مجلة البعث الأسبوعية

أقـل مـا يـقـال.. أحزمة الفقر تحت مجهر الدراسة

“البعث الأسبوعية” ــ حسن النابلسي

السكن العشوائي.. أحزمة الفقر.. المخالفات.. تسميات تتفق باصطلاحها على قضية مستعصية تعاني منها معظم دول العالم – إن لم نقل كلها – وتسعى عبر خطط وبرامج حكومية إستراتيجية إلى معالجتها وتسوية أوضاعها التنظيمية وتحسين مستوى خدماتها للوصول، في نهاية المطاف، إلى القضاء عليها، أو حصرها في الحدود الدنيا على أقل تقدير..!.

في سورية، لا يزال هذا الموضوع – القديم الحديث – يفرض نفسه بين الفينة والأخرى كإشكالية حارت الجهات المعنية – خاصة الإدارة المحلية – بكيفية اجتثاثها، أو حتى الحد منها، بل إنها مستمرة بانتشارها على مرأى القاصي والداني، ما يوصد الأبواب أكثر فأكثر ويضيق الحلول لمعالجتها.

يحمل بعض المراقبين وزارة الإدارة المحلية مسؤولية غض الطرف عن تزايد الوحدات السكنية العشوائية بدايةً، والتلويح بقمعها وإزالتها لاحقاً، ما بعث في نفوس رواد المخالفات الطمأنينة بعدم تعرض مخالفاتهم للهدم، والمضي قدماً ببناء بيوتهم السكنية ومحلاتهم التجارية، لاسيما أن إجراءات الوحدات المحلية غالباِ ما تقتصر على هدم جزء بسيط من المخالفة.

مؤكد أننا لا ندعو إلى تجييش الجهات المعنية – التي ساهمت بشكل أو بآخر بازدياد هذه الظاهرة – لهدم منازل عشوائية، طالما آوت مواطنين لا قدرة لهم على اقتناء منازل فاخرة في مناطق راقية، لكننا سنحاول معرفة الأسباب الكامنة وراء ازدياد هذه الظاهرة، وما هي الخطوات التي قامت بها الجهات المعنية لمعالجة وتسوية ما تم بناؤه من ناحية، والحد من دخول وحدات سكنية جديدة تزيد المشكلة تعقيداِ من ناحية أخرى.

يتصدر ارتفاع أسعار العقارات أهم الأسباب الكامنة وراء انتشار السكن العشوائي، يليه التفاوت الإنمائي بين منطقة وأخرى، لاسيما بين الأرياف والمدن الرئيسية، ما شجع على الهجرة المحلية بهدف الحصول على فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة إلى جانب الحصول على مستوى أعلى من الخدمات، وبالتالي فإن العمل على تحقيق التنمية المتوازنة سيثبت المواطن بأرضه ومكان ولادته، وبالتالي سيحد من الهجرة المحلية، ويخفف من انتشار السكن العشوائي، لنخلص بالنتيجة إلى أن تحقيق هذه التنمية لا يقتصر على وزارة الإدارة المحلية، بل يستدعي تضافر جهود أكثر من وزارة وجهة معنية.

ثمة مخاوف عدة تجتاح هواجس سكان العشوائيات – لاسيما القديمة – من فقدانهم بيوتهم على خلفية صدور العديد القوانين والتشريعات وتصريحات بعض المسؤولين الخاصة بتسويتها وتنظيمها.. مخاوف ربما لا تخلو من مبالغة فيما لو تم تشخيص حالة المخالفات على أرض الواقع، ودراسة مواقع السكن حسب بنيتها الفيزيائية والتنظيمية الخدمية، لاسيما وأنه تمت دراسة عدة مواقع للسكن العشوائي من قبل وزارة الإدارة المحلية، ضمن رؤية تشخص واقع العشوائيات، سواء من ناحية الموقع أو من ناحية طبيعة البناء ومدى السلامة الإنشائية له؛ كما أن هناك مجموعة من الرؤى والتدخلات يمكن القيام بها لمعالجة وتسوية المخالفات، منها إعادة التأهيل والارتقاء بها، ودمج مناطق السكن العشوائي بالمخططات التنظيمية، وتثبيت الملكية تفادياً لنشوب إشكاليات اجتماعية، إضافة إلى تحسين مستوى الخدمات والبنى التحتية لها، وذلك بهدف دمجها اجتماعياً واقتصادياً مع المجتمع.

أخيراً، تجدر الإشارة إلى أنه في الوقت الذي يتوقف هدم العشوائيات على طبيعة الموقع ومدى تأثيره على سلامة السكان، وبالتالي فإن تصنيف المناطق ودراسة طبيعة التدخل هو الذي يحدد آليات التدخل، لابد التأكيد على ضرورة تنفيذ الرؤى الموما إليها آنفاً من جهة، واعتماد مبدأ التشاركية مع القطاع الخاص لحل معضلة العشوائيات، إضافة إلى وجوب وجود خطة عمل تفضي إلى نتائج إيجابية ومنطقية ترضي السكان في نهاية المطاف من جهة ثانية.