رأيصحيفة البعث

التطبيع ليس شأنا داخلياً…

محمد كنايسي

ما تسوقه بعض الأنظمة العربية من حجج وذرائع لتبرير تطبيعها مع العدو الصهيونية ينطبق عليه المثل الشهير “رب عذر أقبح من ذنب”، فهو ليس أكثر من مغالطات يعرف أصحابها أنفسهم أنها كذلك، وأنها اعتداء فاضح على الحقيقة وتزوير وقح للتاريخ. وليس هدفنا هنا الرد على هذا النوع من التبرير فقد وصلت بعض أبواقه المأجورة إلى حد القول: إن فلسطين للصهاينة، وإن لا حق تاريخياً ولا قانونياً للفلسطينيين فيها!!. وحسب هذه السردية البائسة، يتم قلب الحقائق ليصبح الإرهابيون الصهاينة، الذين احتلوا فلسطين، وشردوا أهلها العرب، هم سكانها الأصليون، في حين يصبح  الأصليون جماعات من شذاذ الآفاق الذين لا علاقة تربطهم  بالعرب ولا بفلسطين.. وغير هذا من الأكاذيب الصارخة، التي إذا كانت تدل على شيء فهو أن مطلقيها قد طلقوا  الحياء بالثلاث،  ووصلوا في الانحطاط الأخلاقي إلى أسفل الدرك..

ما يبدو للوهلة الأولى طرحا يستحق الرد هو القول: إن التطبيع شأن داخلي يتعلق بسيادة الدولة و مصالحها الوطنية. والسؤال ما الذي تغيّر حتى أصبح مثل هذا الطرح ممكناً؟ .هل غيّر كيان العدو سلوكه وأعاد للفلسطينيين حقوقهم؟، وبما أن الجواب هو لا، هل ثمة مؤشرات على أنه يمكن أن يفعل ذلك في المستقبل؟، الجواب أيضا هو لا، فالصهاينة لا يتوقفون فعلاً وقولاً عن تأكيد أن هدفهم الأساسي هو تأبيد  الاحتلال وتصفية القضية الفلسطينية، ما يعني منطقياً أن التطبيع هو في هذه  الحالة هدية لـ “اسرائيل” وتشجيع لها، بل هو أكثر من ذلك دعم لمشروعها الاحتلالي والاستيطاني والعنصري. فأين هي، والحالة هذه، الاعتبارات الوطنية والسيادية التي تبرر التطبيع؟!

لا وجود لها بالتأكيد، فالكل يعرف مدى ارتهان قرارات الأنظمة المطبّعة لأمريكا من جهة، و كذبة المصالح  الوطنية التي يحققها هذا التطبيع  من جهة أخرى. والحقيقة هي أنه اختراق خطير للأمن القومي العربي، حتى وإن كان هذا الأمن يعاني من غيبوبة في الوقت الراهن، ذلك أن الوضع العربي المتردي ليس محكوماً بالبقاء على هذه الحالة إلى مالانهاية، ولاسيما إذا أخذنا في الاعتبار التوجهات الشعبية العربية الداعمة للقضية الفلسطينية والرافضة للتطبيع من جهة، وتمكن قوى حلف المقاومة في المنطقة من إفشال المخططات العدوانية، وامتلاك القدرة على مواجهة العدو الأمريكي الصهيوني في مختلف المجالات.

إن قضايا العروبة وفلسطين والأمن القومي العربي هي اليوم قضية واحدة. وإذا كانت تحديات المرحلة قد فرضت أولوية المسألة الوطنية للحفاظ على وحدة الدولة العربية ومنع إسقاطها وتقسيمها،  فإن هذه المسألة لا تنتج مفاعيلها هذه إلا في السياق القومي  وليس من خلال التعارض معه ومعاداته، وذلك لأنه يجسد المشروع الوحيد القادر على مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني، وضمان مستقبل الدولة الوطنية، من خلال تحقيق المضمون الفعلي لسيادتها واستقلالها ونهوضها. ومعنى هذا هو أن التطبيع ليس خطراً على المشروع العروبي وقضيته المركزية فلسطين فقط، ولكنه خطر يهدد الدول المطبعة ذاتها من حيث تقدّر خطأ أنه سيحميها، وأنها ستجني من ورائه الأرباح السياسية الوفيرة…

وليعلم المطبعون أنه عندما تتحوّل قضية فلسطين إلى شأن داخلي يبيح  لأي دولة عربية التفريط بها والتطبيع مع الصهاينة، فذلك يعني أيضاً أنها تضر بما تدعي أنها تعمل من أجله أي بالمصلحة الوطنية،  وليستفتوا شعوبهم إن كانوا يمتلكون الجرأة، فإن عندها الخبر اليقين.