ثقافةصحيفة البعث

أوركسترا الحجرة “كوميداس” الأرمنية من حلب إلى أوبرا دمشق

طائر الكرونك “kroonk” الذي يغرد وينقل أخبار الوطن إلى الأرمن في بلاد الشتات، حمل رسالة من أرمن حلب إلى أرمن دمشق وكل العالم بأن الأرمن من أبناء الحياة من خلال أوركسترا الحجرة كوميداس بقيادة د.سركيس إسكانيان التابعة لجمعية الشبيبة في حلب التي قدمت لأول مرة على مسرح الأوبرا أمسية رائعة بعد أمسيتها السابقة على مسرح الدراما. وقد هيمن عليها سحر بنفسجي ممتزج برائحة الألم حيناً والتفاؤل والفرح حيناً آخر، ولم تعزف فقط لكوميداس الذي جمع التراث الأرمني الغنائي والموسيقي من قرى أرمينيا ومدنها وقدم الموسيقا الأرمنية الكلاسيكية الحديثة والشعبية إلى العالم فقط، إذ ارتأى د.إسكانيان أن يقدم مقطوعات عالمية ضمن أنماط قوالب الكونشيرتو والفالس والرقصات لكبار المؤلفين من مدارس ومراحل مختفلة، بتوزيع أوركسترالي يتلاءَم مع آلات الفرقة المؤلفة من الوتريات والبيانو باستضافة الفلوت، وبدا دورها الواضح مع التشيللو الذي أدى دور آلات أخرى مع نغمات البيانو التي شكّلت اللحن الأساسي في مواضع، وقد تخللت بعض المقطوعات الغنائية محاور الأمسية للموسيقا الآلية.

الأمر اللافت هو جمالية التوزيع الأوركسترالي للوتريات والبيانو بعد أن اعتاد الجمهور على سماع المقطوعات الضخمة بالتوزيع على مختلف أنواع آلات الفرقة السمفونية الوطنية السورية، فبدأت بكونشيرتو الفلوت للمؤلف فيفالدي “c major for  flutes” بمشاركة عازفتي الفلوت زينة بامبوكيان وشوكير كيربابيان بحوارية ثنائية حيناً ومع الفرقة، مع التشيللو والفلوت بمرافقة خافتة، فبدأت الحوارية هادئة إلى أن تصاعدت لتعود إلى اللحن الرقيق في النهاية.

كما قدمت الأوركسترا مقطوعة للغناء المنفرد فغنت كارلا الناحي أغنية رومانسية “لقد رفعتني عندما أكون محبطاً وروحي منهكة” بصوتها الجميل المتلائم مع الطبقات المرتفعة في تدرج المقام الصوتي، فبدأت الغناء بمرافقة خافتة لنغمات البيانو ومن ثم فواصل الوتريات بين المقاطع، وتميزت بجمالية القفلة الغنائية مع البيانو بتفاعل كبير من الجمهور. ثم قدمت الأوركسترا فالس -mascrade- للمؤلف الأرمني المعروف لجمهور الأوبرا خاتشادوريان مع الأوركسترا والبيانو ومضت خطوات الإيقاع الكلاسيكي بسحر الوتريات والتوزيع لها. وكان لمقطوعة كوميداس وقع خاص ومؤثر لاسيما على الأرمن، فطائر الكرونك ينقل أخبار أرمينيا إلى الأرمن في بلاد الشتات بعد أحداث الإبادة الأرمنية كما روى د.سركيس إسكانيان حكاية هذا الطائر على المسرح، وقد تكون الأخبار مفرحة أو مؤلمة وحزينة متمنياً أن يحمل بعد هذا اليوم كل الأخبار والأمنيات الجميلة للأرمن، فتسربت ألحان كوميداس الرقيقة إلى الروح بجمالية اللحن البطيء للتشيللو مع الوتريات.

 

مقطوعة عربية

كما عزفت مقطوعة عربية هدية إلى جمهور أوبرا دمشق بتوزيع خاص لفرقة كوميداس قام به بيرج قسيس فعزفت الأوركسترا لأول مرة موسيقا موشح “لما بدا يتثنى” فأخذت الوتريات دور الإيقاعيات مع البيانو في المقدمة، وأدت بتوليفتها المتكاملة اللحن الغنائي بصوت فيروز الأقرب إلى الوتريات مع تداخل ثنائي الفلوت في الفواصل، واختتمت بتدرج نغمات الفلوت. وضمن أجواء مقاربة عزفت الأوركسترا موسيقا أغنية إسبانية espana cani وانتقلت إلى عزف serenade لشوبرت التي اتسمت بلحن هادئ. وتفاعل الجمهور بالإيقاعات الراقصة للرقصة البرازيليةtico  الشهيرة tico in fuba للمؤلف .zigwinhaabreu

واختار إسكانيان أغنية lullaby أدتها لينا باكهوديان إشكان بمشاركة طفلة باللغة الإنكليزية، وتحكي الأغنية “حبك ياأمي يبقيني بأمان” قصة أم تنادي العصافير لتغني لطفلها الذي يرفض النوم ولا يتأثر يتغريداتها الجميلة لكنه يهدأ وينام حينما يسمع نغمات موطني من والدته، برمزية إلى التمسك بجذور الوطن والهوية، وقد أهداها إسكانيان إلى كل الأمهات السوريات اللواتي كبرن بحب الوطن والولاء لسورية في قلوب أطفالهن. وفي نهاية الأمسية أشرك إسكانيان الجمهور بالتصفيق وفق الإيقاع الراقص لمقطوعة برامز الرقصة الهنغارية رقم واحد التي تأتي ضمن الرقصات الهنغارية التي أنصت لها الجمهور سابقاً بشغف.

صلة وصل

على هامش الأمسية أوضح إسكانيان في حديثه لـ”البعث” أن هذه الأمسية تعد صلة وصل بين أرمن حلب وأرمن دمشق الذين يشكلون جميعاً جزءاً لايتجزأ من نسيج المجتمع السوري، وتحدث عن الأوركسترا التي تفتخر بأنها تحمل اسم كوميداس وتأسست منذ عام 2005 برعاية الجمعية الخيرية العمومية الأرمنية وإشراف جمعية الشبيبة الأرمنية، وقدمت الكثير من الأمسيات في سورية وكنائس حلب في الأعياد وفي الوطن الأم أرمينيا بدعوة من قبل فيلكيس باخشيان رئيس مؤسسة فريدروف نانس الذي منح الأوركسترا ميدالية ذهبية، وتهتم الأوركسترا بالموسيقا الكلاسيكية العالمية والأرمنية، وتضم خمسة وعشرين عازفاً بقيادته منذ عام 2013 ود.سركيس إسكانيان من أرمن حلب وهو طبيب أسنان وعازف كمان وقائد أوركسترا.

ملده شويكاني