اقتصادصحيفة البعث

عيب إداري كبير..؟!

قسيم دحدل

يكاد لا “ينفد” مواطننا، خاصة ممن له معاملات أو احتياجات مستندية أو خدمات مختلفة في الجهات الحكومية، من تعرّضه لنوع من التنمر مصدره الموظف الحكومي في هذا المفصل الإداري أو ذاك!.

ولو أجرينا استطلاعاً حول مثل تلك الحوادث أو المواقف المستفزة للمشاعر والمتجاوزة لحدود الواجب من اللباقة والمسؤولية والمهام الوظيفية التي يجب أن يتحلَّى بها الموظف مهما كانت مرتبته، لكان هناك الكثير من القصص التي ظاهرها تنمر، وباطنها غايات شخصية انتفاعية غير مشروعة!.

وغني عن البيان أن مثل تلك السلوكيات الشاذة وظيفياً وقانونياً التي تندرج تحت نعت التنمر المشين على المواطن، والاعتداء على كرامته وحقوقه، تعد ظاهرة شائعة بين الموظفين، حيث تتعدد العبارات المُبطنة الدالة على تنمر كـ: “رجاع بكرا، انتهى الدوام، المعاملة ناقصة، هناك خطأ، الموظف الذي معه الختم إجازة، ما في كهرباء، وو…)، إلى ما هناك من أساليب تنمر وظيفي أصبحت تزداد حدة ووضوحاً بشكل مستغرب!

تلك الممارسات بما تحمله من استحكام وغير ذلك تكاد تكون تقليداً وظيفياً، إذ لا يوجد مواطن لم يتعرّض لمثل هذا التنمر في إحدى دوائر الدولة، حتى على أهل القانون أنفسهم، كما أكد لنا عدد من المحامين الذين – على حد قولهم – يتعرّضون لهذا التنمر بشكل دائم في دوائر الطابو والمالية، وحتى من بعض موظفي المحاكم أيضاً!.

ماذا يقول القانون في هذا الشأن؟ يقول: إن هذا السلوك المعتاد والقديم الذي يعاني منه المواطن في دوائر الدولة يعكس عيباً إدارياً كبيراً، وهو فشل نظام تأديب الموظف العام، فلو كان لدينا نظام تأديبي فعّال يقتصّ من الموظف المتنمر ويردعهم لما تفشت هذه الظاهرة في الجهاز الإداري للدولة وأصبحت تقليداً معتاداً!.

هذا ما يؤكده الدكتور سليمان الطماوي أحد أكبر علماء القانون الإداري قائلاً: “إن التأديب يستهدف في الحقيقة كشف العيوب في البناء الإداري تمهيداً لإصلاحه بما يمنع ارتكاب المخالفات مستقبلاً، ولهذا فإن الأحكام التأديبية تعتبر معيناً خصباً لتوجيه الإدارة”.

ويتابع مبيّناً: “النظام التأديبي لا يستهدف العقاب في ذاته، بل هو ضمان سير المرفق العام بانتظام واطراد، وبالتالي فإن النظام التأديبي السليم لا يكتفي بمجرد التأكد من قيام المخالفة التأديبية لعقاب مرتكبها، وإنما يتعدى ذلك إلى بحث الأسباب التي جعلت ارتكاب المخالفة أمراً ممكناً”، (الطماوي، قضاء التأديب، ط1979، ص7 و28).

وعليه يطالب القانونيون كما نطالب بعدم الاكتفاء بتأديب “الموظف المتنمر” ومعاقبته، بل الخلاص من هذه الظاهرة نهائياً، حفاظاً على كرامة المواطن ووقته الثمين وماله وحقوقه أيضاً، وهذا أحد متطلبات الإصلاح الكلي لثوب الجهاز الحكومي.

Qassim1965@gmail.com