اقتصادسلايد الجريدةصحيفة البعث

“التأمين الصحي” ليس له من اسمه نصيب.. والضحية المؤمّن لهم وخزينتنا العامة!

قسيم دحدل

رغم اكتشافها إصابة رحمها بالسرطان، وما استتبعها من حالة نفسيّة محزنة، وهمّ وضغط مادي نتيجة للحالة المعيشية وضعف الدخل، وعلى الرغم من أنها أمٌّ موظفة ومشملة بالتأمين الصحي، لكن هذه الحالة الإنسانية والمرضية والتأمينية، لم تشفع لها، حين أرادت إجراء ما يستلزم في وضع كهذا!.

بدأت معاناتها مع الطبيب الأول، الذي كان متعاقداً مع شركة التأمين نفسها المُتعاقدة معها المريضة، لكنه غير متعاقد مع المشفى الذي دخلته بحالة إسعافية لإجراء عملية تجريف الرحم نتيجة لحدوث نزف. المشكلة أن الطبيب لم يكشف عن تكلفة العملية، عندما أرادت المريضة معرفة ذلك، مدعياً عدم علمه بها، مُحيلاً إياها للمشفى الذي بدوره وبعد مناقشة أعطاها رقمين ما بين كذا وكذا، رغم أن العملية محدّدة بدقة!.

أجرت المريضةُ العملية ودفعت المبلغ الأعلى، والذي كان أكثر تكلفةً مما تستحقه العملية، حيث التسعير كيفياً في ظل استمرار غياب أية رقابة ومحاسبة من قبل وزارة الصحة. وكما حدث مع المريضة بالنسبة للعملية، حدث معها كذلك مع مخبر التحليل التشريحي للعينة، الذي قال إنه غير متعاقد مع شركة التأمين المُؤمّنة للمريضة فيها، ليتضح بعد هذا أن المخبر متعاقد!!.

المشافي تمتنع..؟

ظهرت نتيجة العينة، مؤكدة إصابة المؤمّن لها بسرطان الرحم، ليعاد سيناريو المعاناة، حيث اتصلت المريضة بشركة التأمين لتحدّد لها المشفي المتعاقد معها، ويكون الطبيب أيضاً متعاقداً معها. وفعلاً وبعد يوم حدّدت الشركة أحد المشافي المتعاقد معها ومع الطبيب نفسه في آن معاً، ونظراً للحالة الحرجة للمريضة المؤمّن لها، توجّهت على وجه السرعة للمشفى (الراقي)، وقدّمت إضبارتها للقبول، لكنها قبلاً حاولت معرفة تكلفة العملية وهي استئصال الرحم كاملاً، إلاَّ أن إدارة المشفى امتنعت أيضاً عن إعطاء أي رقم لكلفة العملية، كما امتنع -قبل ذلك- الطبيب المتعاقد عن إعطاء أي رقم ولو استرشادي للمؤمّن لها، حتى لا يقع في ورطة حين تخريجها من المشفى بعد العملية، لأن المؤمّن لها ستدفع هي المبلغ (كاش) لا الشركة نتيجة للحالة الإسعافية، ليصار بعد ذلك إلى تحصيل جزء من التكاليف وفق تعليمات وإجراءات ما يُطلق عليه تأمينياً: “إعادة تسديد”؟!.

(خورفة) مهولة!

وخوفاً من (الخورفة) التي سيعمد إليها المشفى وتدفع المريضة المؤمّن لها ما لا يُحتمل من مال ولا يستند إلى أي مرجعية تسعيرية، وفق ما أكد مدير شركة التأمين للمريضة وللمؤسّسة العامة للتأمين، إذ قال وبالحرف الواحد: إن المشفى لا يكشف عن الكلفة حتى لشركته المتعاقد معها، وأنه يعمد إلى (خورفة) المرضى بشكل مهول!!. في ظلّ وضع متفلّت كهذا، اضطرت المريضة المؤمّن لها لإجراء العملية في مشفى آخر وعند طبيب آخر معلومي الأجر.

تهرب من الضريبة!

هذا هو الجزء الأول من “رحلة” المعاناة للمؤمّن لها، وهي للعلم ليست حالة فردية، بل هناك العديد من الحالات المماثلة التي تحدث يومياً، وسَوْقُنا لهذه الحادثة، هو من باب المثال لا الحصر، لبيان واقع التأمين الصحي المتهالك، وعذابات المؤمّن لهم مع المشافي وكافة مقدّمي الخدمات الطبية على حدّ سواء!.

أما الجزء الآخر فنسلّط الضوء عليه، وملخصه يتمثّل بعدم قدرة المريض/ة المؤمّن له/ لها، في الحصول على ما هو حق له ولشركة التأمين والمؤسسة العامة للتأمين، الحق في الحصول على ما يثبت تسديده المبلغ للمشفى، حيث ترفض إدارات المشافي إعطاء (وصل قبض وفاتورة معاً)، وتكتفي بإعطاء أحدهما، خوفاً وتهرباً من الضريبة! وفق ما أكده لـ”البعث” مصدر تأميني مسؤول، حيث يلجأ عدد من المشافي إلى هذا الأمر تهرباً من دفع المستحقات الضريبية الحقيقية لوزارة المالية، التي هي الأخرى تغضّ الطرف عما يحدث!!.

تعمدُ مشافينا إلى كلّ ما تقدّم وغيره من موبقات المخالفات الصريحة، رغم وجود القوانين الضابطة والملزمة لها، ومع ذلك لا تزال هذه الحال مستمرة، رغم اعتراض (التأمين) عليها، ومطالبتها بضبط هذه القضية، والمراقبة والمحاسبة عليها.

شبهات وفساد!

رغم ذلك ورغم المطالب، فليس هناك بعد في سورية ما يُسمّى تصنيف المشافي؟!، وحتى ليس هناك أي تسعير لخدماتها؟، الأمر الذي ينبغي ألا يتمّ السكوت عنه مطلقاً، وقد حان الوقت لوضع حدّ لهذه المهزلة الاستشفائية والمالية والرقابية، فالمشافي خاصةً ومقدّمو الخدمات الطبية عامةً يراكمون الثروات على حساب صحتنا وجيوبنا وخزينتنا العامة، وضع يشي بكثير من الشبهات والفساد، لا نُلام إن جزمنا أن ما يتمّ متفق عليه!!.

Qassim19065@gmail.com