دراساتصحيفة البعث

ترامب والمغرب.. صفقة محفوفة بالمخاطر

ترجمة: هناء شروف

عن الفايننشيال تايمز

تعتبر صفقة “السلام” الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع المغرب من بين أغرب الصفقات التي أبرمتها إدارته، لأن اعتراف الولايات المتحدة بالسيطرة المغربية على الصحراء الغربية يشجع الحرب وليس السلام. تنص الصفقة على اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه مقابل تطبيع المغرب للعلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل”. توجد في هذه المقايضة جميع السمات المميزة لأسلوب قيادة ترامب ومحاولة لإرضاء غروره، والحب لصفقة مهما كانت التكاليف على المدى الطويل، واللامبالاة بالضرر الذي يسببه هذا النهج.

الصفقة التي أبرمت مع المغرب هي الأحدث في سلسلة الصفقات التي عقدتها الولايات المتحدة الأمريكية مع الأنظمة العربية التي حسنت العلاقات مع “إسرائيل” بناء على طلب من الحكومة الأمريكية. في الواقع كانت جميعها صفقات بما تحمله الكلمة من معنى، فقد تمّت إزالة السودان مما يسمّى “قائمة الدول الراعية للإرهاب”، بينما أعطت إدارة ترامب الإمارات المتحدة الضوء الأخضر لشراء طائرات مقاتلة أمريكية متطورة من طراز F-35. أما صفقة المغرب فقد حصلت من جانبها على اعتراف الولايات المتحدة بسيادتها على الإقليم المتنازع عليه منذ خروج الاحتلال الإسباني منه عام 1975، وهو ما سيزيد من حدة الاقتتال بين المغرب وجبهة البوليساريو التي تطالب بدولة مستقلة في الصحراء الغربية.

هذه التوترات في الصحراء الغربية خطيرة للغاية، وقد ارتفعت خلال الأسابيع الأخيرة حين بدأت جبهة البوليساريو في إطلاق النار على القوات المغربية التي تحرس جداراً رملياً محصناً بطول 2700 كيلومتر. جاء ذلك في أعقاب توغل القوات المغربية في منطقة عازلة منزوعة السلاح لتطهير طريق سريع يربط شمال إفريقيا بأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والذي أغلقه المحتجون.

في عام 1991 دعا قرار للأمم المتحدة لوقف إطلاق النار لمدة 30 عاماً تقريباً، حتى يتم تحديد وضع الإقليم عن طريق استفتاء شعبي، ولكن يأتي اعتراف الولايات المتحدة ليدمّر التوافق الدولي بشأن هذه القضية، ويشجع على المزيد من زعزعة الاستقرار في منطقة تمزقها الصراعات في مالي وليبيا، التي هي أصلاً أرض خصبة لتجنيد الإرهاب.

لذلك يبدو أن هناك أهداف طويلة المدى للسياسة الخارجية الأمريكية من هذه الصفقة،  فقد خضعت لرغبة ترامب في تقديم نفسه على أنه صانع “سلام” ومفاوض رئيسي. صحيح أنه فشل في التوسط فيما بسمّى “صفقة القرن” لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكنه لا يزال يهدف إلى التفوق على سلفه باراك أوباما، الذي فاز بجائزة نوبل للسلام. ولكن مجرد الاعتراف بسيادة المغرب على إقليم الصحراء الغربية يعد تصرفاً غير مسؤول من قبل ترامب، الذي تتمثل استراتيجيته في تقديم كل ما يمكن أن يطلبه أحد الأطراف وإزالة أي نفوذ من الجانب الآخر، مثلما فعل باعترافه بالقدس عاصمة لـ “إسرائيل”، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على منطقة مرتفعات الجولان السورية المحتلة.

لن تفشل الصفقة الأخيرة لإدارة ترامب فقط ، بل قد تؤدي في الواقع إلى إشعال صراع جديد. ومن دون احتمال إجراء استفتاء، من المرجّح أن تكثف جبهة البوليساريو أنشطتها المسلحة في الصحراء الغربية. لهذا بدلاً من تلميع أوراق اعتماده كصانع “سلام” في أيامه الأخيرة في منصبه، يواجه الرئيس ترامب خطر بدء جولة جديدة من عدم الاستقرار.