تحقيقاتصحيفة البعث

الجواميس في سهل الغاب.. تربية بقصد الحفاظ على السلالة وأعداد لا تتجاوز الـ 1000 رأس فقط!

لايزال سهل الغاب يفقد ثرواته الواحدة تلو الأخرى أمام أعين المسؤولين، وعلى الرغم من أن الجواميس تندرجُ ضمن الثروة الحيوانية إلاّ أنّ أهمية الحديث عنها يكمن في تمخضها عن نتائج مهمّة على أكثر من صعيد، سواء الغذائي أو الطاقوي، ولاسيما أن هذين المحورين يكتنفهما الكثير من المنغصات، ومع ذلك تقف تربيتها على حافة الهاوية وتترنّح “الحاضنة” الوحيدة في منطقة شطحة تحت وطأة التقصير والإهمال، في وقت يحاول القائمون على المحطة المحافظة على الـ”كم راس” الباقية “احتراماً” للسلالة السورية، وكأنّ الحلول تسرّبت من بين أصابع المعنيين في “الزراعة”، فالأفق لا يظهر أي نوايا لاستيراد أنواع جديدة أو تحسين الأنواع الباقية، لتبقى الجواميس في تراجع يهدّدها بالانقراض!.

تراجع مخيف
تسعى الحكومات في بلدان العالم لمحاربة الجوار بنوع معيّن من منتجاتها، سواء أكانت زراعية أم حيوانية أو اقتصادية، كما تسعى جاهدة لاستنهاضها، ومعنى الكلام أن لحم الجاموس كان بإمكانه “كسر” سعر اللحوم في السوق المحلية “لو” تمّ العمل على تحسين نوع الجاموس بدل استيراد لحمه من الهند بفترة من الفترات، لكن عقلية المسؤولين رغم كل الدروس التي مررنا بها لم تكن على ما يبدو “معلماً” يستحق التبجيل، وقسْ على ذلك الكثير من المنتجات والمواد التي لسنا بصدد ذكرها الآن كون موضوعنا يبدأ وينتهي بمحطة الجاموس في شطحة، والتي أكد نادر درباس مدير محطة بحوث شطحة أن العدد الموجود للجواميس في سورية لا يتعدى الـ3000 رأس، وهو عدد صغير جداً لا يغطي قرية صغيرة، وفي حماة يتراوح العدد بين 800 و1000 رأس فقط والغاية من تربيته فقط الحفاظ على سلالته واستنباط سلالة حليب بواسطة التحسين الوراثي، وتوزيع الثيران والبكاكير المحسّنة على المربين لتحسين قطعانهم، في حين يتمّ بيع العجول المنسّقة في السوق المحلية وللسورية للتجارة، أما الجدوى الاقتصادية في هذه الحال فهي -بحسب درباس- مجدية كون تربيته أقل من الأبقار ومقاوم للأمراض ومتكيف مع البيئة المحلية، أما حليبها فهو أيضاً قليل لكنه عالي الدسم متوسطه 7,5– 8,5 وناصع البياض، ومرغوب لصناعة الأجبان خاصة الموزاريلا، وهنا يمكن للمعنيين العمل على هذه الجزئية وطرح هذه الجبنة في السوق، وربما كسر الأسعار في ظل غلاء الجبنة الموجودة حالياً.

جهود ضائعة
وعند الحديث عن مواليد الجواميس وكيفية تسجيلها، نلاحظ أنها مشابهة للخيل السوري ببعض النقاط، ما يظهر أهمية المحافظة على السلالة وتحسينها وربما التصدير مستقبلاً. يقول المهندس درباس: الجاموس يلد كل سنة مولوداً، وتُدوّن في سجلات التربية كل الولادات مع رقم المولود وجنسه وتاريخ الولادة ورقم الأم ورقم الأب، وترسل نسخة من هذه البيانات الى إدارة البحوث بشكل شهري، مع وجود لجنة جرد كل ٣ أشهر، إذ قمنا بشراء نواة القطيع 24 رأس إناث و1 ثور من مربي الجاموس، في وقت تمّ العمل على نواة القطيع من حيث الانتخاب الموجّه بالاحتفاظ بالحيوانات الجيدة من حيث إنتاج الحليب واستبعاد الحيوانات ضعيفة الإنتاج.

وأضاف درباس: بلغ متوسط إنتاج القطيع العام الماضي 1118 كغ بمتوسط مدة إدرار 203 أيام وبمعدل 5,25 كغ للرأس الحلوب باليوم، في حين كانت عام 2017 3,4 كغ للرأس، وتراجع النفوق عام 2019 ليصبح بمعدل 4% بعد أن تجاوز الـ10% عند بداية تأسيس المحطة. ومن الأمور التي اجتهدت عليها المحطة إنشاء مغطس للجاموس عام 2018 وسور لفصل المبنى الإداري عن الحقول والحظائر، وعلى اعتبار أن الجاموس حيوان مائي استفسرنا عن كيفية تأمين المياه الضرورية للمحطة والتي تبلغ ثمانية آلاف ليتر يومياً، ومن الضروري التذكير في ظل حديثنا عن المياه أن سهل الغاب يعاني من فاقد مائي كبير رغم الهطولات الغزيرة نتيجة “ضعف الاستراتيجية” وعدم الاستفادة من الهطولات المطرية التي كانت نتيجتها استبعاد عدة محاصيل استراتيجية في السهل، ما يبرّر بالتالي سؤالنا للمهندس درباس الذي بيّن “أن المياه أصبحت متوفرة حالياً”، ما يعني حكماً أن المحطة كانت تعاني من نقص المياه، حيث تمّ –والقول لدرباس- إيصال خط جديد بداية العام الحالي لتفادي المشكلات، وللكهرباء أيضاً مفاعيلها السلبية على الجواميس التي تنشط ليلاً، فهي غير حاضرة ويجري عليها التقنين النظامي المطبّق على المحافظة بأكملها ولا يوجد فيها أي مولدة. وهنا نتوجّه بسؤال لمديرية الطاقة في وزارة الزراعة: لماذا لم يتمّ الاستفادة من روث الجواميس لتوليد غاز الميتان؟ ولماذا لم يتمّ إنشاء لواقط ضوئية بالتعاون مع وزارة الكهرباء أو ألواح كهروضوئية لتوليد الكهرباء للمحطة الوحيدة في سورية؟!.

مستقبل مشؤوم!
وفيما يتعلّق باستيراد أنواع جيدة من الجاموس، يقول مدير المحطة: من الضروري إدخال سلالات متخصّصة بإنتاج الحليب مثل سلالة الموراه التي تعطي حليباً بحدود من ٢٠٠٠ الى ٢٨٠٠ كغ بالموسم، وسلالة السورتي التي تدرّ بحدود ١٨٠٠ إلى ٢٥٠٠ كغ بالموسم، وهما أفضل السلالات من الجاموس لإنتاج الحليب في العالم وبلد المنشأ لها الهند، وحالياً استوردتها معظم البلدان المهتمة بتربية الجاموس، وكون هذه السلالات تعطي حليباً جيداً وتتأقلم مع بيئة منطقتنا فستكون مرغوبة جداً ويُقبل المربون على تربيتها، ما يؤدي لزيادة تربية الجاموس وتوفر منتجاته من الألبان واللحوم بالسوق المحلية وتشغيل أعداد أكبر من اليد العاملة، أسوة بما تمّ عمله فيما يخصّ الأبقار، حيث تمّ إدخال أبقار مستوردة (فريزيان وهولشتاين) ونشرها في سورية لسد فجوة نقص الحليب. ويذكّر درباس بأن معظم الدول المربية للجاموس قامت باستيراد سلالة الموراه والاعتماد عليها في إنتاج الحليب.
وفيما يتعلّق بحال الجاموس ومستقبله، قال المهندس درباس: لا يوجد محطة للجاموس في الجزيرة، إنما يوجد مربون على ضفاف الخابور ودجلة، وأعداده في سورية بدأت تتناقص منذ بداية الأزمة بسبب نزوح وهجرة قسم كبير من المربين، وبسبب غلاء الأعلاف وقلة المراعي وقلة الدعم للمربين، لكن إذا تمّ استيراد السلالات التي ذكرناها إضافة للمحافظة على العرق الموجود، أظن بل أؤكد أن تربية الجاموس ستنتشر بمنطقة الغاب ومعظم محافظات القطر، كما يتوجّب دعم المربين بالقروض وتوزيع الأعلاف المدعومة حتى تتوسّع تربية الجاموس.

وعن أسعاره مقارنة بالأبقار، قال درباس: سعر ذكر الجاموس أقل بحدود 10 إلى 20% من سعر ذكر البقر كونه أقل دسماً لكنه أكثر فائدة، أما الإناث فيقدّر سعرها حسب وزنها وشكلها وإنتاجيتها وعمرها من الحليب، يعني الجاموسة البالغة الحلوب تصل إلى نحو ٢ مليون ليرة.
أحد المربين الخاصين (ضاحي شاهين) كان له رأي –رغم اختصاره للحديث- مختلف، إذ اعتبره حيواناً منتجاً جداً في منطقة سهل الغاب، وفصيلة الجاموس منتجة للحليب والألبان واللحوم وهي من أجود وأطيب المنتجات ولا يمكن الاستغناء عنها.

للعلم
في ظلّ ما نعيشه من أزمات يومية، يتوجّب استغلال أي موضوع –مهما صغر- تكون نتائجه إيجابية، فسهل الغاب “هولندا” كما يُطلق عليه، والجواميس كنز يجب الحفاظ عليها لتكون ورقة رابحة، حيث يمكن الاستفادة من روثها للطاقات المتجدّدة ومن جودة لحمها ودسم حليبها لسدّ النقص في السوق المحلية، وهذا لن يحصل إذا أدار المسؤولون ظهورهم لحاجة الجاموس من تحسين نوعيته عبر الاستيراد وتأمين الأعلاف الجيدة والوقوف بجدية عند مطالب مربيه.

نجوى عيدة