دراسات

العلاقة بين المجتمع العسكري والمدني في الولايات المتحدة الأمريكية

هيفاء علي

أكد الجنرال دومينيك ديلاواردي، رئيس سابق لفرع استخبارات الحرب الإلكترونية في الجيش الفرنسي، في مقال له عن العلاقات بين المجتمع العسكري والمدني في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي يتمّ تنفيذها من وجهة نظره في إطار مجتمعي محدّد للغاية، أن هناك أربعة مكونات لهذا الإطار يلخصها على النحو الآتي:
أولاً: تكييف طلاب المدارس منذ سن مبكرة، وبشكل يومي، مع القيم الوطنية والقومية والمكانة الفريدة في العالم لـما يزعمون أنها “أمريكا العظيمة”. فمن الواضح أن الجيوش تعتبر من المصادر الرئيسية لهذه “العظمة”. وفي حين أن التزام الجيش لأسباب مشكوك فيها أحياناً يكون محلّ خلاف، فإن السياسيين وليس الجيش هم من يدفعون الثمن، لذلك أصبح الدعم الكامل للجيوش “ثقافياً”.
ثانياً: هناك أقوى أربع جماعات ضغط في البلاد تمارس نفوذها، من باب المصلحة، لمصلحة القوات المسلحة، وهي: اللوبي الصناعي العسكري، ولوبي المحاربين القدامى، والرابطة الوطنية للبنادق، إضافة إلى تيار المحافظين الجدد المدعوم من لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC) التي تدعو إلى هيمنة أمريكية بلا منازع على هذا العالم، وتدعم التدخلات العسكرية الأحادية التي تعتبر ضرورية لتحقيق ذلك. مع الإشارة إلى أن منظمة “ايباك” أو المحافظين الجدد يسيطرون على التمويل والإعلام وغوغل، وفيسبوك، وأمازون، ومايكروسوفت وهوليوود و”الشعوب” والعديد من السياسيين الذين يمولون انتخاباتهم.

ثالثاً: مفعول “الحرس الوطني” الذي يشكّل جزءاً لا يتجزأ من الجيوش، وهو متجذّر بعمق في سكان كل دولة يعتمد عليها. تأتي وحدات المتطوعين من المنطقة نفسها، والمقاطعة نفسها، والبلدية نفسها، يعرف الموظفون بعضهم البعض ويعملون معاً على المدى الطويل، ويعرفون المجتمع المدني الذي هم جزء منه. التماسك داخل الوحدات والتكافل مع السكان يميزان هذا المكون المهم للغاية للجيوش. غالباً ما يكون لهؤلاء الأفراد مقدار التعاطف نفسه الذي يمكن أن يتمتّع به رجال الإطفاء المتطوعون في فرنسا، حتى لو كانوا يتصرفون أحياناً، في تطبيق القانون بطريقة وحشية. ويشارك هذا “الاحتياطي النشط” بانتظام في العمليات الخارجية، التي تُشرك البلديات والمقاطعات ودولها الأصلية في هذه العمليات.
في هذا الإطار المواتي بشكل عام للقوات المسلحة، من الضرورة بمكان التنويه إلى بعض النقاط الرئيسية في هذه العلاقة:
*
يدافع السياسيون بشدة في الكونغرس عن المنشآت الصناعية العسكرية الموجودة في دوائرهم الانتخابية أو ولايتهم. من ناحية أخرى، عندما يكونون من المحافظين الجدد فإنهم يحتقرون القادة العسكريين العظام، الذين يعتبرون مجرد منفذين بسطاء منذ نهاية الحرب الباردة. هؤلاء المنفذون يمكن تسخيرهم لأقصى درجة ومن ثم يتمّ الاستغناء عن خدماتهم بكل بساطة.
*
تعمل الصحافة الأمريكية المهيمنة في الترويج والتمجيد الدائم لسلطة وعمل القوات المسلحة الأمريكية على الأرض، حتى لو حدث ذلك للطعن في مزايا هذا القرار أو ذاك.. فعلى سبيل المثال، الرسوم الكاريكاتورية من نوع شارلي إيبدو حول مقتل الجنود في العملية والتعليقات التي تمّ الإدلاء بها في وسائل الإعلام الفرنسية الرئيسية لا يمكن تصورها في الولايات المتحدة، حيث حرية التعبير مع ذلك أعلى بكثير مما هي عليه في أوروبا. يمكن التحدث عن علاقة صافية بين الجيش والصحافة الأمريكية، مختلفة تماماً عن تلك السائدة في فرنسا.
*
المواطنون الأمريكيون لديهم موقف متناقض. إذا دعموا قواتهم المسلحة لأنهم مجبرون على ذلك، والعمل الإعلامي المستمر يغالي في تمجيد القومية والوطنية، فهم يسعون جاهدين لخدمتها.
*
لزيادة فرص وصولهم إلى قمة الهرم، يكون للضباط كل المصلحة في أن يكونوا جزءاً من شبكة نفوذ يمكن أن تكون “مدنية- عسكرية”. والماسونية في الولايات المتحدة هي بلا شك الشبكة الأكثر فاعلية للترويج لأعضائها. تتمتّع بسمعة أقل من تلك التي تُنسب إليها أحياناً في فرنسا. فمن بين 11 جنرالاً أو أميرالاً حصلوا على نجمة خامسة من قبل الكونغرس، في تاريخ الولايات المتحدة، كانوا من الماسونيين، في الآونة الأخيرة، كان كولن باول، أول رئيس أركان لجيش الألوان الأمريكي، أو الجنرال شوارزكوف، القائد العام لحرب العراق الأولى، جزءاً من شبكة النفوذ نفسها.
ويختم الجنرال حديثه بالقول: “لا يمكن أن تكون العلاقات بين الجيش والمجتمع المدني في الولايات المتحدة جيدة إلا في حال تمّ استثناء الازدراء الذي يُظهره المحافظون الجدد، “المتسلطون والواثقون من أنفسهم”، للسلطة العسكرية العليا، التي ساهموا بشكل كبير في إنشائها”.