زواياصحيفة البعث

ليبيا.. الحل ليس بالاجتماعات والمؤتمرات  

سنان حسن

على الرغم من زحمة الاجتماعات والملتقيات والمؤتمرات التي يعقدها طرفا النزاع في ليبيا “دستورية وسياسية وعسكرية” في مدن وعواصم العالم برعاية أممية، إلا أن المعطيات والوقائع في أعقاب انتهاء كل منها تؤكّد أن الحل لإيقاف الحرب المستمرة منذ 2011 مازال بعيداً وصعب المنال في ظل سيطرة وهيمنة قوى الإرهاب والتطرف، المتمثلة بتنظيم الإخوان الإرهابي، على المشهد السياسي، بدعم ومساندة من النظام التركي، وغض طرف واضح من بعثة الأمم المتحدة لأفعالهم وسياستهم التخريبية، إن لم نقل محاباة ومحاولة تمكينهم من جديد بالمشهد الليبي، والسؤال المطروح: لماذا الإصرار على عقد اللقاءات المتنقلة، وما هي الغاية الفعلية طالما أن الحل مازال مفقوداً؟.

مع بداية العام الجاري استضافت العاصمة الألمانية برلين مؤتمراً موسعاً لحل الأزمة الليبية، خلص في نهايته إلى الاتفاق على جملة من القرارات والتوصيات تحت مسمى مخرجات مؤتمر برلين، اعتمدها مجلس الأمن الدولي بالقرار 2510، مع الدعوة إلى وقف إطلاق النار من جميع الأطراف، وفيما البعض اعتقد أن الوضع إلى التهدئة والحل قامت مليشيا الوفاق، المدعومة من نظام أردوغان وبتغاضي من الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا وإيطاليا وألمانيا، بهجوم كبير على العاصمة طرابلس واستولت على عدة مدن، قبل أن تتوقّف عند خط سرت والجفرة.. وكأن الغاية حينها كان تمكين الإخوان في ليبيا من الوجود في أي حل سياسي قادم، فتحرير العاصمة طرابلس من قبل الجيش الليبي والقضاء على المرتزقة الإرهابيين يعني أن أي فرصة لجلوسهم على طاولة المفاوضات معدومة، وبالتالي في ظل الوضع الميداني الجديد باتت الوقائع تفرض حلاً سياسياً يكون تنظيم الإخوان طرفاً رئيسياً فيه، وهنا بدأت المرحلة الثانية.

وشكّلت اجتماعات بوزنيقة المغربية فسحة أمل في جدار الصراع الليبي، من حيث لقاء الأطراف الليبية وجهاً لوجه بعد انقطاع طويل، وما نتج عنها من تفاهمات اعتبرت مهمة ومتقدمة، ثم جاء اجتماع اللجنة العسكرية في جنيف 5+5 ليعلن وقف إطلاق النار على كامل الأراضي الليبية، وليأتي بعدها اجتماع تونس للحوار السياسي، الذي كان من المفترض أن يكون المفتاح للتوافق على أسماء المرشحين على تولي المناصب الجديدة في المرحلة الانتقالية قبل الانتخابات المقررة في 24 كانون الأول المقبل، ولكن مرة أخرى تدخل تنظيم الإخوان، بما يمثله في الحوار من شخصيات، وعطّل الاتفاق باتفاق ضمني مع البعثة الأممية، التي وبدلاً من أن تستجيب لدعوات أعضاء الحوار لتمديد الجلسات، قطعت الحوار وانتقلت إلى سرت لبحث الترتيبات العسكرية بخصوص أمن المنشآت النفطية، وهنا بيت القصيد، فالحل السياسي والعسكري كله، المدعوم غربياً وتركياً، يخدم فقرة وحيدة هو اقتسام النفط الليبي، الذي حظي بمتابعة دقيقة من كل السفارات الموجودة على الأرض الليبية، وعلّقت جميعها على استئناف الانتاج النفطي وعلى أي حدث ممكن أن تتعرّض هذه العملية: بيان السفارات الفرنسية والألمانية والأمريكية والإيطالية والبريطانية في أعقاب الهجوم على مقر المؤسسة الوطنية من قبل المليشيات والمرتزقة دليل على ذلك.

إذن، الهدف منذ البداية ليس الديمقراطية وتحقيق الاستقرار والوصول إلى حل سياسي ينهي الحرب المستعرة وإنما تقاسم الثروات الليبية، ولاسيما الغازية والنفطية، طبعاً بالتوافق والتنسيق مع الذراع الإرهابية الإخوان، وبالتالي فإن الحديث المفرط اليوم عن حل سياسي للأزمة الليبية في الأفق القريب في ظل الاجتماعات المتتالية يعتمد في النهاية على توافق الدول المتداخلة في الشأن الليبي على تقاسم الغنائم وليس على توافق الليبيين، فالليبيون الذين سلمّوا زمام أمورهم للعواصم والسفارات ما عليهم في النهاية إلا انتظار الإشارة للتوقيع على نص الاتفاق والجلوس على كراسي السلطة، ودون ذلك فإن الحل بعيد المنال.