اقتصادصحيفة البعث

وهمٌ أجّجه قطاع الأعمال وأصحاب الدخول المشبوهة..!

حسن النابلسي
يبدو أن مُطلق أسطوانة “سورية من أرخص دول العالم معيشة” يبتغي واهماً ترسيخ راحة المواطن وعدم تعريضه لأي ضغط معيشي مهما صغر، وربما التغطية على ممارساته المشبوهة، إذ سرعان ما يستشهد من يتبجّح بهذه الأسطوانة، ببعض الدول التي يرزح سكانها تحت ارتفاعات كبيرة بالأسعار تزيد بأضعاف مضاعفة على نظيرتها السورية..!.
ثمة نقاط عدة تستوقفنا في هذا المقام، أولها: أن هناك شريحة ربما لا تتجاوز نسبتها الـ10% تجد بالفعل أن “سورية من أرخص دول العالم” وتضمّ هذه الشريحة “رجال الأعمال والمغتربين”، يضاف إليهم أصحاب الثروات المشبوهة، وذوو الدخول الاستثنائية من العاملين في كبريات شركات القطاع الخاص، فهؤلاء لم يتغيّر عليهم شيء أبداً نظراً لمجاراة مداخيلهم للتضخّم خطوة بخطوة، لا بل على العكس استفاد العديد منهم من التضخم الجامح وانخفاض القدرة الشرائية لليرة إما من خلال المضاربة بسعر الصرف، وإما من خلال الاستفادة من تمويل المصرف المركزي لبعض المستوردات بأسعار مدعومة، وطرحها بالأسواق وفقاً لسعر صرف السوق السوداء..!.
ثانيها: أن إغراق البلاد بالمستوردات على حساب التصدير، وتنحية الإنتاج جانباً وتعليقه حتى إشعار آخر نتيجة مساعي دعاة الاستيراد لتوسيع دائرة الأخير، ساهم بشكل كبير بانخفاض سعر صرف الليرة، وذلك بعد أن شكّل الطلب على سوق القطع عبئاً كبيراً على سعر الصرف من جهة، ما اضطرّ الحكومة إلى إعادة النظر بالدعم المقدم لعدد من المواد والسلع والخدمات واعتماد أكثر من سعر، فسعر المازوت الصناعي –على سبيل المثال لا الحصر- أصبح 675 ليرة، ونظيره المخصص للتدفئة والنقل بقي 185 ليرة، ومع ذلك يبقى السعران أرخص من الدول المجاورة من حيث المبدأ بالنسبة للشريحة المومأ إليها آنفاً، في حين أنه مرتفع حقيقة بالنسبة إلى بقية الشرائح ذات الدخول المتدنية، فما بالكم إن حصلت هذه الشريحة على هذه المادة بالسعر الأخير..!.
النقطة الثالثة: إذا ما قارنا الوضع المعيشي في سورية ببعض الدول الأخرى – كما يشتهي بعضهم – وجرّدناه من أي ظرف أو عامل اقتصادي مؤثر، نجد أن ثمة بوناً شاسعاً بين أسعار هذه الدول وسورية، ولاسيما إذا ما احتسبنا تكاليف التعليم والطبابة في هذه الدول التي حقيقة لا تُحتمل، ولكن لا يمكن أن يختلف اثنان على أن سورية  باتت من الدول المرتفعة تكاليف المعيشة إذا ما علمنا أن متوسط الدخل العام في سورية لا يكاد يلامس الـ 25 دولاراً، نتيجة تآكل الدعم المقدم من الحكومة للمواد الأساسية بسبب ارتفاع مستوى التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، مقابل حد أدنى من متطلبات معيشية تكلف 200 دولاراً.

المفارقة الكبرى.. أن الحكومة تعلم وتدرك هذه الحقيقة، ولا تتحرّك بهذا الاتجاه إلا بالحدود الضيقة ووفقاً للإمكانات المتاحة، مع الإشارة أخيراً إلى أن استكانة قطاع الأعمال للمشاريع الريعية زاد طين الاقتصاد وتدهور الوضع المعيشي بلّة..!.
hasanla@yahoo.com