تحقيقاتصحيفة البعث

بحثٌ طبي في الانتربولوجيا الشرعية للتعرف على الرفات البشرية مجهولة الهوية

بحثٌ هو الأول من نوعه في مجال الانتربولوجيا الشرعية وطب الأسنان الشرعي، أنجزه الدكتور ماجد أبو فخر والذي يعدّ أول من يقوم بإجراء أبحاث خاصة بالمجتمع السوري، ووضع ما يُسمّى بالنورم السوري، أي “معادلات خاصة بالمجتمع السوري”، والذي تناول بدايةً في بحث الماجستير كيفيّة معرفة جنس الهيكل العظمي هل هو ذكر أم أنثى؟، معتمداً على مجموعة العظام الموجودة أمامه، من هنا استطاع الدكتور أبو فخر أن يضع مجموعة من المعادلات بعد دراسة عدد كبير من الأسنان والفكوك السفلية مكّنته من التنبؤ بجنس الرفات الموجود أمامه بناءً على الأسنان والعظام فقط، والجديد ببحث الدكتوراه -وفق ما أوضح الدكتور أبو فخر في حديثه لـ”البعث”- ابتكاره لطريقة يستطيع من خلالها ربط كل جمجمة مع صورة شخصيّة، ما سيكون له دور كبير في التعرّف على هوية عشرات الجنود الذين استُشهدوا في المعارك على سبيل المثال، وطبعاً كل هذا سيتمّ وفق مجموعة من المعايير القياسية والزوايا والمخطّطات. أما الأمر الآخر الذي أراد الدكتور أبو فخر توضيحه حتى لا يُحدث التباس فهو وجود طب الأسنان الشرعي في سورية منذ عام 2008 وفق إقامة في مشافي وزارة الصحة التي تخرّج سنوياً طبيب أسنان شرعياً أو اثنين يعملون وفق معايير دولية وهو عمل مهمّ جداً حيث تُبذَل جهودٌ كبيرةٌ. أما ما يميّز عمل الدكتور أبو فخر حسب توضيحه هو أنه خريج جامعي أكاديمي عمل على مجموعة من الأفكار التي تخصّ المجتمع السوري.

مراجع إلكترونية
ويوضح الدكتور أبو فخر أنه شارك بأكثر من ورشة مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر تحت مظلة الهيئة العامة للطب الشرعي، ما مكّنه من الاطلاع على عدد من المراجع الورقية الحديثة جداً التي ساعدته في إنجاز بحثه، إضافة للمراجع الإلكترونية والتي شكّلت دعماً في مجال العمل الأكاديمي وتحصيل المعلومة، أضف إلى ذلك الفائدة الكبيرة من الاحتكاك مع عدد من الخبراء الأجانب من كولومبيا وألمانيا، وهنا لابد من الإشارة إلى أهمية الأبحاث العلمية التي تمّ نشرها من قبل الدكتور أبو فخر في عدد من المجلات الدولية إضافة إلى مجلة جامعة دمشق، حيث وصل عدد منشوراته إلى 11 وهو رقم كبير بالنسبة لطالب دكتوراه، فقد يصل عددها عادة إلى بحثين أو ثلاثة في أحسن الأحوال. وتأتي أهمية هذا الاختصاص وخصوصيته من ندرته حتى في أهم الدول كبريطانيا وأميركا والذي قد لا يتجاوز عدد أصابع اليدين، فمجال عمل الإنتربولوجيا الشرعية وطب الأسنان الشرعي ينحصر بمعرفة من صاحب الهيكل العظمي، أي بعيد عن عمل الطب الشرعي الذي ينحصر بمعرفة الجثة حديثة الوفاة (تقدير عمر الوفاة، الطلق الناري من أين دخل، الدم.. الخ).
الدكتور أبو فخر يرى أن مجال عمله سيكون له دور كبير في قضية حسّاسة جداً ومعقّدة وهي “ملف المفقودين”، ما سيمكّن عدداً كبيراً من الأهالي من أن يتعرفوا على رفات أبنائهم، حيث لا يخفى على أحد أن هذه القضية إنسانية بالدرجة الأولى.

فخر للجامعة
الأستاذ المشرف على رسالة الدكتوراه، الدكتور محمود عبد الحق نائب عميد كلية طب الأسنان للشؤون الإدارية تحدث عن أهمية هذه الرسالة التي تشكّل فخراً لجامعة دمشق، مؤكداً أن هذه الاختصاص هو اختصاص نادر، له أهمية كبيرة في الوضع الراهن، وخاصةً بعد سنوات الإرهاب والحرب التي أدّت إلى اختفاء عدد كبير من السوريين سواء “عسكريين أو مدنيين”، إضافة إلى المقابر الجماعية، ليأتي مبدأ الاستعراف الذي يمكّننا من أن نستعرف على هوية الأشخاص المفقودين، والتي تقوم على طرائق تقليدية متبعة في الطب الشرعي يتخلّلها صعوبة في كثير من الأحيان بالتعرف، لذلك من هنا تأتي أهمية طب الأسنان الشرعي الذي نستطيع عن طريق ما يعرف بـ”العلامات السنية” الاستعراف على هوية الشخص، مضيفاً أن الدكتور ماجد أبو فخر عمل على موضوع إعادة بناء الوجه والذي نبني عليه حتى يصبح مقارباً للشخص الحقيقي، حيث استطاع تحقيق نتائج مهمّة تصل إلى نسبة 25 بالمئة والتي قد يعتبرها البعض نسبة توافق قليلة لكنها بالمقارنة مع الدراسات العالمية التي وصلت فقط إلى 8 بالمئة تعتبر نتيجة كبيرة، ما سيفتح باباً ومنحى جديداً في مجال طب الأسنان الشرعي بكيفية إعادة بناء الوجه وبناء العضلات وتركيب الوجه عن طريق طابعة ثلاثية الأبعاد، لذلك يعتبر ما قدّمه الدكتور أبو فخر من خلال رسالته فائدة تكميلية نوعاً ما لعملية الاستعراف في الطب الشرعي، ما سيكون له دور تأثير كبير مستقبلاً من خلال تطوير ما طُرح، ولنصل إلى نقاط معيّنة تكون نسبة الموثوقية فيها أكبر قد تفوق الـ 60 أو 70 بالمئة وهذا معيار مهمّ جداً في الطب الشرعي، وهنا يؤكد الدكتور عبد الحق ضرورة تشجيع الطلاب على مثل هذه الاختصاصات التي تعتبر مكسباً للوطن.

رفع سوية تصنيف جامعة دمشق
انطلاقاً من الأبحاث التي نشرها الدكتور أبو فخر في عدد من المجلات العالمية، يؤكد الدكتور عبد الحق أن جامعة دمشق تشجّع الطلاب على النشر في المجلات العالمية ما ينعكس إيجاباً على رفع سوية جامعة دمشق، التي تغيّر ترتيبها في العام الماضي إلى نحو 3000، في حين كانت في الفترة السابقة نحو 10000، مشيراً إلى أن عدداً كبيراً من الطلاب كان ينشر في مجلات عالمية من دون توثيق، الأمر الذي تغيّر اليوم.

الطب الشرعي
الرئيس الفخري للطب الشرعي في سورية وأستاذ الطب الشرعي في كلية الطب بجامعة دمشق حسين نوفل، وهو أحد أعضاء لجنة تحكيم رسالة الدكتوراه للدكتور ماجد أبو فخر، بيّن أن أهمية الرسالة تكمن في أن الطب الشرعي يعتمد على أربع قضايا أساسية للتعرّف على هوية الأشخاص المجهولين تتمثّل بأربع بصمات، أولها بصمة الأصابع وبصمة الأسنان واللتان تعتبران الأكثر مصداقية، إضافة لبصمة القزحية وأخيراً بصمة DNA وهي الأقل مصداقية بين البصمات الأربع على عكس ما يعتقد الكثير من الناس. لذلك ما يميّز ما قام به الدكتور أبو فخر هو أنه قام وبناءً على الصورة الشخصية للمفقود بدراسة السماكات الموجودة من النسج الرخوة على الجمجمة التي تشكّل ملامح الشخص، فمن خلال الجمجمة نعيد بناء السماكات لمعرفة الشخص صاحب الجمجمة، وهذا يخدم في البلدان التي لا تمتلك ملفات طبيّة واضحة كبلدان سورية والعراق ولبنان وفلسطين، وكما هو معروف عند موت الإنسان تتفسخ وتتفكك الأنسجة الرخوة لتبقى فقط العظام التي أكثرها بقاءً ومقاومةً الأسنان والتي بدورها تتحمل 3000 درجة حرارة، ومن هنا تأتي خصوصية رسالة الدكتوراه.

لينا عدرة