مجلة البعث الأسبوعية

“منتجين 2020” قصص نجاح صناعيي حلب وفرصة كبيرة لتسويق منتجاتهم

“البعث الأسبوعية” ــ ميس بركات

حرف وأعمال معروضة، وقصص نجاح رسمها تجار حلبيون على منتجات كانت شاهد عيان الأسبوع الفائت على قوّة صناعيي حلب الذين لم تثبط الحرب من عزيمتهم لتقديم الأفضل، وإثبات تفوّق السوريين، فبين أروقة التكية السليمانية وتحت قبابها افترش صناعيو حلب بمنتجاتهم في معرض “منتجين 2020″، بمشاركة 137 منتجاً يمثلون 77 شركة في مجال الصناعات الغذائية والمفروشات والألبسة والصناعات اليدوية، بعد أن تلقى صغار المنتجين الدعم الحكومي لتفعيل ورشاتهم، إذ استطاعوا إعادة تشغيل جزء من تلك المعامل والورش بعد أن دمرتها الحرب ليحضروا إلى دمشق ويثبتوا للعالم أن “المنتج بطل حقيقي” يستحق التقدير.. هذا التقدير الذي ناله كل منتج سوري بزيارة السيد الرئيس بشار الأسد والسيدة أسماء الأسد للمعرض، والذي جاء تكريماً حقيقياً ووساماً على صدر كل الصناعيين.

 

تصميم وإرادة

حديث السيد الرئيس إلى المشاركين في المعرض ترك الكثير من الأمل في نفوس الصناعيين والمزيد من التصميم والإرادة على المتابعة والعودة بعجلة الصناعة الحلبية إلى ما كانت عليه قبل سنوات الحرب، إذ أكد لنا المشاركون في المعرض أهمية هذه الزيارة التي حيّا بها السيد الرئيس المشاركين في المعرض لصمودهم في حلب، وقرارهم منذ البداية بأن يكونوا إيجابيين وفاعلين ولديهم التحدي الذي من دونه لا يمكن للإنسان أن ينجح، وخاصة في هذه الظروف، فلولا ذلك لما كنا وصلنا لهذه البداية الناجحة؛ واعتبر المنتجون أن زيارة الرئيس الأسد والسيدة أسماء هي رسالة دعم كبيرة لعملية الإنتاج التي يحتاجها الاقتصاد الوطني في ظل الحصار والعقوبات الجائرة على الشعب السوري، حيث أكد السيد الرئيس للمنتجين أن حلب هي قلب الصناعة وهي قاعد الإنتاج في سورية إذ استطاعت بقياس الزمن والإمكانيات المالية وبقياس الظروف الاقتصادية لسورية، أو لحلب، تقديم إنتاج رائع بقليل من الدعم وكثير من الإرادة والعمل والأمل بتحويل هذه المشاريع الصغيرة إلى مشاريع كبيرة.

 

نهوض بالاقتصاد

المعرض الذي نظمته “المجموعة العربية للمعارض والمؤتمرات” شهد منذ يومه الأول حضور عدد كبير من الزوار، صناعيين وتجاراً ورواد أعمال وممثلين عن اتحادات غرف تجارة دمشق وريف دمشق وحلب، ليكونوا شهوداً على انتصار صناعيين من حلب وللتعرف على منتجات مميزة وبأسعار منافسة، إذ وجدت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بهذا المعرض فرصة كبيرة للمنتجين لتسويق منتجاتهم واستقطاب الوكالات بدمشق والمحافظات، مع تأكيدها على ضرورة منح كافة التسهيلات للمنتجين، الأمر الذي ينعكس على حصول المستهلكين على المواد بأسعار منخفضة.

كذلك التمس الكثير من منتجي حلب في هذا المعرض فرصة لتسويق منتجاتهم إلى الخارج وعدم حصر سوق التصريف في الداخل، فهذه الفعالية تعتبر فرصة لهؤلاء المنتجين كي يوسعوا أسواقهم بعد انقطاع طويل دام أكثر من تسع سنوات، استطاع بعدها الحلبيون تنشيط عملهم وسوق منتجاتهم إلى معارض وجدت بها وزيرة الثقافة لبانة مشوح فرص لتوفير منافسة شريفة يمتاز فيها صاحب المنتج الجيد، والسعر المقبول، إلى جانب إسهامها في تنشيط السوق المحلية، ودعم الليرة السورية، وتحريك العجلة الاقتصادية.

وتنبع أهمية هذا المعرض في دعم الاقتصاد الوطني الذي يتعرض في هذه الفترة للعقوبات الأمريكية أحادية الجانب، وذلك من خلال دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي أخذت بالتوسع، وبدأنا نشهد ملامح نهوضها من خلال هذه المعارض التي تشكل أيضاً فرصة للتاجر في دمشق للتعرف على المنتجات الحلبية وفرصة للمنتج الحلبي لتسويق انتاجه في دمشق، فجميع المنتجات صنعت بخبرات سورية وبمواد أولية محلية ذات جودة عالية لتباع بأسعار منافسة.

 

عقود وقنوات للتصريف

علاء هلال مدير المجموعة العربية للمعارض والمؤتمرات المنظمة للمعرض اعتبر في لقائنا معه أن هذا المعرض هو منحة من سيادة الرئيس لأصحاب المعامل الذين تضرروا على امتداد سنوات الحرب، فكانت المنحة الأولى لهم في الدعم المادي الذي نالوه لترميم معاملهم ومنشآتهم، أما المنحة الثانية فكانت عرض منتجاتهم الأولية في هذا المعرض الذي لم يجمع كل صناعيي حلب، فهناك الكثير من المنتجين الذين لا زالوا في بداية الترميم، وسيلحقون بالركب لإعادة عجلة صناعة حلب إلى الدوران، والعودة إلى منافسة المنتج الأجنبي والاستغناء عن الاستيراد.

هلال تحدث عن استقطاب تجار دمشق لزيارة المعرض والاطلاع على المنتجات المعروضة وإبرام عقود مع المنتجين، وذلك من خلال امتلاك لقاعدة بيانات لجميع شرائح المجتمع، الأمر الذي سهّل استقطاب روّاد يعودون بالفائدة على أصحاب المنتجات المعروضة ذات الجودة العالية والأسعار المنافسة، الأمر الذي حتّم ضرورة استمرار إقامة مثل هذه المعارض وتعميم هذه التجربة باتجاه باقي المحافظات السورية، مع منح كافة التسهيلات، وهو ما لم تبخل غرفة تجارة دمشق بتقديمه لهم، حيث التقت المنتجين الحلبيين وتم إبرام اتفاقيات والاستماع إلى مشاكل الصناعيين وحلّها مع غرفة تجارة حلب، كما قدمت غرفة تجارة حلب للمنتجين هدية بمنحهم سجلاً تجارياً لمدة عام، والإعفاء من رسوم التأمينات لكل المشاركين في المعرض، الأمر الذي سيدعمهم ويساعدهم على استكمال مشاريعهم بطريقة أكثر سلاسة وسهولة؛ حيث فتح هذا المعرض قنوات جيدة لتسويق منتجات الحلبيين، وفق ما أكده محمد أبو الهدى، رئيس مجلس إدارة اتحاد غرف التجارة السورية، في لقاء مع الصناعيين، وما تمتع به هؤلاء المنتجون من روح الابتكار التي لا ينقصها إلا الدعم والتمويل، ليتمكنوا من بناء مشاريعهم التي بدؤوها، والتي شكلت بهذا المعرض بصمة نجاح كبيرة لشباب حلب في أسواق دمشق وحفزهم على معاودة نشاطهم وإنتاجهم، حيث استطاع هؤلاء المنتجون – برأي عامر الحموي، رئيس غرفة تجارة حلب – الانطلاق بإنتاجهم بطريق تحمل الحداثة والتطور وتجمع بين العلم والعمل، متمنياً بأن يصبح لديهم أسواق لمنتجاتهم بجميع المحافظات السورية.

 

منتجات عريقة

عشرات الأجنحة زخرت بأبهى صور، وجمعت بين الصناعات الحلبية التي تعطّرت برائحة الغار لتدل على عراقة المنتج الحلبي وبصمته المميزة التي جذبت آلاف الزوار على مدى خمسة أيام، فمن حلب الشهباء حمل الأخوان جوزيف وجورج مالكي، صاحبا شركة طوبجيان للصناعات التجميلية والعناية بالبشرة، منتجاتهما وعرضاها في “معرض 2020” بعد أن دمر مصنعهما في حلب، وأعادا صناعتهما هذه في ورشة صغيرة على أمل أن تعود منتجاتهما العريقة للتصدير إلى أوروبا كما كانت في السابق، ويجد الأخوان اليوم صعوبة في العثور على موزعين لوجود مواصفات معينة مطلوبة في توزيع منتجاتهما كونها مصنوعة من مواد طبيعية.

ولم يكتف بعض المنتجين بتقديم منتجاتهم السابقة كما كانت، بل ابتكروا أفكاراً جديدة لاستقطاب الوكالات بدمشق والمحافظات، الأمر الذي عملت عليه شركة “لانا” لتعبئة اللحوم من خلال إعادة فرم اللحوم، ووضعها في عبوات تناسب المستهلكين، وإضافة مادة البروتين النباتي، لدعم الفائدة بتخفيف نسبة الكولسترول المؤذي للصحة من جهة، وزيادة القدرة الشرائية من اللحوم من قبل المواطنين ذوي الدخل المحدود، حيث لا يتجاوز كيلو اللحم منها 8000 ليرة.

أما مجموعة شرقي للغذائيات فقد جاءت لعرض الطعام الحلبي في دمشق، ولاقت الإقبال الكبير على عروضها، إذ استطاعت من خلال المعرض التعاقد مع خمسة مطاعم في دمشق وحجز أربع حفلات أيضاً، لتكون بداية مرضية بشكل كبير لها بعد أن دمر مطعمها في منطقة العزيزية بحلب، وتسعى المجموعة اليوم للتوسع في باقي المحافظات بعد انتهاء المعرض.

وفي أول معرض يشارك به المنتج جورج بطيخة، بعد ترميم ورشته لتصنيع المفروشات من أبواب وصالونات وغرف نوم، وغيرها من المفروشات، لاقت منتجاته استقطاب الدمشقيين الذين اعتادوا على شراء الخشبيات ذات الإبداع الحرفي، حيث استطاعت هذه المجموعة عقد اشتراكات مع تجار دمشق، ومنها إلى محافظات أخرى، لكن يبقى المطلوب – برأي بطيخة – المزيد من الدعم، خاصة ما يتعلق بالكهرباء التي يتكلف عليها التجار الكثير لتشغيل معاملهم بواسطة الأمبيرات التي ترهقهم بمبالغ خيالية.

كذلك استطاع محمد سعيد، ومجموعة من شركائه من خريجي كليات الفنون الجميلة، البدء بمشروعهم من موقع بسيط على الإنترنت، حيث كانوا يستغلون موهبتهم في الطباعة على كل المواد والخامات كالخشب والزجاج والقماش وبيعها، ولكنهم لم يكونوا يملكون الآلات اللازمة إلى أن تلقوا الدعم واشتروا آلات خاصة بهم مكنتهم من الاعتماد على أنفسهم بالكامل، مؤكداً أن مشاركتهم بالمعرض مكنتهم من عقد عدة صفقات مع أصحاب محلات في منطقة القصاع والقيميرية، وعقد تفاهمات مع التجار لتوريد بضاعتهم، إضافة إلى أنهم اشتروا منهم مواد خاماً.

أما عمر عبد الوهاب ومهند بلقسلي فقد تفاءلا بالنتائج المهمة التي يمكن أن تتمخض عنها هذه المشاريع الصغيرة والمتوسطة، على اعتبار أنها استطاعت إنتاج وتقديم منتج قابل للبيع والتصدير رغم ما يمارس على سورية من حصار اقتصادي أنهك بنيتها وقلب اقتصادها المتركز في مدينة حلب.

ولعبت التغطية الإعلامية برأي المشاركين دوراً كبيراً في استقطاب الزوار إلى معرضهم والتعرف على منتجاتهم، وبالتالي فتح منفذ تصريف لها في السوق الدمشقية، ومنها إلى باقي الأسواق، حيث استطاع جوزيف فنون من “شركة الأصدقاء” لصناعة الألمنيوم بمشروعه الذي بدأه منذ حوالي العام في تصنيع الفضيات والأحجار الكريمة أن يصل إلى السوق الدمشقية اليوم بتصاميم مبتكرة من جيل جديد نافس بها التصاميم الفنية الموجودة لدى الشركات العالمية، الأمر الذي يتطلب تشجيع ومساعدة الشباب الجديد وتقديم المنح لهم لبناء مشاريعهم الصغيرة والمتوسطة.

 

عاصمة للاقتصاد

المعرض الذي شهد إبداعاً حقيقياً في المنتجات المعروضة ختم فعالياته وسط حضور كبير من الزوار الذين مكنّهم المعرض من الاحتكاك بشكل مباشر مع المنتج الحلبي بعد سنوات انقطاع قسرية، فكان المعرض منصة لمنتجي حلب للتواصل والتشبيك مع رواد الأعمال وتجار الصف الثاني والثالث وخبراء الصناعة على أمل فتح الأسواق، وتوسيع أعمال المنتجين الذين أثبتوا بقدومهم إلى دمشق بأن حلب كانت وستبقى عاصمة سورية الإقتصادية، الأمر الذي أكده السيد الرئيس في لقائه مع المنتجين بقوله: “عندما نلتقي منتجين في هذه الظروف الخاصة القاسية والصعبة التي لم تعشها سورية منذ أيام الاستقلال ففي هذا رسالة خاصة جداً وملأى بالمعاني”.