ثقافةصحيفة البعث

الأنسنة والترميز في تجربة روعة سنبل

وجدت القاصة روعة سنبل التي حصلت على جوائز عربية عدة، ضيفة جلسة “إصدار” بإدارة الإعلامي ملهم الصالح في مركز ثقافي العدوي من خلال دراستها في كلية الصيدلة أن ثمة تقاطعات بين الجراثيم والطفيليات والبشر، منحتها القدرة على التحليل والأنسنة والترميز ضمن مكونات السرد القصصي التي امتزجت بصياغة رومانسية، شكّلت محاور حوارية مع الإعلامي ملهم  الصالح.

في البداية قرأت روعة قصة “هو هو” إحدى قصص مجموعتها “صياد الألسنة” والتي نسجت من خيوطها حكاية امرأة عاشقة حتى بعد الموت معتمدة على الأنسنة، وهي تكشف مشاعر الأنثى التي تمرّ مثل النسيم في حياة الرجل، وتكشف وريقاتها عن التبدلات العاطفية التي تكويها بنار الغيرة والفقد: “سأصبح أنا نحلة وهو هو”.

عاد الصالح مع سنبل إلى مرحلة الطفولة وتأثرها بوالدها القاص أحمد سنبل، ومن ثم إلى تفوقها في كتابة موضوعات التعبير، إلى أن تخرجت في كلية الصيدلة واختلطت بشرائح مختلفة من البشر من خلال عملها في الصيدلية، ما دفعها لتكتب مشاهدات يومية  استوحتها من القصص الموجعة والجهل الاجتماعي، نشرتها في منتدى “شبابلك” أحد المنتديات الأدبية التي كانت سائدة قبل وسائل التواصل الاجتماعي، التي انتشرت منذ 2010 فانضمت إلى “نادي شام للقراء” وأعجبت بفكرة القراءة الجماعية وتعرّفت إلى كتّاب سوريين لم تعرفهم من قبل.

وانتقل الصالح إلى التفاصيل السردية التي بدأت تتبلور في تجربتها، متوقفاً عند تقنية المونتاج وإعادة الترتيب في النص الذي لا ينشر من الكتابة الأولى، وإنما تخضعه لمحاولات التجريب والمونتاج، فأوضحت بأنها تعتمد على نصوص تكتبها لتكون نواة تشتغل عليها فيما بعد، وكانت البداية في عام 2017 حينما بزغت فكرة مشاركتها في مسابقة الشارقة للإبداع الأدبي، فأرسلت عبر البريد الإلكتروني مجموعتها القصصية الأولى، وكانت بعنوان “حمل هاجر”، إلا أن دائرة الثقافة في الشارقة اختارت عنوان “صياد الألسنة”، واستبعدت القصة التي حملت عنوان “حمل هاجر” ونشرت فيما بعد بمجلة مصرية “ميريت”.

وسألها الصالح عن خصوصية المناخ السردي لقصص المجموعة الحافلة بالتناقضات والمفارقات والفانتازيا والخيال “مثل جنية متقاعدة، وماذا لو تركك ظلك، وفراشات غائبة.. وغيرها”، ليصل إلى أنها تمرّر الكثير من المسائل الموجعة في حياة الأنثى، مثل الإصابة بسرطان الثدي، ونوّه بتقنية الترميز الذي عبَرت منه في بعض نصوص المجموعة. ووجد الصالح أن تقنيات السرد تطوّرت أكثر في مجموعتها الثانية “زوجة تنين أخضر وحكايات ملونة أخرى” التي طُبعت ووزعت في الأردن خارج سورية أيضاً، فمن الواضح تقسيم المجموعة إلى ثيمات، واحتواء كل ثيمة على نصوص عدة ترتبط بشكل أساسي وعضوي، أيضاً العنونة بألوان “أسود، أحمر، أزرق، أبيض” وتبديل الأمكنة ليخلص إلى أن الكاتبة كانت قادرة على شدّ القارئ ليمسك بطرف الخيط ولا يستطيع الإفلات منه.

السجع والوزن

في مجال كتابتها بأدب الطفل، أوضحت سنبل أن أدب الطفل ليس من طموحاتها، لكن من خلال علاقتها بابنتيها -لوليا ويارا- اكتشفت أن جيل الأطفال لا تستهويه القراءة مقارنة مع وسائل التكنولوجيا، ما دفعها للمشاركة بمسابقة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال لفئة –من أربع إلى سبع سنوات- وفازت قصتها “دندون صانعة الغيوم” بالجائزة، وبيّن الصالح سمات السرد المختلفة باعتمادها على السجع والوزن والقافية والخيال كثيمة أساسية، ليتوقف معها عند مسابقة قنبر العراقية للكتابة للطفل لفئة أكبر من ثماني سنوات إلى إحدى عشرة سنة بقصة “يوم اختفت الجدات”، محللاً الربط بين جيلي الجدة والحفيدة والخوض بمناخ غرائبي مركزة فيه على توظيف الأداة لإقناع الطفل وتجيير الواقع إلى نص خيالي.

مشهدية مسرحية

ورأى الصالح أن الكاتب يطمح لتحويل قصصه ورواياته إلى فيلم سينمائي، بينما روعة سنبل تتمنى أن ترى شخوصها تتحرك أمامها على خشبة المسرح، فالتحقت بورشة كتابة مسرحية في غاليري مصطفى علي، لكنها لم تستطع أن تكتب نصاً مسرحياً لغياب الحوار عن أغلب قصصها كونها تعتمد على الراوي الضمني، فانتبهت إلى هذه الثغرة وتمكنت أن تستحضر من مشهدية الأشجار في الغاليري فكرة النص المسرحي الذي كتبته لاحقاً “النساء والأعشاش اليابسة”، كما شاركت بتجربة إبداعية مشتركة بإدارة الأديب خليل صويلح بمجموعة “ليلكي غامق”.

وطالت تجربتها الكتاب الافتراضي من خلال استحضارها الرواية الإيطالية “الديكاميرون” التي تحدثت عن الطاعون، فوجدت رابطاً بينها وبين الكورونا، وبدأ المشروع بإنشاء صفحة على الفيس بوك تستقطب نصوصاً من كتّاب معروفين ومبتدئين لا تدور حول الكورونا تحت شعار “نحكي لننجو”، فكانت النتيجة بتجميع خمسين قصة لعدة كتّاب بعنوان “ديكاميرون” 2020 ويعتمد على مبدأ رواية ديكاميرون للكاتب الإيطالي جيوفاني بوكاتشو باختيار ثيمات والكتابة عنها، فاختارت خمس ثيمات “القطارات، المرايا، الحبال، الأحلام، الفقاعة” طُبع من قبل دار الآن في عمان على أن تبقى نسخة الكتاب الإلكترونية مجاناً.

الموروث والواقع

تخلّل جلسة “إصدار” عرض فيلم تسجيلي عن مسيرة الكاتبة روعة سنبل ومراحل تجربتها القصصية ونيلها الجوائز، كما تخللها رسائل تسجيلية، منها للإعلامي سامر الشغري من سانا الذي كتب عن روعة سنبل مشيداً بموهبتها وتمكنها من تقنيات السرد، وأوضح أنها مقصّرة بحق نفسها ولا تتواصل مع الإعلام، بينما رأى د. محمد حوراني رئيس فرع دمشق لاتحاد الكتّاب العرب أنها لم تأخذ حقها ولم تشتهر على المستوى الداخلي في سورية كما اشتُهرت عربياً، ربما لأنها لم تدخل في أجواء المافيات الثقافية التي تنتشر وتضمّ الكثير من الأشخاص الذين لا علاقة لهم بالأدب والثقافة، وأثنى على قدرتها السردية بالاتكاء على الموروث وتصوير الواقع.

وبكلمة أخيرة اختزل الصالح التجربة السردية للكاتبة روعة سنبل باستحضار الذاكرة والتقسيم وفق الثيمات والاقتباسات الأدبية،  الموظفة ضمن النص، وتوظيف اللون والمونتاج ومزج الخيال بالواقع، أما روعة سنبل فصرحت بأن لديها إشكالية باختيار العناوين.

التقصير الإعلامي

وطالت المداخلات التقصير الإعلامي بحق روعة سنبل التي لم يكتب عنها إلا سانا، لكن هل يقع اللوم على الإعلام السوري والمعنيين بالشأن الثقافي فقط، أم يطال الكاتبة نفسها لأنها لم تطبع في سورية وتشارك في معرض الكتاب، وربما لعدم ميلها للشهرة والأضواء كما ذكرت؟.

ملده شويكاني