مجلة البعث الأسبوعية

انضباط مفقود وشغب متزايد وفوضى عارمة.. هل تعيش كرتنا عصر الانحطاط الأخلاقي؟

“البعث الأسبوعية” ــ ناصر النجار

لم تتغير مشاكلنا الكروية ولم تتبدل، ولم يستطع أحد الحد منها، أو إيقاف مدّها. وعلى العكس تماماً، فإن هذه المشاكل بدأت تتنامى وتكبر ككرة ثلج، وربما وصلنا إلى درجة بتنا فيها غير قادرين على مواجهة المشاكل صغيرها وكبيرها.

والسبب في ذلك أن العقلية الكروية التي “تعشعش” في أذهاننا ما زالت قاصرة، وغير قابلة للتطور، فلا يوجد ضوابط لكل التصرفات، ونراها على الصعيد الإداري أكثر منها على صعيد اللاعبين، وهذه السلسلة من التجاوزات والخروقات تمتد لآخر مشجع كروي، لذلك نرى الفوضى الكروية عائمة ومسيطرة على أصحاب القرار وفي الأندية وعلى المدرجات.

ولم تكن قصة عمر خريبين مع المنتخب الوطني هي الأولى، ولن تكون الأخيرة، حيث سبق في عهد المدرب الألماني شتانغه أن تصادم اللاعبون مع بعضهم ومع إدارة المنتخب من أجل أشياء ثانوية أقلها تفاهة شارة الكابتن، ونقول عنها تافهة لأنها محسومة في كل المنتخبات صغيرها وكبيرها. ونحن هنا لن نغوص في تفاصيل قضية الخريبين، ولن ننزلق لنصطف مع طرف على حساب طرف آخر، لكن المشكلة توحي لنا أن الداء ينخر في جسد منتخبنا وأن القائمين عليه عاجزون عن السيطرة على المجريات، وهذه المشكلات الصغيرة قد تفتح الباب أمام أمور أخرى ربما أعظم، وهناك من يتفادى هذه المشكلات من اللاعبين الذين يملكون عقلية احترافية. وكذلك وجدنا مشرف المنتخب عبد القادر كردغلي يتفاداها بانسحابه من معسكرات المنتخب، وقد سمعنا وعلمنا أنه على غير وفاق مع آخرين في المنتخب، فلم يضخم هذا الخلاف ولم يظهره للعلن. وفضلاً عن ذلك، فإن الأجواء الضبابية ما زالت تخيّم على أجواء الاتحاد الكروي في تجاذبات عديدة ومحاولات لبسط السيطرة أو سحب البساط.

مع شتانغه، فشلنا في النهائيات الآسيوية لأن “السوس نخر في عظم المنتخب”. ومع المعلول، نجد أن البدايات لا توحي بنهايات مفرحة، ولا نقصد هنا العملية الفنية بقدر ما وصلنا إليه من حالة لا انضباطية في السلوك، وفي التعامل مع الحلول.

وأيّاً كانت الحقائق، فإن المسؤولية يتقاذفها الجميع، فالكل يريد أن يضع الكرة بمرمى غيره، وكلهم بريئون من دم يوسف!

الحالة التي أمامنا تشير إلى ضعف في الإدارة، وضعف في التصرف، وقصر نظر، سواء من اللاعب نفسه، أو من الشخص المفترض أن يعالج المشكلة.

وهنا نسأل: هل كل المنتخبات تعيش حالة وئام وانضباط؟ الجواب: نعم، أغلبها يعرف ما يريد، وكل إنسان يدرك طبيعة عمله، فلا يتجاوزه، والأهم في الموضوع أنهم يملكون العقلية الاحترافية في الإدارة والتنظيم، وحسن التصرف مع الآخرين، ومع ذلك فإن ظهرت أي مشكلة فهناك حلول مجدية، وليس من الضروري أن تطفو هذه المشاكل على السطح، وتصبح علكة بأفواه الصغير والكبير.

ثقافتنا الكروية، البالية، في قضية الخريبين، جعلت التحليلات عاطفية بعيدة عن العقل والمنطق، فالبعض – المصفق والمطبل – وقف مع اتحاد الكرة بشكل أعمى، ومن كانت له مشكلة مع مدير المنتخب، أو اللاعب، أو ناديه الأصلي، أو اتحاد الكرة، استغل هذه القضية ليصفيّ حساباته الشخصية.

فالقضية أخذت بعداً شخصياً أكثر من بعدها الحقيقي، لذلك أخذت هذه القصة أكثر من حدها الطبيعي، وباتت غير قابلة للحل. وللأسف، فإن اتحاد الكرة ذهب إلى أسهل الحلول بمعاقبة اللاعب، وأعتقد أنه حل غير صحيح والغاية منه اسكات الأفواه وتهدئة خاطر المدرب؛ ولأن العودة عن العقوبة سهلة لدى اتحاد الكرة، فما أسهل أن نعاقب، وما أسهل أن نرفع العقوبة، وهذا ما حدث فعلاً، وفي كلا الحالتين لا نفهم الدواعي والأسباب!!

ما حدث مع المنتخب في الإمارات يعكس صورة اتحاد كرة القدم، ولنا أن نتخيل ضبابية هذه الصورة.

هذه القضية تعكس الوضع الانضباطي، أما الحالة الفنية والبدنية فلها ملف آخر، لكن السؤال الأهم، وهو عاجل: ما قصة الإصابات في صفوف لاعبي المنتخب؟

هل لاعبونا سيئون بدنياً ما يعكس الحالة التدريبية السيئة في أنديتنا؟ أم إن الأحمال التي يفرضها المدرب لا تتناسب مع قدرات اللاعبين البدنية؟

وهل الأداء المزعج والمستوى المتدني، الذي قدمه منتخبنا بلقاءي أوزبكستان والأردن، هو الواقع الصحيح لكرتنا؟ أم أن هناك أموراً خفية جعلته يظهر على هذه الصورة الرمادية؟

أسئلة عديدة لن نتجاهلها أمام قصة الخريبين، وستكون لنا معها وقفة قادمة.

 

حلول قاصرة

هذه العقلية التي نتحدث عنها تتجلى بشكل واضح في النشاط الكروي وداخل الأندية، وما يحدث من شغب في الدوري وطريقة التعامل معه يدل على سوء التصرف من قبل كل الأطراف، وتبقى المعالجات كما قلنا قاصرة وغير ملبية.

وإذا كان الدوري الكروي في أسبوعه السادس، ولم تحتدم بعد المنافسة على القمة، أو على الهروب من الهبوط، ونجد أن جميع المباريات انتهت بمشاكل، منها ما هو ظاهر وما هو خفي، فإن ذلك سيعيدنا إلى المربع الذي يتحدث عن الفكر البالي الذي نتعامل به مع نشاط يتابعه ملايين في الداخل، ومثلهم في الخارج، ونحن هنا أمام حالة رياضية وطنية عامة، ولسنا أمام حالة شخصية قد تكون عابرة!!

في جبلة ضرب واعتداء من لاعب على لاعبين وعلى مساعد المدرب، وشتائم لا تتوقف طوال المباراة؛ وفي حمص، الوضع أسوأ: تبادل للشتائم بين جمهورين، وتبادل برمي الحجارة، وتكسير حافلة حطين وغيرها من وسائل الركوب.. واختلط الحابل بالنابل بمباراة الساحل مع جبلة، واشتكى الفتوة من مباراة الطليعة، والاحتجاج على الحكام لم يتوقف، وفي كل مباراة آهات وزفرات!!

وفي حلب، إداري يعتدي على لاعب بالضرب، وتبديل متكرر للمدربين؛ وفي دمشق مدرب الفتوة يستقيل، وأقيل مدرب حطين، وخرج من النادي بطريقة لا تليق بحطين ولا بالمدرب ذاته، ثم عاد مرة أخرى؛ وهناك مدربون على الانتظار وقد وضعوا حقائبهم على الباب، وهذا الكلام يشمل أي مدرب إن تعرض الفريق لأي هزة قادمة.

هذه الصورة تشبّه البيت الكروي ببيت العنكبوت، البيت الخرب من الداخل، فلا إدارة كرة القدم تعمل بالشكل الصحيح، ولا إدارات الأندية تفهم طبيعة عملها ومهامها.

وعلى الأغلب، فإن المسؤولية الكاملة يتحملها اتحاد كرة القدم الذي يتعامل مع حالات الشغب بلين، فضلاً عن أنه يكيل بمكيالين؛ وزاد الأمر سوءاً تخفيفه للعقوبات للنصف فزاد حجم الشطط والفلتان على كل الأصعدة. وللأسف، فما يحدث صادر عن الأندية، والمتسبب في الشغب ربما رئيس ناد أو إداري أو مدرب أو لاعب! وتبقى الحلول عند اتحاد الكرة غير ملبية، لأنه غير قادر على التعامل بحزم وشفافية مع كل الحالات. وفي كل الحالات التي ذكرناها، اقتصرت عقوبات اتحاد كرة القدم على غرامة مالية لا تتجاوز النصف مليون ليرة، وهذه العقوبة غير مؤثرة وضعيفة لأنها لا تردع الشغب، ولا تردع المسيئين، وخصوصاً إذا علمنا أن ريع المباراة الواحدة يتجاوز العشرة ملايين، لذلك فإن العقوبة خفيفة؛ ويقول المراقبون في هذا الشأن: إذا بقي اتحاد الكرة في أسلوبه اللين بالتعامل مع حالات الشغب هذه، فإن القادم سيكون أصعب وأشد على الجميع.

كذلك فإن المسؤولية تقع على أولئك الذين دخلوا كرة القدم من الباب الخلفي وهم غير مؤهلين للقيادة والإدارة وتولي مهام الإشراف، ويتحمل المسؤولية معهم أولئك الذين نصبّوهم في هذه المراكز بالأندية فعاثوا فيها فساداً وخراباً.

أما آخر الداء فهو التدخل في صلاحيات اتحاد كرة القدم، وهذا أمر يشير إلى ضعف هذا الاتحاد، وعدم قدرته على مواجهة الصغير والكبير.

 

ملف أسود

قبل عام من الآن، استضاف برنامج تلفزيوني رياضي أحد كوادر نادي الاتحاد ليتحدث عن إدارة نادي الاتحاد السابقة وأخطائها وعثراتها، وبدأ يكيل الاتهامات لرئيس النادي وإدارته، يميناً وشمالاً؛ وفهمنا من هذا اللقاء أنه عبارة عن دعاية انتخابية وتسويق لهذا الشخص، كما تأكدنا من حالة الشللية المقيتة التي يعيش بها هذا النادي العريق، فالأشخاص الذي هم خارج الإدارة وخارج العمل يجب أن يكيدوا لمن هم داخل النادي، مهما كانت الأسباب والمبررات، لذلك لم تهنأ إدارة النادي، وتم تغييرها – وهي المنتخبة – بعد بضعة أشهر بدواع عديدة.

المهم أن الضيف في البرنامج ترأس الإدارة الجديدة التي لم تلق الرواج في حلب كلها، والسبب أن رئيس النادي الذي تحدث عن الفساد يحمل في ذاتيته ملف فساد سابق أوصى هذا الملف بعدم تسلمه لأي منصب رياضي، أما الأعضاء فحدث ولا حرج، فعضو لا يملك المؤهلات المطلوبة، وآخرون لا يملكون ذاتية في نادي الاتحاد، وغير ذلك من المخالفات الواضحة والفاضحة للقانون الرياضي.

المهم أن من وصل إلى سدة قيادة هذه النادي الكبير والعريق لم يكن أهلاً وصالحاً لهذا المركز، وكل ما تحدث به كان من قبيل الوشاية والتحريض ليجلس مكانه، والأخبار والأرقام تتحدث عن ذلك لتؤكد صوابية ما نقوله.

أولاً: الشركة الراعية رفضت العمل مع هذه الإدارة لأنها على حد زعمها إدارة غير ملبية، ولا يمكنها النهوض بألعاب النادي وكرة القدم على وجه الخصوص.

ثانياً: الإدارة السابقة كان فريقها الكروي منافساً في الكثير من الحالات، ولولا التحريض والمشاكل والخلافات الفنية لحاز النادي على البطولة، لكن هناك من صرعه حتى لا يوصله إلى اللقب والإنجاز لإفشال الإدارة، والأهم من هذا الكلام أن الإدارة الجديدة لم تحقق ما حققه الفريق السابق، فالاتحاد في المركز الأخير بنقطة واحدة من ست مباريات، وهو مركز لم يصل إليه بتاريخه!

ثالثاً: حالة التخبط الفني نتيجة طبيعية لضعف القيادة في إدارة النادي، فتم إقالة المدرب أكثر من مرة دون جدوى، لنتأكد أن الخلل في الإدارة واختياراتها.

رابعاً: اعتداء مدير الفريق على أحد اللاعبين بعد الخسارة مع الطليعة فتح المجال للحديث عن هذا المدير الذي قيل عنه الكثير، وأقله أنه غير مؤهل لقيادة هذا الفريق، وما التراجع الذي نراه بالفريق إلا حصيلة طبيعية لوجود أشخاص في أماكن غير صحيحة.

ما يهمنا بالموضوع أن نادي الاتحاد الكبير والعريق يعيش تحت سطوة عقول بالية وثقافة رياضية مهترئة، وأن النادي سيبقى صريع هذه الإدارات الفاشلة والمتعاقبة، والمشكلة الأكبر تكمن بمن يثق بهذه الشخصيات التي لا يهمها إلا الكرسي والمنصب ومصالحها الضيقة الأخرى.

كل الإجراءات التي اتخذتها إدارة نادي الاتحاد، في مواجهة مشاكلها الداخلية وفشلها الكروي، لم تكن أكثر من ذر للرماد في العيون، وغايتها الأساسية صيانة كراسيها مع العلم أنها تتحمل كامل المسؤولية فيما وصلت إليه الأمور بالنادي، ولا بوادر خير قادمة!!

فإذا كانت إدارة نادي الاتحاد مثالنا الحي على ملف هذا الأسبوع، فإن بقية الأندية ليست بمنأى عن هذه الأمراض التي تفتك بجسد أنديتنا ورياضتنا، وكرتنا على وجه الخصوص.. وللحديث بقية!!