المسلحة للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وكان التيغريون لفترة طويلة رأس حربة الجيش الحكومي، وهم الذين قاتلوا ضد الجنرال منغيستو، “النيغوس الأحمر”، بدعم من الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، وقد تم تدريب التيغريين عسكرياً لسنوات في إريتريا ولديهم خبرة هائلة.

ولهذا فإن الحالة بالنسبة لأديس أبابا أكثر تعقيدا مما تبدو عليه. حقاً إن أبي أحمد يدبّج البيانات عن انتصارات وتدمير أسلحة ثقيلة وعمليات توقيف، ولكن يستحيل التحقق من كل هذا. والمفارقة أن الجيش المركزي أقل خبرة من قوات المتمردين في تيغراي وأن الجيش الاتحادي أقل استعدادا بكثير.

 

تأثيرات خارجية

يشكل القرن الأفريقي منطقة غير مستقرة تختلط فيها التأثيرات المتناقضة. واليوم، كان بوسع التيغريين أن يروا جيرانهم وأبناء عمومتهم الإريتريين ينقلبون ضدهم بعد حرب الاستقلال الإريترية (1961 -1991). والحقيقة هي أن جزءا كبيرا من الإريتريين (50 في المائة من التيغريين) وتيغراي إثيوبيا شعب واحد تفصله الحدود الاستعمارية الموروثة. وبعد 25 عاما من جمود الوضع بين إثيوبيا يقودها التيغراي، وإريتريا أسياس أفورقي (وهو نفسه من التيغريين)، كان الوضع يحتاج إلى شخص متحدر من الأورومو، أبي احمد، الذي كان قد جاء لتوه الى السلطة لتوقيع اتفاق سلام “تاريخي” منح من خلاله بجائزة نوبل للسلام.

ولكن قادة منطقة تيغراي لديهم أيضا بعض الحلفاء، فهناك مصر الغاضبة من أبي أحمد لاستمراره بملء سد النهضة على النيل الأزرق، ولها علاقات جيدة مع قادة الإقليم. ثم هناك المملكة السعودية التي تعمل بقوة على تفكيك إثيوبيا ذلك أن ولي العهد محمد بن سلمان يخشى ظهور قوة اقتصادية من 100 مليون شخص على الجانب الآخر من البحر الأحمر، ولذلك من الممكن أن تساعد الرياض التيغريين على إنجاز عملية التفكك هذه.

 

موجة جديدة من الهجرة؟

أخيراً، وقبل كل شيء، من المرجح أن تبرز هذه الحرب اتجاها راسخا بالفعل. فكل يوم، هناك عشرات الآلاف من الإثيوبيين، وخاصة من التيغريين، يحاولون إيجاد مخرج لهم. وكل يوم، هناك حوالي 5 آلاف شخص يحاولون الوصول إلى جيبوتي، لكن التدفق الرئيسي يتجه إلى اليمن للوصول إلى الإمارات. وهؤلاء يتضورون جوعاً بالمعنى الحرفي للكلمة.

هناك خشية أيضاً من أن تفتح هذه الحرب طرقاً أخرى. وفي الوقت الراهن، فإن أولئك الذين يشقون طريقهم إلى أوروبا، والذين يصلون إلى فرنسا، هم الإريتريون قبل غيرهم. كل ليلة، هناك عشرات الأشخاص الذين تطلق عليهم النار مثل الأرانب على الحدود. وهم عندما يتمكنون من المرور، يجدون في بعض الأحيان الأسرة في التيغري، على أمل العثور على عمل أو التدريب في وقت لاحق. ولكن اليوم، إذا ترسخت الحرب في إثيوبيا، لا يمكن استبعاد أن ينضم تيغراي إثيوبيا بدوره إلى طرق المنفى إلى أوروبا.