ثقافةصحيفة البعث

“حزب الله.. فلسفة القوة”.. مقاربة في ظاهرة إعجازية

يحاول كتاب “حزب الله.. فلسفة القوة” لمؤلفه ناصر قنديل تقديم إجابة تسعى لردم الفجوة الفكرية في مقاربة ظاهرة حزب الله بين ما أنجز وكيف أنجز قياساً بما عجز عنه الآخرون، ليكون مصدر بحث ونقاش يساعد أجيالاً قادمة على بناء مراكمة في الفكر السياسي لمعارف تكون زاداً لصنع تميز آخر وفرادة أخرى، ومن أجل رسم خارطة طريق يقبلها العقل لفك ألغاز معادلة حزب الله.   تم تقسيم الكتاب إلى خمسة أبواب: حلقات متسلسلة، بين الدين والسياسة، الحرب فلسفة، التحديات والآفاق، وثائق، وقد جاءت صفحاته للكشف عن السر الخاص الإضافي وليس البديل الذي صنع تميز حزب الله ومهد الطريق لتلك الفرادة عن الآخرين، وعندما نقول الآخرين لا نقصد تنقيص أو تهوين إنجازاتهم ولا عقد مقارنات تفضيلية بينه وبين سواه، بل فقط للإشارة إلى أن ما يجمعه بهم ويتشارك فيه معهم من العقيدة أو الخيار المقاوم أو المستمد النظري أو المرجعية الفقهية أو السلوك الكفاحي والاستعداد للتضحية – وكلها ليست حكراً عليه وحده- هي قواسم مشتركة لا تصلح لتفسير التميز، فقد أثار حزب الله خلال  ثلاثة عقود ونصف عقد الكثير من الإعجاب والكثير من الذهول والأسئلة، وواظب على تحقيق الانتصار تلو الانتصار، سواء على الجبهة الرئيسية لمقاومته التي قرر حصريتها منذ نشأته أو المقاومة التي واجهته في الطريق إلى حربه الرئيسية، فلا إعلان دولة عظمى بحجم أميركا الحرب عليه أضعفه، ولا جعل منتجات تنظيم القاعدة ومتفرغاته للحزب هدفاً رئيساً لها أربكه أو منع تعاظم قوة الحزب أو دفعه إلى التراجع.

ويبين مؤلف الكتاب أن الحاجة إلى استخلاص فلسفة القوة عند حزب الله وشرحها هي حاجة علمية للحزب نفسه ولمريديه، وللمعجبين به، وربما حتى لخصومه، لكنها بالتأكيد حاجة للمكتبة العربية والعالمية، وانطلاقاً من تقدير حجم تأثير عاملي العقيدة الدينية والدعم الإيراني يبحث الكتاب عن أسباب تتصل بوجود فلسفة للقوة لدى حزب الله تنطلق من هاتين وتستثمر عليهما، ولذا قد نكون في صفحات الكتاب أمام مشروع سرد لتاريخ حزب الله من نوع ما، ومحاولة لتوثيق إنجازاته أو مواقفه وتحليلاته ومحطات نموه وتنامي مصادر قوته بطريقة مختلفة، ومن الزاوية الأكاديمية البحتة ربما يكون في المكتبة العربية والعالمية ما هو أهم وأفضل في مجالي السرد والتوثيق، بمثل ما فيها من محاولات جادة يشهد لها، قامت بتقديم الحزب وشرح فكره وأهدافه وسياساته وأداء مهمتها على أفضل ما يمكن وسيقوم آخرون بمواصلة التراكم على منصتها، وبالتأكيد في هذا الكتاب لسنا بصدد بحث أكاديمي في علم الاجتماع السياسي أو في العقائد الدينية وغير الدينية وفعلها وتأثيرها، ولا نحن أمام تقويم منهجي لدور مناهل حزب الله العقائدية وأثرها في صناعة إنجازاته، أو دور القادة التاريخيين الذين استشهد بعضهم ولا يزال منهم من يكمل المسيرة، لكننا بطريقة معينة سنشهد المرور هنا أو هناك  على بعض من هذه ومن تلك، فهذا الكتاب محاولة للقول إن علماً جديداً للسياسة ولد على يدي حزب الله، ووصفة لصناعة النصر تصلح للقوى الباحثة عن أجوبة عن الأسئلة الصعبة لصناعة النصر لقضايا شعوبها، حيث تستبعد وصف الأسطورة التي تمجد مسيرة حزب الله، لتبرر استحالة التكرار فيقول الكتاب أن التجربة قابلة للتكرار إن توافرت الشروط الصادقة التي توافرت فيها ولها، ورسالته لكل ثوار الشعوب المقهورة وللعرب والعالم ومقاوميهم، لابد من القول إن الكتاب لا يتضمن وثائق ولا إشارة إلى مواد أرشيفية إلا بالقدر الضروري لإسناد الاستنتاج وتوخي الدقة، ولا يستعرض أدلة بيانية  إلا بتحفظ منقول عن مصادرها، فهو في الغالب الأعم يعرض لإشكاليات فكرية عارية لا تحتاج إلى دليل ويناقشها ويحاول السير فيها لرسم منحنيات ومسارات افتراضية لأجوبة ربما يبحث الكثيرون عنها لأسئلتهم، ليأتي من يعتمدون التوثيق والأرشفة ويقومون بما يرونه مناسباً لتوثيق ما يحتاج إلى التوثيق وكل ما نقع عليه في هذا الكتاب يحتاج بكل مفردة منه إلى أكثر من كتاب لتوثيق مقدماته ووقائعه وتداعياته.

باختصار الكتاب محاولة للسير بالوقائع المتداولة والمجمع على حدوثها وتوصيفها لتحويلها إلى أسئلة سجالية، ومن ثم مقارعتها ومقاربتها كأسئلة  بوقائع أخرى متداولة والسير بها تصاعدياً حتى تتحول إلى مشاريع أجوبة، كما أنه محاولة للقراءة في أسباب تحول حزب الله إلى ظاهرة إعجاز في الفاصل والمشترك بين قرنين.

لوردا فوزي