مجلة البعث الأسبوعية

وسائل الإعلام الغربية المهيمنة.. تاريخ من التضليل وتسويق الأكاذيب لخدمة مشاريع توسعية

“البعث الأسبوعية” ــ علي اليوسف

منذ انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الحصيف والمتزن يتعرض للهجوم، ويتم تطبيق الرقابة عليه بشكل كبير.. أكثر من ذلك، تم تحذير القراء على وسائل التواصل الاجتماعي من الذهاب إلى مواقع معينة، حتى بات أولئك الذين يقولون الحقيقة في الإعلام الرسمي يوصفون بـ “منظري المؤامرة”. وعلى سبيل المثال، فيما يتعلق بأزمة كورونا، شاركت وسائل التواصل الاجتماعي في الحفاظ على حملة التخويف في جميع أنحاء العالم، وتم طرد العديد من الأطباء الذين تحدثوا ضد الرواية الرسمية للفيروس، وقيدت الكثير من المواقع الالكترونية على أنها مصدر للمعلومات المضللة، وبذلك باتت وسائل التواصل الاجتماعي تشارك في قلب الحقائق، و”تهندس” الأخبار الكاذبة بحسابات مغفلة من أجل تحويل الكذب أو التضليل إلى حقيقة، يشاركها في هذا التضليل الإعلامي وسائل إعلام رئيسية وازنة من بين أهم أدواتها لتحويل الكذبة إلى حقيقة، وأحد مجالات التشويه هو استخدام مقاطع الفيديو والصور المزيفة.

 

التغطية الغربية للأزمة السورية

الحرب الإعلامية ليست حديثة، فقد شرح القادة الأمريكيون في سبعينيات القرن الماضي بأن سبب خسارة حربهم في فيتنام كان سوء استخدامهم لوسائل الإعلام، وعليه، وفي عام 1980، تم تدشين أول قناة إعلامية، اضطلعت بهذا الدور، وهي قناة سي إن إن الأمريكية.

ومنذ ذاك الوقت، سخرت الدول الغربية بقيادة أمريكية قواها الإعلامية لخدمة مشاريعها التوسعية، وسلطت أبواق فضائياتها لخلق ظروف سياسية مواتية لاستمرار نفوذها، وكلفت مؤسسات البحث العلمي والدراسات الإستراتيجية لتوفير معلومات استخباراتية وافية؛ ولهذا أنشئت “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية”، و”الصندوق الوطني للديمقراطية”، ومؤسسة “فريدوم هاس” للقيام بعمليات البحث عن فئات متعطشة عنيفة من الشباب لتأطيرهم وتمويلهم وتوجيههم وتغيير مواقفهم السياسية، وملأت عقولهم بنظريات التكفير والجهاد، وحوَّلت عملياتهم الإرهابية، إلى عمليات استشهادية تقام لها الأفراح، وروجت عبر الفيسبوك والواتساب للمراهقين بأن الحوريات والغلمان بانتظارهم في الجنة.

وجنّدت هذه الفضائيات أفضل خبراء الإعلام وعلم الاجتماع وعلم النفس لإدارتها بالشكل المرسوم لها، وأعطيت الضوء الأخضر لدعم جماعات “القاعدة والنصرة وداعش”. وحظي تنظيما “القاعدة”، و”الإخوان المسلمين” بتغطيات تلفزيونية واسعة، وخصصت ساعات طويلة من البث غير محددة، لنشر أفكارهم التكفيرية بين الشباب، وتضخيم وتبرير عملياتهم التدميرية.

قادت فضائية “الجزيرة” القطرية الاحتجاجات والتمرد والقتل والتدمير، منذ العام 2011، حربا إعلامية تضليلية في التعاطي مع الأزمة السورية. ولم يقتصر عملها على توفير “الزخم” الإعلامي، بل تخطته من المشاهدة إلى المشاركة في صنع الأحداث، وإلى توجيه المحتجين والمتظاهرين. لقد تم بناء مجسمات عمرانية مزيفة تشبه مبان معينة في سورية، وتمثيل أحداث تعطي الانطباع بأن ما يجري مشاهدته، يحدث في سورية، بهدف إثارة الرأي العام وتأجيج الصراعات الداخلية. وتم عرض الأطفال الملقيين في شوارع تشبه أماكن في سورية بتناسق وترتيب أبهر الجميع، واستخدام الأطفال بالتحديد كان لإثارة الرأي العام العالمي، وإعطاء ذريعة للولايات المتحدة للبدء بالعدوان على سورية.

 

تغطية بي بي سي للحرب على ليبيا 2011

بثت الـ بي بي سي من الساحة الخضراء في طرابلس مقاطع لليبيين يحتفلون بـ “التحرير” وانتصار الثوار على القذافي، وهم يلوحون بأعلام الهند، وبفحص اللقطات تبين أنها ليست الساحة الخضراء، وليست علم الملك إدريس (الأحمر والأسود والأخضر).. إنه العلم الهندي (البرتقالي والأبيض والأخضر)، والمشاركون في المسيرة هم من الهنود.

ربما لم يلاحظ أحد ذلك، لكن للأسف هذا هو نوع من أنواع صحافة الأكاذيب والافتراءات. لقد بثت القناة مقاطع للإرهابيين – يُطلق عليهم لقب “المحررين” – يحتفلون في “الساحة الخضراء”. في الحقيقة لم يكن هناك احتفال، كان ذلك مجزرة أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف، وهذه الحقيقة لا يمكن أن تظهر على شبكة التلفزيون، فقد تم التعتيم على آثار القصف.

يهدف قصف الناتو إلى “إنقاذ أرواح المدنيين” بموجب تفويض مسؤولية الحماية من الحلف، لكن الحقائق غير ذلك فالمدنيون يتعرضون لإرهاب المتمردين المدعومين من الناتو. ولتبييض صورة الناتو يتم استبدال الموت والدمار بصور مفبركة للاحتفال والتحرير.

 

تغطية الـ سي إن إن للصين ــ آذار 2008

يعتبر التلاعب بمقاطع الفيديو والصور أمراً روتينياً، غير أنه في بعض الحالات، يتم الكشف عن هذا التلاعب من قبل القراء ووسائل الإعلام المستقلة ووسائل التواصل الاجتماعي، لكن في معظم الحالات لا يتم اكتشافه. وعندما يتم الكشف عنه، ستقول وسائل الإعلام: “نعتذر”، وستشير بعد ذلك إلى أخطاء فنية، أو “حصلنا على الفيديو الخطأ”.

في الحقيقة، ما يجب التأكيد عليه هو أن هذا التلاعب الإعلامي دائماً ما يكون متعمداً. على سبيل المثال، في تغطية سي إن إن، آذار 2008، لأعمال الشغب في التبت، ظهر رجال شرطة صينيون بزي كاكي وشوارب على الطراز الهندي. ولقطات الفيديو، التي رافقت تقرير جون فوس لعام 2008 لشبكة سي إن إن، لم تكن لها علاقة لها بالصين. لم يكونوا رجال شرطة صينيين، بل هنوداً يرتدون الزي الكاكي لولاية هيماشال براديش الشمالية الشرقية في الهند.

 

سي إن إن و بي بي سي في أحداث أيلول

تتعلق أكثر الأكاذيب بشاعة بإعلان بي بي سي، وسي إن إن بعد ظهر يوم 11 أيلول، أن المبنى السابع لمركز التجارة العالمي قد انهار. تم نشر تقرير بي بي سي في الساعة 5.00 مساءً، قبل 21 دقيقة من حدوث الانهيار الفعلي، ما يشير إلى المعرفة المسبقة بالانهيار. كما أعلن مذيع “سي إن إن”، آرون براون، أن المبنى: “إما انهار أو ينهار” قبل حوالي ساعة من وقوع الحدث.

كان آرون براون يتمايل إلى اليسار واليمين من أجل فهم ما يراه بعد دقيقة واحدة من إعلانه أن مبنى مركز التجارة العالمي رقم 7، الذي تظهر واجهته المنتصبة بوضوح من وجهة نظره تجاه مركز التجارة، انهار أو ينهار.

 

هجمات بروكسل ــ آذار 2016

استخدمت وسائل الإعلام البلجيكية فيديو لهجوم إرهابي في مطار موسكو قبل خمسة أعوام من الهجوم. كان مقطع الفيديو المنشور مزيفاً، كما تم توثيقه من خلال مدونة على موقع ميديا بارت الفرنسي للصحافة الاستقصائية. ويتعلق الفيديو بهجوم إرهابي في مطار دوموديدوفو بموسكو، في 24 كانون الثاني 2011 (تم نشره على موقع يوتيوب في تشرين الثاني 2013).

ووفقاً لتقرير البي بي سي (24 كانون الثاني 2011) الذي يتضمن الفيديو، فقد أسفر هجوم مطار موسكو 2011 عن مقتل 35 شخصاً.

وللصدفة في اليوم نفسه، كان هناك فيديو مراقبة وهمي ثانٍ في محطة مترو ميلبيك في بروكسل. تم الإبلاغ عن الهجوم الإرهابي الذي وقع، بعد ظهر يوم 22 آذار 2016، في محطة مترو بروكسل ملبيك من قبل وسائل الإعلام الرئيسية بما في ذلك سي إن إن. وفي تلك التقارير، تم استخدام لقطات فيديو من هجوم إرهابي عام 2011 في مينسك، بيلاروسيا من قبل شبكة التلفزيون ووسائل الإعلام عبر الإنترنت لوصف ما كان يحدث في محطة المترو وقت الهجمات.

ووفقا للإندبندنت: “ثبت أن لقطات الدوائر التلفزيونية المغلقة التي تمت مشاركتها بعد هجمات بروكسل، والتي يعتقد أنها تظهر فيديو من داخل محطة مترو مالبيك، مزيفة”.

ومع ورود أنباء عن الانفجار الثالث في العاصمة البلجيكية، والذي استهدف المحطة الواقعة بالقرب من مكاتب الاتحاد الأوروبي، بدأ الكثيرون مشاركة ما يعتقدون أنه لقطات عن التفجير. ومع ذلك، سرعان ما تم اكتشاف أن الفيديو جاء في الواقع من تفجير مترو مينسك عام 2011 الذي أسفر عن مقتل 15 شخصاً وإصابة أكثر من 200 آخرين.

كانت وسائل الإعلام الرئيسية هي التي نشرت لقطات فيديو موسكو ومينسك، ولكن بفضل تقارير مدونات وسائل التواصل الاجتماعي، تم الكشف عن استخدام مقاطع فيديو مزيفة من قبل وسائل الإعلام الرئيسية.

 

خاتمة

“هي حلقة مخجلة جداً في تاريخ الإعلام الأميركي”، هكذا قال ستيفن كينزر- الصحافي والأكاديمي الأمريكي – في حديثه عن حجم التضليل الذي تعتمده وسائل الإعلام الأمريكية في كل ما يتعلق بالأزمة السورية، مؤكداً أن ما يجري حقيقة على الأرض لا ينسجم مع رواية واشنطن، وبالتالي فإن جزءاً كبيراً من الصحافة الأمريكية يذكر عكس ما يحدث فعلياً في سورية.

كما وجّه انتقاداً إلى الصحفيين المقيمين في واشنطن، والذين يروّجون لتنظيم “جبهة النصرة” على أنه مكون من “ثوار” أو “معتدلين”، وليس فرعاً لتنظيم “القاعدة” في سورية، وتصوير مملكة آل سعود على أنها تساعد “المقاتلين من أجل الحرية”، بينما هي الراعي الرئيس لتنظيم “داعش” الإرهابي. وأشار كينزر إلى أن الإعلام، الذي يرزح تحت ضغوط مالية ضخمة، اضطر لتقليص عدد مراسليه الخارجيين الميدانيين، لذا اكتفى صحافيو واشنطن بتأكيد أخبارهم من مصادر في “الخارجية والدفاع والبيت الأبيض ومتخصصين”، وظنّوا أنهم يقدمون تغطية متكاملة بهذه الطريقة، بينما هم بعيدون كل البعد عن أرض الواقع.