مجلة البعث الأسبوعية

صحف حلب ومجلاتها قاومت الإرهاب باستمرار الصدور خلال سنوات الحرب ماض ورقي عريق وحاضر يتبخّر إلكترونياً: الأمور تغيرت والقضايا المعيشية تلحّ!!

“البعث الأسبوعية” ــ غالية خوجة

ما زالت سورية، رغم كل ما مرت به، تهتم بالكلمة، لأنها الفكر والعقل والروح والنفس والنور الداخلي والخارجي والحياة، وهذا ما يشهد عليه التاريخ الحضاري لهذا الوطن الذي منح العالم الأبجدية الأولى “الأوغاريتية”، وهذا ما لن تنساه الأزمنة، وما لن ينساه العالم، وما يجب ألاّ تنساه الأزمنة، وألاّ ينساه العالم، لأنّ سورية جزء من حضارة أية بقعة على هذه الأرض.

 

ذاكرة مضيئة بالكلمة 

لنستعدْ معاً ذاكرة الإعلام والصحافة والمجلات، منذ عام 1948، لنكتشف كيف كانت تصدر في سورية 45 دورية يومية وأسبوعية توجهت لعدد من السكان بلغ، حينها، 4 مليون نسمة.

وبالنسبة لحلب، المدينة المغرمة بعشق الكلمة، كان هناك “الفرات”، عام 1867، ثم “الشهباء” عام 1877، التي أصدرها عبد الرحمن الكواكبي بالاشتراك مع هاشم العطار، وما زالت تصدر رغم كل الظروف، وما لبث الكواكبي أن انفصل عن العطار و”الشهباء”، وأصدر صحيفة “الاعتدال” عام 1879.

ومن الصحف التي كانت تصدر زَمَانَئِـذٍ: حلب، العرب، الصاعقة، النهضة، حقوق البشر، البريد السوري، الراية، المصباح، الوطن، الأمة، العدل، الآمال، سورية الشمالية، شفق، المرسح، الترقي السوري، الكلمة، الوقت، الميثاق، الاتحاد، الثعبان، التاج السلام، على كيفك، الأهالي، الجهاد، وحدة، الدستور، الضياء، التقدم، برق الشمال، النذير، الإصلاح، الحوادث، الشباب، النداء، الجهاد العربي؛ إضافة إلى دوريات كثيرة بعضها ما زال يصدر، ومنها مجلة الجذور، فؤاد، الورقاء، الحديث، مجلة الشركة الزراعية، الشعلة، النشرة الشهرية لغرفة تجارة حلب، حديقة التلميذ، الكشاف العربي، الجريدة الزراعية، مجلة المحاماة، المجلة الحقوقية، المرأة، الراوي، المعرفة، الرسالة، اليقظة، الرابطة، الإحسان، الرائد، السنابل، الناس، مجلة القربان المقدس، الرحمة، الحديث، مجلة بحوث جامعة حلب، الفجر، الاعتصام، الجامعة الإسلامية، رسالة العمال، الشهباء، الضاد، الطفل، الكلمة، العاديات السورية، النشرة السنوية لدار الأيتام السورية.

ولكن، ماذا عن الصحافة والمجلات الثقافية والعلمية بحلب اليوم؟ وماذا تذكر من المجلات؟ هل تفضلها ورقية أم إلكترونية، ولماذا؟ ما المجلات والصحف التي تتمنى وجودها في حلب؟

 

تطوير المفاهيم الجمالية

رأى الشاعر محمد حجازي مدير دار الكتب الوطنية أنه كان للصحف والمجلات في مدينة حلب، سابقاً، دور مهم وعظيم في رفد الساحة الأدبية بمعطى ثابت يمنح الفكر النبيل والمفيد، وهذا ما تراجع في الآونة الأخيرة لظروف موضوعية منها انتشار التقنيات والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل.

واستدرك: لكن، ستبقى تلك الصحف مراجع مهمة متحدية تلك التقنيات، ونذكر كيف تهافت الناس على أكشاك بيع الصحف والمجلات، والفالح من يخبئ له صاحب الكشك نسخته.

وتابع: وتبقى للصحف الورقية، على الرغم من تكلفتها العالية، متعتها وروادها الذين لا يستحسنون الإلكترونية.. وأنا حقيقة، أفضل الورقية لأنها موثوقة أكثر من تلك المواقع التي غدت مسيسة وغير واضحة المنشأ.

وأضاف حجازي: هذه الصحف لعبت دوراً هاماً في التوعية وصقل الروح الثقافية والنقدية، بل طورت عدداً من المفاهيم الجمالية، وكنتُ من أولئك المطالعين الذي يتباهى بالحصول على نسخته من كشك باب الفرج المعروف لجميع أهالي حلب، وقد طورت رؤيتي النقدية والشعرية ومنحتني فضاء واسعاً من الثقافة، ولم يتبق حالياً سوى مجلة “الشهباء الثقافية” التي تناضل للبقاء رغم زيادة كلفتها المادية، والتي تقوم مديرية الثقافة بدعمها وتوزيعها بنصف كلفتها، ولا يسع المرء إلا أن يتمنى عودة تلك الأيام وتلك الصحف، لأن الأمور تغيرت والقضايا المعيشية باتت ملحة أكثر ولا بأس بالصحف الإلكترونية التي باتت متاحة للجميع.

 

ترجمة المسرح الصيني منذ الثلاثينيات

وتمحورت إجابة أحلام استنبولي معاونة مدير الثقافة بحلب حول ثلاث مجلات، مؤكدة أنها تحمل العبء العلمي والثقافي في مدينة حلب اليوم، ولها انتشارها وفاعليتها، وبلا شكَّ، تساعد في تنمية الوعي بالعالم والقضايا التي نعيشها، وأولها “مجلة بحوث جامعة حلب” الأكاديمية المحكّمة المتخصصة، بفرعيها: مجلة العلوم اﻹنسانية للآداب والحقوق والشريعة، ومجلة العلوم الطبية والصيدلانية والفيزياء والكيمياء والزراعة، ويمكن للمهتمين بالجوانب العلمية اﻻطلاع عليها خارج الجامعة، ومن أقسامها الجذابة ما يتناول اﻷدب والنقد والدراسات التاريخية واﻷثرية.

وهناك، ثانياً، “مجلة العاديات” التي تصدرها جمعية العاديات بحلب منذ 1924، كأقدم جمعية أهلية في مجال الآثار والتاريخ والحضارة في الوطن العربي، واليوم نتابع إصدارها الجديد منذ 2003 بعد توقف لسنوات، وهي مجلة فصلية ثقافية توثيقية، أجد فيها متعة مزدوجة في الفائدة العلمية والتعرُّف على الآثار والتاريخ ومعالم حلب وسورية والوطن العربي.

وأكملت استانبولي: ثالثاً، مجلة “الشهباء الثقافية”، وهي الأحدث، لأن عددها الأول صدر في كانون الثاني 2012، بحلب، عن مديرية الثقافة بالتعاون مع اﻷدباء والنقاد والباحثين في المدينة، واستمر صدورها في سنوات الحرب كدليل على الصمود والتنوير ومقاومة محاولات تدمير هذه المدينة.

واختتمت: انطلقت منذ مطلع القرن العشرين في حلب مجلات عديدة فكرية وعلمية متخصصة في التجارة والمال والزراعة والحقوق، وأخرى تهتم بالمسرح والسينما، وعرفت حلب ريادة في اﻻهتمام بمجلة الطفل والمرأة. ولعل المجلة الثقافية اﻷدبية التي لا يمكن إغفال دورها التنويري والتجديدي في حلب وسورية والوطن العربي هي مجلة “الحديث” التي أصدرها شهرياً اﻷديب الناقد سامي الكيالي، واستمرت لما يزيد على الثلاثين عاماً متوالياً (1927-1959)، وكان كتابها من حلب وسورية والوطن العربي، وهي سجل ﻷلوان اﻷدب والفكر وجوانب من الفنون، ونلحظ الحضور الواضح لعدد من الشعراء في حلب وعلى رأسهم عمر أبو ريشة، عمر أبو قوس، شارل خوري، علي الناصر، أورخان ميسَّر، وتضمنت المجلة ترجمات لنصوص من اﻷدب العالمي من اﻹنكليزية والفرنسية والهندية واليابانية والبرازيلية، ولعل من المدهش التنبه إلى اﻷدب الصيني عندما ترجمت مسرحية صينية معاصرة، وهي من أقدم ما ترجم إلى العربية في ثلاثينات القرن العشرين.

 

الحامل الحضاري للتراث اللا مادي

بدأ الكاتب محمد سمية مدير المركز الثقافي بحي الصاخور من مجلة “الكلمة”: من أقدم المجلات الصادرة في حلب (حزيران 1924).. أسسها الأب بولس قوشاقجي، واستمرت حتى حزيران 1926، وبلغ عدد مشتركيها خمسة آلاف، وكانت توزع في 51 مدينة في كل من سورية ومصر والسودان وأمريكا الشمالية والجنوبية، ثم احتجبت، لكن الأب قوشاقجي أعاد إصدارها، وكأنها لم تنقطع في كانون الثاني 1929، وأصدرها هذه المرة كمجلة شهرية أدبية اجتماعية إخبارية، وحصل على امتيازها المحامي فتح الله صقال، وتعتبر أعدادها مرجعاً نادراً لا سيما عام 1929، لأنها غطت الأحداث الاجتماعية والسياسية واليومية التي جرت في حلب تحت الانتداب الفرنسي.

وأضاف: ما زال لمجلة “الضاد” الحلبية الصدى المجلي رغم مرور تسعة عقود على صدور عددها الأول عام 1931، فهي واحدة من المجلات العربية القليلة المعمرة، والتي استقطبت أسماء كبار الأدباء والشعراء في الوطن العربي، وحافظت على صلاتها مع أدباء المهجر، أمثال إيليا أبو ماضي وميخائيل نعيمة وأمين الريحاني وفوزي وشقيقاه شفيق ورياض المعلوف، ووالدهم المفكر الكبير عيسى اسكندر المعلوف والأخطل الصغير وكرم ملحم من لبنان، وميخائيل عواد من العراق، وأحمد حسن الزيات وعمر أبو ريشة وبدوي الجبل وسامي الدهان وغيرهم الكثير.

وتابع: رأى الباحث محمد قجة رئيس جمعية العاديات أن مجلة “الضاد” تعد المجلة الأدبية والفكرية الاجتماعية الوحيدة في حلب التي بقيت مستمرة في الصدور لعدة عقود فعنوانها المميز الذي يحمل اسم أجمل لغة، إضافة إلى صلتها الوثيقة بأبناء سورية في الداخل والمهجر، كان لهما الأثر الأكبر في بقائها.

وأردف: أيضاً، هناك مجلة بحوث جامعة حلب، التي صدر عددها الأول في آذار عام 1976، متضمناً الأبحاث في كافة الاختصاصات، واستمر ذلك لغاية عام 1984، حيث تم البدء بإصدار السلاسل التخصصية.

وتوقف سمية عند مجلة “الشهباء الثقافية”، وكيف أصدرتها مديرية الثقافة في حلب ضمن نشاطاتها الثقافية المتنوعة، مؤكداً على اكتسابها لأهميتها بسبب تنوعها بين الأدب والثقافة والمسرح والغناء والرسم والموسيقا والتراث المادي واللا مادي والإبداع، كما شكلت تحدياً تابعه مدراء الثقافة الثلاثة: غالب برهودي، حسن عاصي الشيخ، وجابر الساجور، لتستمر منذ 2012 وحتى اليوم.

وعن مسارات المجلات وآثارها، أجاب: تشكل المجلات والدوريات الثقافية والأدبية والفكرية والعلمية، إلى جانب الكتب والأبحاث التراثية والتاريخية الأخرى، الوعاء الثقافي والفكري والمخزون الأساسي للتراث اللامادي، وهي الحامل الحضاري الأكثر أهمية الذي يجسد الهوية القومية والوطنية الحضارية في حياة الأمم والشعوب، والوثائق الحية التي تحفظ حضارات الأمم لتتناقلها الأجيال على مر السنين والعصور.. ومن هنا، تنبع أهمية المطبوعات الورقية لهذا المخزون لحفظه من التحريف والضياع على الرغم من الأهمية الفائقة والحاجة الملحة والماسة لمواكبة الثورة التقنية، فما ينشر ويقرأ في شهر واحد على مواقع التواصل الاجتماعي – الفضاء الأزرق الأرحب – يعادل ما خطته أيدي الكتاب لعشرات، بل مئات السنين، لذلك، فلا بد من المطبوعات الورقية إلى جانب المواقع والمكتبات الإلكترونية.

 

بناء الإنسان الباني للحضارة

أجابتنا التشكيلية ناديا سعيّد: عادة لا تأتي الثقافة إلا بعد مرحلة أولية من التعليم، أي بعد أساس ضروري من التعلم الذي هو أساس لثقافة الفرد والمجتمع من الناحيتين العملية والبيولوجية، إذ أثبت العلم أن الخلايا الدماغية للشخص المثقف لا تشيخ بسرعة مثيلاتها عند الإنسان العادي، لأنها تكون بحالة نشاط لا يعرفها دماغ الإنسان العادي من العمر ذاته؛ لذلك، تولي الدولة أهمية كبرى لقطاع الثقافة وترصد له ميزانية خاصة، وتصدر المجلات رغم كلفتها الباهظة، وتباع بثمن زهيد ليتسنى للجميع القراءة؛ فهناك لكل جهة مجلة خاصة تعنى بشؤؤن العاملين فيها، مثل مجلة “المعلمين” و”الحقوقيين”، وتنهض الدولة بهذا العبء المادي من أجل رفع مستوى الوعي عند الفرد، كما أنها تمنح التراخيص للقطاع الخاص ليكون شريكاً في بناء الإنسان، ولا ننسى دور الإعلام في تحفيز الفرد على نهل المعرفة لتتماشى ذهنيته مع روح العصر.

وتابعت: أما عن المجلات التي أذكرها فهي “المجلة الثقافية” و”مجلة سوق الإنتاج”؛ ولقد لعبت بعض المجلات دوراً هاماً في حياتي، سواء في مجال الرسم أم الكتابة؛ ولا شك أن معارفنا تزداد قيمة عندما تمتزج مع تجارب الآخرين ومعارفهم، وأتمنى أن يكون هناك تخصص أكثر في المجلات بشكل يراعي رغبة الجنسين في القراءة حسب ميولهم واهتماماتهم مع مراعاة التفاوت في الشرائح المجتمعية، وهذا يجعلي أقول: المجلات الورقية أفضل بكثير بسبب ثمنها الرمزي، لأنها متاحة لكل فرد، بينما التكنولوجيا حكر على الشريحة القادرة على اقتناء الأجهزة الإلكترونية بثمنها الباهظ وكلفة استخدامها العالية.

واسترسلت: هناك للمجلة دور إيجابي توعوي جداً، وهي تثري حصيلة القارئ المعرفية، وتهذب مفرداته اللغوية، ومن المعروف أن الإنسان المثقف يمتلك قدرة على صياغة المفهوم وثقافة الحوار.

واختتمت: علينا أن نبدأ من الحلقة الأصغر، أي الأسرة لتتسع الدائرة إلى من حولنا، ونسعى إلى تنمية ميولهم معرفياً ووجداناً إبداعياً، وبهذا، نساهم في رفع مستوى الذكاء عند هذا الجيل بالطريقة الأمثل للتميز والإبداع.

 

الكلمة الإلكترونية تتبخر!!

انطلق الكاتب الإعلامي محمد رمضان من شهرة طاقات حلب وأهلها: قالوا عن حلب في التجارة والعلاقات الإنسانية “أعرج حلب وصل الهند والصين”، وهذا ينعكس على الجانب الثقافي، وتظل حلب عريقة في هذا المضمار مهما طال الزمان، وكما يقول أحد الكتّاب الفرنسيين فإن القراءة والمطالعة “سلطان وقوة”. واعتقد أن القراءة الإلكترونية مهمة في حياتنا وحياة الأجيال الشابة، لأسباب عديدة، منها تبادل الآراء والسرعة.

وأكد على فاعلية الكتاب الورقي كونه أكثر تأثيراً في حياة الناس: ربما لأن الكلمة الإلكترونية سريعة التبخر، فيما تظل للقراءة الورقية نكهتها الخاصة بدءاً من الغلاف عبوراً بالأفكار وصولاً إلى إمكانية إعادة القراءة بظروف مختلفة، وهذا ناتج عن خبرتي في وسيلتين قرائيتين: الإلكترونية والورقية.

وتابع: أمّا عن حلب ودمشق فكانتا من مدائن الإعلام، وخاصة حلب، المدينة التي تجاري مدينتي بيروت والقاهرة في إصدار الصحف والمجلات، وتجمعها علاقات تجارية واسعة مع مختلف دول العالم.

وأضاف: اشتهر بعض الحلبيين بتأسيس الجرائد، وعرفت حلب العديد من النشرات والجرائد، إذ اتخذها الشيخ عبد الرحمن الكواكبي منبراً للكلمة الإصلاحية التي تدعو لاحترام كرامة وحقوق الفرد.