الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

البعد الانتمائي والعاطفي في “خرائط الرجوع”

منذ البداية يبدأ الحدث.. العنوان “خرائط الرجوع” يبدو الانفعال الوجداني منذ الصفحة الأولى أي منذ الغلاف فهو قرار يتصاعد مع الخط البياني الذي جاء عفويا وأرادته الكاتبة، إنه الرجوع وهي تقصد بالتأكيد عودة كل من ترك أرضه وترابه فهو لا بد أنه سيرجع فالمعنى له أكثر من بناء وأكثر من أساس، فالخرائط هي مجمل التفكير والمخططات والقرارات في العزم على العودة، وواضح أن الكاتبة ميسون صالح عيسى في مجموعتها القصصية وهي باكورة أعمالها جاءت مندفعة إلى الأوراق البيضاء دون أي قصد، فالحالة عفوية وإن كانت تقدم تفاسير مختلفة في تلك المضامين التي تحافظ على مستولى عاطفي واحد، فالواقع يدل على أن الكاتبة تريد التحرر من أي شيء يسيء لوطنها ورفضه بالكامل.

في القصة التي حملت اسم المجموعة والتي تستنكر فيها الكاتبة ما حل بجمال ريف القنيطرة وما حصل من متغيرات تؤدي خلال تحولاتها العاطفية دورا يمثل كل الأهالي الذين عصفت بهم جائحة الطغيان والاحتلال وتخريب الأرض، والمتغيرات التي طالت الوطن الجميل فاضطر كثير من أبنائه لتركه على أمل يرتكز على قرار بالعودة إليه.

هكذا أدت الكاتبة واجبها في تعبئة قصتها بما تريده دون أن تتخلى عن أي أساس من أساسات القص، ودون أن تسمح لأي تدخل حداثوي بالإنقاص من هيبة تداعي القصة وتحولاتها، ولا يختلف الأمر أبدا في كتابة قصة حجر الملح التي صورت فيها البيئة وقدمت إبداعاً نصياً في تناولها لحجر الملح كاستعارة بلاغية وصلت من خلالها إلى مغازلة الضوء وقمم الجبال والينابيع والوصول إلى جذوع الأشجار لتكتب لمستقبل لا تدرك مداه، وفيض قناعاتها بعدم القبول بالآخر كمحتل من خلال قص لم يتشوه أبداً ولم يتراجع عن إدراكاته بمقتضيات الحياة وهذا وجدناه في من يرتقي هذا العالم المتهرئ، وإبحار الكاتبة في خيال لم تلوثه شائبة، ولم يخفف من شأن تفكيرها والاعتماد على التعب باقتناص الرؤى التي تنمي رؤيتها ككاتبة وهذا لمسناه في قصة “تحية لقائد الكتيبة” التي تقدم علائم العلاقات البنيوية بين الأب والابن وكيف يصلان إلى منطق آخر يتجسد فيه حب الوطن، ثم تتكشف ظواهر الحنين عند بطلة القصة وتتطور لتجسد حب الشام وما فيها من رموز وجماليات وقيم أخلاقية، لنصل في النتيجة إلى موهبة قدمت إلى العربية توثيقاً أدبيا شائقاً لمرحلة غير عادية، وكذلك سائر قصص المجموعة التي تعد من أهم ما كتب في وقتنا الراهن في مواجهة الشر والعدوان والطغيان.

نبوغ أسعد