دراساتصحيفة البعث

محادثات بريكست.. النقاط العالقة

ترجمة: علاء العطار

بينما يتوجه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى بروكسل لمحاولة نقل المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة إلى نهايتها في أيام احتضارها، حري بنا أن نتذكر حقيقة بسيطة: القضايا التي تسبب المشاكل الآن هي نفسها التي كانت دائماً تشكل حواجز أمام إبرام صفقة.

وإذا كانت محادثات المادة 50 التي استمرت بين عامي 2017 و2019 تدور حول إنهاء عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، تدور المفاوضات الحالية حول إنشاء علاقة جديدة بين الجانبين، ففي حين تعامل الاتحاد الأوروبي مع حقوق المواطنين في أراضيهما ومع إدارة البعد الأيرلندي، ركزت المملكة المتحدة على ترتيبات تجارية أكثر عمومية وعلى مدى رغبتها في البقاء خاضعة لقواعد الاتحاد الأوروبي في المستقبل.

عندما بدأت تلك المحادثات في آذار من هذا العام، اتضحت ثلاث نقاط شائكة رئيسية على الفور من المواقف المعلنة للحكومة البريطانية والمفوضية الأوروبية.

مصائد الأسماك

أولاً، وربما النقطة الأقل أهمية، هي مسألة مصائد الأسماك، وهي رمز قوي لعيوب عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي منذ السبعينيات، فمع استنفاد المخزونات وازدياد الصيد الذي تأخذه سفن غير بريطانية، ليس من المستغرب أن ترغب المملكة المتحدة بالتملص من أي التزامات في الحفاظ على العناصر السياسة المشتركة للمصائد. “المياه البريطانية للصيادين البريطانيين” هي أيضاً إحدى الشعارات التي يجري الترويج لها للجمهور البريطاني، وقد تضيع لولا ذلك في تعقيدات كل ما يجري.

على الجانب الآخر، يرغب الاتحاد الأوروبي في الاحتفاظ بإمكانية الوصول إلى المصائد، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن مصائد كثيرة في المملكة المتحدة تنتهي في المياه الأوروبية، وأيضاً لأن الترتيبات الخاصة بإدارة مصائد الأسماك التي يقترحها أكثر قوة وقابلية للتنفيذ من نموذج التعاون المعتاد الموجود. في كلتا الحالتين، أسس الاتحاد الأوروبي حججه على لغة الممارسة العرفية، والتي تحمل أهمية كبيرة في قانون البحار: يجب أن تكون طريقة سير الأمور في السابق مرشداً قوياً لطريقة سير الأمور في المستقبل.

وبالرغم من أهميتها، تظل مصائد الأسماك جزءاً صغيراً من النشاط الاقتصادي لكلا الجانبين. لذا من غير المرجح أن تتسبب بعرقلة الصفقة أو بإبرامها، بالإضافة إلى ذلك، تتمتع المصائد بميزة كبيرة تتمثل في إمكانية العثور على تسويات بعدة طرق مختلفة، ما يجعلها قطعة مثالية في موازنة المشكلتين الأخريين الأكثر أهمية.

فرص متكافئة

من بين النقاط الثلاثة المشار إليها، سيكون لـ “تكافؤ الفرص” التأثير الأسرع والأوضح. من حيث المبدأ، يتعلق الأمر ببساطة بمسألة اتفاق الجانبين على عدم إضعاف المعايير في أمور مثل حماية البيئة أو حقوق العمال لجعل السلع والخدمات أكثر تنافسية بعد البريكسيت.

إذ يخشى الاتحاد الأوروبي من أن تبدأ المملكة المتحدة بسباق تنازلي بشأن المعايير بمجرد أن تصبح غير ملزمة بالالتزامات التي تأتي مع عضوية الاتحاد الأوروبي، وسيكون لذلك عواقب وخيمة على منتجي الاتحاد الأوروبي، بالنظر إلى حجم المملكة المتحدة وقربها الجغرافي.

على الجانب الآخر، ينتاب الحكومة البريطانية قلق من أن يكون تكافؤ الفرص وسيلة لمواصلة التزامات العضوية حتى بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. وفي حين تقول الحكومة إنها لا تخطط لتقليص ضماناتها، تشعر أن من الصواب أن يكون لديها خيار القيام بذلك، من حيث المبدأ أكثر من الحاجة.

ظلت إمكانية سد هذه الفجوة أقل من مسألة مصائد السمك، لأن هناك طرقاً قليلة جداً لسدها، فإما أن تلتزم بإتباع معايير الطرف الآخر أو لا تلتزم. وبالنظر إلى أن كل ما يحدث بشأن هذا الأمر سيؤثر على الاقتصاد بأكمله، فإنه ليس أمراً يمكن تجاهله ببساطة، لا سيما بالنظر إلى انعدام الثقة في المحادثات الحالية.

تسوية الخلاف

إن قلة الثقة في المحادثات هي التي تسيّر القضية النهائية: توجيه وتسوية الخلاف. كان لنتيجة الاستفتاء الكاسحة لصالح “بريكست” منذ استفتاء عام 2016 أثر في تدهور العلاقات بين لندن وبروكسل بدل تحسينها، إذ تصرفت المملكة المتحدة في كل مرحلة حاسمة بطرق أثارت أسئلة أساسية في الاتحاد الأوروبي حول ما إذا كانت تتصرف بحسن نية.

نتيجة لذلك، يريد الاتحاد الأوروبي أن يكون قادراً على ضمان أن يكون لأي صفقة آلية إنفاذ قوية وفعالة. يتضمن ذلك استخدام محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي للحكم في المسائل المتعلقة بقانون الاتحاد الأوروبي وآلية الرد بالمثل، أي أن فكرة عدم الامتثال في مجال ما من مجالات التعاون المتفق عليها يمكن أن يقابل بعقوبات في مجال آخر: لذا فإن عدم الالتزام بحصص الصيد قد يؤدي إلى فرض تعريفات على السيارات، مثلاً.

وبالإضافة إلى قولها إنها ستفي بتعهداتها، كانت وجهة نظر المملكة المتحدة أنها، بصفتها غير عضو في الاتحاد الأوروبي، لا يمكن أن تظل ملزمة بالنظام القانوني للاتحاد الأوروبي، وأنه يجب احتواء أي مشكلة في مجالها الخاص، بدلاً من تلويث العلاقة بأكملها. وكما هو حال مسألة تكافؤ الفرص، لا توجد العديد من الخيارات هنا، وموقف المملكة المتحدة ضعيف نسبياً، نظراً للممارسات في اتفاقيات التجارة الحرة الحديثة الأخرى حول العالم.

وهذا يعيدنا إلى البداية: لا شيء مما ذكر جديد، فتسعة أشهر من المفاوضات المكثفة لم تحل أياً من هذه المشاكل الثلاث، لذلك من الصعب أن نرى كيف يمكن إيجاد أي حلول جديدة من خلال اجتماع (قد يكون قصيراً) بين جونسون ورئيس المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. وإن قدر للصفقة أن تبرم، فمن المرجح أن تبنى على الحلول التي حددت مسبقاً. ما سيختلف هو أن هذه لحظة سياسية يتغلب فيها فرصة كسو كل هذا برداء من خطاب رقيق وعمل إيضاحي على الارتباك الفني والتفاوض على التسويات.