ثقافةصحيفة البعث

صفوان بهلوان يطلق أغنيته “يا طيور الحب” بمرافقة الفرقة الوطنية للموسيقا العربية

من جزيرة أرواد ومن موسيقا البحر ووشوشات أمواجه صاغ موسيقاه، وألّف سمفونيته العالمية “البحار والعاصفة” التي عُزفت على مسارح الأوبرا العالمية، صفوان بهلوان وقف على مسرح دار الأوبرا في دمشق لأول مرة، فتلألأت بسحر حضوره وعُرب صوته الطربي  مطلقاً من مسرحها أغنيته “يا طيور الحب” في أمسية اختتام أيام الثقافة لعام 2020 التي حملت شعار “ثقافتي هويتي” بمرافقة فرقة الموسيقا العربية بقيادة المايسترو عدنان فتح الله. فكانت أمسية استثنائية عبّرت عن عظمة الألحان الخالدة لمحمد عبد الوهاب وجمالية مفردات اللغة العربية بالقصائد المغناة التي خطّها كبار الشعراء المحمّلة بالغزل الصريح وبالتلميح، فقدم مجموعة قصائد بعضها من ألحانه، كما أحيا تاريخ عبد الوهاب أستاذه، وبدا تأثره الواضح به ليس بالشكل فقط وإنما بالأناقة واللياقة الرسمية والحضور الآسر، متميزاً بصوته الرخيم وحديثه باللغة العربية الفصحى بالتشكيل الموزون، فحيا جمهور الأوبرا بعد أن أثار مقطع الفيديو على الشاشة شجونه وتداعيات ذكرياته مع أستاذه محمد عبد الوهاب، الذي قدمه وبارك لسورية هذا الصوت النادر متمنياً لها النصر الدائم.

الارتقاء بالموسيقا

أعرب بهلوان عن سعادته بلقاء جمهوره ومحبيه في هذا العرس الثقافي الجميل قائلاً: ما أجمل أن تكون الموسيقا عروس هذا اليوم ليزداد الجمال جمالاً والحسن حسناً، متمنياً أن يحل السلام على بلدنا الحبيب ويستيقظ من كبوته وتشفى جراحه، فسورية مهد الحضارة ومشعل لنور الإنسانية التي أهدت الأبجدية الأولى إلى العالم، وأول مدونة موسيقية كُتبت على أرضها، بلد كهذا يحمل في وجدان ترابه تلك الجينات، لابد أن ينتفض كطائر الفينيق خفاق الجناح، وتحدث عن أهمية الارتقاء بالموسيقا كونها عنوان الشعوب، وعلى أساسها يقاس مدى ارتقاء الأمم لسلم الحضارة والمدنية، مستحضراً قول الفيلسوف الصيني كونفوشيوس “إذا أردت أن تتعرف إلى شعب فاسمع موسيقاه”، وقد أبدع بهلوان بالغناء بمرافقة عوده حيناً ومع الفرقة وفق التوزيع الأوركسترالي حيناً آخر، فبدأ بقصيدة “ليالي الشام” من ألحانه وكلمات الشاعر سلطان عويس تتغنى بالشام وبنهر بردى، فكان لعزفه على العود دور بالمقدمة وبين المقاطع كصولو، وبدأت الفرقة بلحن خافت وصولو صغير للكمان، ثم مضت الألحان مع إيقاع تشكيلة الفرقة ودور الناي والأكورديون –وسام الشاعر- في مواضع، إلى أن تصاعد اللحن مع ارتفاع طبقة الصوت بـ”أنا آت استقي من بردى قصص المجد وعز المشرق يا ليالي الشام” واتسمت بجمالية امتدادات صوته بـ”ياليالي الشام” والقفلة مع العود.

وكانت نغمات البيانو مع العازف إياد جناوي حاضرة في بداية موسيقا الأغنية الشهيرة لعبد الوهاب كلمات الأخطل الصغير “الصبا والجمال ملك يديك” فملك بهلوان القلوب بغنائها لاسيما في مقطع “قتل الورد نفسه حسداً منك” بمرافقة عوده وفواصل البيانو المطوّلة والتوزيع الجميل للقفلة الموسيقية للوتريات والبيانو. وأطلق بهلوان مؤلف موسيقا ملحمة جبهة المجد للجواهري، أغنيته يا طيور الحب من كلماته وألحانه بغنائها للمرة الأولى على مسرح الأوبرا، فألقاها شعراً قبل الغناء بوقع لا يقل جمالاً عن غنائها.

مطلعها: يا طيور الحب غني/وانثري الأحزان عني/تلك أوتاري وعودي/فاسأل الأوتار عني/إن شكا الطير وغنى/فغناه بعض فني/قد جعلتُ الليل خمري/فاشرب الكأس وثن.

ويعود بهلوان إلى فن أستاذه عبد الوهاب فغنى بمرافقة عوده “أشكي لمين الهوى” كلمات حسين النحاس، وتغيّرت الأجواء مع إيقاع الموسيقا الراقص بتناغم نغمات البيانو مع الفرقة والعود وفواصل القانون بالأغنية التي يرددها الملايين “يادنيا يا غرامي” وتألقت بتدرجات صوته “ضيع ودي وصنته بأجفاني” مع الضربات الخافتة للتيمباني ومن ثم تدرج صوته مع الوتريات والقفلة “يا قلبي”. وعبّر صوت التشيللو الحزين عن حكايات البحر وغدره وغضبه في أغنيته الشهيرة “دوار يا بحر الهوى” وثنائية الناي والعود في مواضع وتوليفة الفرقة لتنتهي بقفلة العود.

لونغا بهلوان

أما مقطوعة الموسيقا الآلية من مؤلفات بهلوان على قالب اللونغا، فتبدأ بالخانة الأولى ثم تسليم ثم الخانة الثانية والثالثة والرابعة مع فاصل التسليم، وكما ذكر بهلوان فإن الموسيقا باللونغا تكون مجردة لذاتها دون معنى “كفورم موسيقي”، فأدخل على هذا القالب الموسيقي الراقي الكثير من التغييرات ولكن أبقى على القالب مع تغيير بالمنهج والأسلوب والتعديل الموسيقي، وجعله ذا معنى وموضوع مغلفاً بمنهجية موسيقية أوروبية. وتميزت باللحن السريع –التسليم – بجمالية خاصة أضفت على اللحن مسحة من التخيل الموسيقي. واختار بهلوان أن يودع جمهوره  برائعة عبد الوهاب “النهر الخالد” كلمات محمود حسن إسماعيل:

مسافر زاده الخيال والسحر والعطر والظلال/ظمآن والكأس في يديه والحب والفن والجمال.

وقد عصفت قصة النيل بالألحان الخالدة بمتغيراتها وتدرجاتها مبتدئة بصولو القانون، وأبدع بعربه الصوتية بـ”آه على سرك الرهيب، وموجك التائه الغريب”.

ملده شويكاني