ثقافةصحيفة البعث

في الذكرى السنوية الأولى لرحيله.. د.محمد قارصلي: حريق اللون.. حريق الروح

حضرت ذكرى المخرج المسرحي والسينمائي د.محمد قارصلي الذي رحل عن عالمنا العام الماضي من خلال الفعالية التي أقيمت في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة مؤخراً بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لرحيله والتي شارك فيها أصدقاء ومحبون له: المخرج المسرحي د.عجاج سليم، الفنان التشكيلي مصطفى علي، المخرجة المسرحية سهير برهوم مديرة المسرح القومي بدمشق، الناقد السينمائي نضال قوشحة، الشاعر توفيق أحمد، الفنان خالد تكلة ومجموعة من طلاب الراحل: زيد الظريف، مريانا حداد، باسم عيسى، ومن عائلته نيال قارصلي وأرملته ناتالي قارصلي التي أهدت المركز الثقافي العربي نسخة من فيلمين له وكتاب “حريق اللون.. حريق الروح” الذي يتضمن نصين مسرحيين للراحل، بالإضافة إلى لوحتين للفنانين الراحلين إقبال ناجي ووليد قارصلي لمديرة المركز رباب أحمد لتعرضهم في المركز.

وعبّرت المداخلات في الفعالية التي أدارها الإعلامي كريم خربوطلي عن الخسارة التي مني بها وسطنا الفني برحيل محمد قارصلي، وعن الافتقاد الكبير الذي يشعر به أصدقاء الدرب أمثال الفنان التشكيلي مصطفى علي الذي تربطه بالراحل صداقة طويلة وقد تحدث عن ذكريات جمعته مع الراحل وما كان يتمتع به من صفات إنسانية وهو الذي ينتمي لعائلة تشكيلية، في حين نوه المخرج المسرحي د.عجاج سليم كيف كانا يهيئان لافتتاح أول قسم للإخراج السينمائي في إحدى الجامعات الخاصة، وقد كان للراحل الفضل الكبير في أن يرى القسم النور اليوم للجهود الكبيرة التي بذلها، معبّراً سليم عن حزنه الشديد لغيابه، وهو افتقده صديقاً ومبدعاً ترك أثراً كبيراً في نفوس محبيه.

 

نهاية تراجيدية

وأشارت المخرجة المسرحية سهير برهوم مديرة المسرح القومي إلى أهم مؤلَّفات الراحل المسرحية كمسرحية “حريق اللون.. حريق الروح” التي أثَّرت بها كثيراً واستوقفتها وأغرتها إلى حد كبير بالعمل عليها كمخرجة، مبينة أن الراحل استخدم فيها النص المسرحي في خدمة التوثيق لحياة الفنان التشكيلي لؤي كيالي، فقدم سيرة ذاتية بصيغة النص المسرحي الملحمي الذي يحمل بين طياته حساسية عالية لدى المؤلف، يعبّر فيه عن موقفه حيال قصة كيالي أو أي فنان يصطدم بالهجوم والتشويه والصدّ والاتهام والتقليل من شأنه من أقرانه في الوسط التشكيلي في بلده، الأمر الذي يجعله يقرر الانسحاب والعزلة، ومن ثم اعتزال الفن، وكل ذلك من خلال لوحات ومَشاهد تتوالى معها محطات بطل ليقوده قدرُه إلى نهاية تراجيدية مؤثرة حين يموت احتراقاً، وتساءلت برهوم: “لا أدري ما الذي دفع الراحل لكتابة هذه المسرحية؟ “لتجيب: “ربما لكونه ينحدر من عائلة تحترف الفن التشكيلي، أو لمعرفته لبطل المسرحية”.

 

المعلّم

ولأن الراحل عُرِفَ بدعمه للشباب وإيمانه بما كانوا يقومون به بيَّنت الفنانة مريانا حداد في تصريحها لـ”البعث” والتي كانت بطلة عمله الأخير مونودراما “خيبانة” أن رحلتها مع الراحل بدأت عام 2017 من خلال دورة الإعداد المسرحي التي أقامتها مديرية المسارح والموسيقا وكان نتاجها عرض بعنوان “ألبوم” قُدّم على مسرح القباني وهو عبارة عن عشرة مشاهد قام المشاركون في الورشة بتأليفها وتمثيلها وإخراجها بإشراف الراحل، ومن خلال هذه الورشة اكتشفت مدى إنسانيته وإيمانه الكبير بالمواهب والهواة الذين لم يبخل عليهم بالمساعدة والمشورة ومدّ يد العون لهم وعدم التأفف من السؤال، مؤكدة أن الراحل كان أكاديمية فنية عملاقة والملجأ الوحيد لهم كشباب للحصول على أية معلومة دون تذمر إلى درجة أن بعض طلابه في المهجر كانوا يرسلون له سيناريوهات ورسائل تخرج للاستشارة، وكان دائماً خير معين لهم، منوهة إلى أن تجربتها الثانية معه كانت من خلال مونودراما “خيبانة” وقد اختارها لهذا العمل بعد أن تعرف عليها في الورشة ولمس ما تمتلكه من طاقة وموهبة، وبعد ذلك ونتيجة لكل الدعم التي تلقته منه شجعها على كتابة نصها المسرحي “سفرجل” بإشرافه، ومن هنا أكدت حداد أن رحيل محمد قارصلي شكَّل خسارة كبيرة لها ولطلابه والهواة، وهو القامة والموسوعة الفنية والتاريخ الكبير، دون أن تخفي أن الهاوي بعد رحيل قارصلي افتقد للملجأ والمرجع الذي لديه لكل سؤال جواب، وخسر اليد التي تمد يد العون له، لذلك ترك رحيلُه غصة في قلوبهم.

وبيَّن الفنان زيد الظريف أن معرفته بالراحل تعود إلى العام 1997 من خلال المسرح العمالي الذي كان شاهداً على مدى اعتناء الراحل بالمسرحيين القادمين من المحافظات ويحارب من أجل منحهم فرصاً مع أبناء العاصمة وحرصه الكبير على تواجدهم طيلة فترة المهرجان في العاصمة ليتسنى لهم التواصل والتفاعل مع كل العروض، منوهاً إلى تجربته كطالب مع الراحل الذي كان أستاذاً في المعهد العالي للفنون المسرحية وتدريسه للطلاب عن طريق الحب وهو الذي كان يعطي بطريقة خارقة لتطوير لطلاب، مشيراً إلى أنه وفي إحدى جلساتهم سأل الراحل عن ماهية وجود الشر في العالم وكيف يمكن محاربته، حينها أجاب الراحل أن الحل هو بتحصين النفس بالمحبة والثقة، فهما خير من يحمي الروح من الشر.

 

جوائز عالمية

ولِدَ د.محمد قارصلي في دمشق عام 1950 وتربى في بيت مليء باللوحات والجمال والثقافة، فوالدته رائدة الفن التشكيلي إقبال ناجي وهي من أوائل الفنانات التشكيليات في سورية، وقد أثرت هذه البيئة الفنية فيه، فتوجه نحو الفن والثقافة، وسافر إلى موسكو لدراسة الإخراج السينمائي، وحاز هناك على درجة الدكتوراه، ثم عاد إلى دمشق واتجه إلى المسرح وأنجز عملاً مسرحياً عام 1990 بعنوان “فجر وغروب فتاة تدعى ياسمين” الذي حاز على أربع جوائز في مهرجان توياما المسرحي الدولي، وتم عرضه في 20 دولة، واتجه قارصلي لتدريس السينما في عدد من الدول العربية، فتوجه إلى مصر ودرّس في لبنان وأسس قسماً خاصاً بالسينما في كلية الفنون المرئية في ليبيا، وتشمل حصيلة أعماله الفنية حوالي مئة فيلم متنوع، منها القصير والمتوسط والطويل والوثائقي، إضافة إلى ثلاثة عشر عرضاً مسرحياً، آخرها مونودراما “خيبانة” الذي كتبه وأخرجه ومسرحية “حصاة الصبر” التي أخرجتها الفنانة إيمان عمر وقُدّمت بعد رحيله، وبعض المسلسلات كـ “أيام الغضب” إضافة إلى كتابته النصوص المسرحية وقد أُنتجت معظم هذه الأعمال، كما حصل الراحل على العديد من الجوائز العالمية، وعدة جوائز في مهرجانات متنوعة مثل مهرجان توياما في اليابان وفيه كُرّم عرضه المسرحي “فجر وغروب فتاة تدعى ياسمين” بأربع جوائز، كما حصل فيلمه القصير “غداً” جائزة أفضل فيلم في آسيا وجائزة ثاني أفضل فيلم في مسابقة الأمم المتحدة للسينما.

 

أمينة عباس