مجلة البعث الأسبوعية

ناقفو الحنظل..

“البعث الأسبوعية” محي الدين محمد

إذا كانت مهمّة الفعل الثّقافي في عصرنا المأزوم، هي البحث عن الظّواهر التي تلقي بظلالها على المجتمعات البشريّة، عبر دوائر معرفيّة مترابطة فيما بينها، والتي تلازم الأديب روحيّاً، بحيث يقف في نصّه على إنتاج الأثر الواقعي الذي ترافق دلالاته القيم الإنسانية العليا، وتحمي النّجوم في سماء الوطن من ظلمات تستهدف سطوعها، في ظل أوضاع كونيّة تحكم شأن المقيمين على الأرض فيها عقول قاصرة، وإعلامٍ متخيّل عاجز عن قول الحقيقة بسبب سوء الإدارات التي يشرف عليها سياسيّون أمثال ترامب، وإلى جانبه قادة المصادفات، والانفعالات، في الخليج العربي والمغرب العربي أيضاً. وبات واضحاً من خلال متابعة ذلك السّلوك الذي يقوم على الإمساك بقارورة التملّق التي تتضوّع بالمديح الكاذب وتجاهل حضارة النّص المثقّف الذي صنعه الأدباء العرب السّوريون في التّاريخ، والذين تشهد لهم اللغة الشّافّة بمواقف الالتزام بالقضايا الوطنيّة والقوميّة في لباسها الحضاري المشترك.

إنّ ما يجري على السّاحة الثقافية في الوطن العربي هذه الأيام يشبه ناقف الحنظل الذي يثير حرارة الدّمع في الجفون، وذلك من خلال السّعي الدّؤوب للقادة التّابعين ليهود أمريكا من أعراب العصر لخلق مشهد العجز عند المثقّف العضوي الحريص على وحدة الأرض والسّماء في وطنه، وأوعز السّلاطين والحكام للتّابعين لهم للاهتمام ببناء السّجون بقصد التّعذيب لذوي الطّاقات الابداعيّة عبر خصومة يتجرّع فيها الحاكمون من الملوك كؤوس التّعالي، والإعجاب الدّائم باللباس الواسع والفضفاض عند رؤية الحسناء، وهم يعاقرون النّبيذ ويستمعون للأغاني الباطلة.. وقد تعمّد ثالوثهم المكاني الخاص بكل الشّهوات..

إنّهم أبناء الفكر الوهّابي الذي صنعه الجاسوس البريطاني همفر، والذي عرف الحكاية بكل أحداثها المثيرة، وكان ماهراً في تحقيق الهدف، وما يرمي إليه، وهو اغتيال العقول الشابة في الدولة العربية السّورية، والتي أذهلت مقاومة أبنائها كل رجالات السّياسة المتهوّرين بعالمنا، وعلمّوا الآخرين من سكان الأرض كيف تكون المقاومة.

وقد نضجت الآن طقوس احتفالاتهم بالانتصارات التي وصلوا إليها وإلى جانبهم الشرفاء من الرجال المؤمنين بحرية الأوطان.

لقد اهتزّ سطح الذّاكرة اللغوية التي استوعبت تضحياتهم، وتحوّلت إلى دروس يتعلّم منها طلبة المدارس والجامعات كيف تكون الحياة حرّة في عالمنا المترامي..

إنّ ما يسمّى الزّعيم الأوحد في البلدان العربية الذي يرتدي العباءة وهي تهتز تحت جسده عند لقاء معلميه من اليهود الأمريكيين، وقد ارتكب كلّ المحرّمات بحقّ المبدعين الملتزمين بثقافة الحريّة، وكان مدّعياً صحوته الخلقية على الله والدّين تجاههم قاصداً التّدمير للأجيال الشّابة، واغتيال سؤالها الحضاري الذي يمثّله سلوك السّوريين في مقاومة الغزوات التي تعرّض لها العرب في حياتهم، وفي مقدّمتها قضيّة العرب الأولى، فلسطين، والتي كان وراء نكبتها تلك الأنظمة المرتبطة بالأعداء، والمقفلة على خصومة المبادئ الإنسانيّة في خريف خليجي لا شتاء بعده..

يقول أحد الحكماء “إنّ الأفكار تولّد الأهداف، والأهداف تدفع إلى الفعل والفعل يشكّل العادات، والعادات هي التي تجدّد الشّخصية، والشّخصية هي التي تقرّر المصير”.

لكأن هذا الحكيم أدرك جيداً أن حرّية الضّمير هي أثمن ما يملكهُ البشر وأن عمليّة الوعي الثّقافي تقوم على فهم طبيعة الاختلافات بين المواقف ولكنها ضرورة مطلوبة على الصّعيد الأدبي فنيّاً”.

بحيث تنتصر الحريّة الفكريّة على كل الأصعدة في زمن قلّ فيه المنصفون..